المرجعية السياسية في الحكم !!-عبدالامير الخرسان- فنلنده
Wed, 4 Apr 2012 الساعة : 13:04

اعتمدت الحكومات منذ القدم في ساحة السلطة والحكم مبدأ السياسة وان كانت في بادئ الامر تعتمد سياسة القوة والبطش في احكام السيطرة على الشعوب كما هو عاد وشداد والفراعنة في مصر وبعد ذلك تعدّت مرحلة القوة واعتمدت على المراوغة والمكر والخداع وبذل الاموال من قبل الحاكم ليخضع الشعوب الى سلطانه بالاغراءات المادية والعطاء لزعماء العشائر او كبار ووجهاء القوم وبهذا يستطيع الحاكم كسب اكثر المواطنين وتسهل عليه السيطرة على البقية الباقية وان كانت لا تخلوا من القوة لمن عارض طريقهم او وقف في وجوه هؤلاء الظالمين . وكانت هذه السياسة في عهد الجاهلية قبل مجيء الاسلام لذا نرى كفار قريش راوغوا رسول الله (ص) في اول الدعوة ان يعطوه ما يريد من الملك والجاه والثراء العريض والشأن العظيم مقابل ان ينتهي من دعوته ورسالته الاسلامية الربانية ولكنه رفض رفضا قاطعا حتى يظهر امر الله او يهلك دونه . وكلام قريش يدل على ان هناك اسلوب المراوغه والمخاتلة في الحكم .
لقد استخدم الحكم الاموي بعد مرحلة الخلفاء الراشدين اسلوب المراوغة والمخادعة واسلوب البذل والعطاء لزعماء القبائل محاولة منهم لشراء ضمائرهم وادخالهم في سلطانهم وحكومتهم الغير شرعية .
لقد كانت السياسة في الحكم منذ العهد القديم حتى مجيء الاسلام بدائية وبسيطة وتقوم على بعض النقاط البسيطة والمتواضعة كالقضاء وتوزيع الانتاج الزراعي او توزيع الرواتب على العاملين في الدولة وتمشية الامور التجارية والتعاون الاقتصادي بين الدول الكبرى كما كان بين الدولة الرومانيه والدوله الفارسية والدول الاخرى المجاورة وان كان وضع حمورابي تشريعا وقوانين للدولة الاّ انها لم يسمح لها ان ترى النور الاّ ايام حمورابي وكانت لا تتعدى هذه الاحكام .
لقد بقيت الاوضاع السياسية السائدة في العالم ولم تتطور او تنمو الاّ نموا بطيئا يكاد يكون معدوما حتى جاء الاسلام الحنيف واسّس للسياسة العادلة التي تقضي بالموازين الحقّة للانسان لانها وضعت نظاما تشريعيا شاملا لشؤون الحياة ومرجعية متكاملة يرجع اليها العام والخاص في معرفة تفاصيل الاحكام العبادية والقضائية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية .
ان الاسلام هو اول من اسس للسياسة في الحكم ووضع القوانين الجامعة في هذا المجال وجعل مراجعها هم النبي الاكرم (ص) والائمة الاطهار (عليهم السلام) الذين يعرفون الصغيرة والكبيرة والدقيقة والمعقدة من هذا القانون او التشريع السماوي فكانوا اهلا له لانهم استطاعوا ان يفصلوا احكامه ويبينوها ويحكمون ضمن قواعدها العادلة والصحيحة . وبقي عندهم خط التشريع منفتحا على كل الاحداث والمستجدات وقواعده تنطبق على كل المسائل الجديدة في الحكم والقضاء والسياسة والاقتصاد والاصلاح .
لقد اعترف الغرب بسياسة الاسلام التي انقذته منذ العصور الوسطى من جاهليته وتخبطه في الحكم بلا تشريع واضح او سياسة واضحة معلومة عندما التزموا سياسة الاسلام في التشريع والحكم ليؤسسوا لها نظاما او دستورا في الحكم والقضاء والسياسة والاقتصاد ليبرز دور الاسلام في هذه النظم التي اصبحت تسود كل الانظمة من عدة نواحي مثل الضمان الاجتماعي والعدالة الاجتماعية وتأسيس المحاكم الدولية على اساس القضاء العادل وانشاء المعاهد والجامعات السياسية لتضع البرامج والخطط في السياسة والقانون والحقوق وتصبح فريدة نوعها من هذا الجانب السياسي والتقارب المعيشي والتعايش السلمي بين افراد المجتمع الانساني الواحد والمتعدد القوميات والجنسيات .
لقد امتازت الحركة السياسية الاوروبية في الاستمرار على التطور والانفتاح على العالم واحتواء كل الازمات والمعاناة التي تنتجها العصبيات او الحكومات المتسلطة ظلما وعدوانا خصوصا بعد الحرب العالمية الثانية وبعد ما أكلتهم الحروب استطاعوا ان يحافظوا على الثلّة الباقية منهم بواسطة التماشي مع الدستور واقرار بنوده في العمل السياسي والاقتصادي والاجتماعي بواسطة مراجع النظام الذين وضعوه واسسوا له ودعوا الى تطبيقه بشدّة ليسود الناس السلام والاطمئنان .
ان الدستور العراقي الذي كتب بأيدي عراقية فكرية نريد له ان يأخذ دوره الريادي في العمل به ونريد من مرجعيته السياسية ان يجعلوه مرنا منفتحا يمكن له ان يحل ويعالج كل القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية وكل الازمات بوضوح وشفافية ووضع آليات وقواعد تناسب كل هذه الازمات والمشاكل لتضع لها الحلول السليمة الناجعة لاصلاحها وتقويمها .
يجب ان يكون الدستور منفتحا واسع الافق متطورا وليس غامضا ومتقوقعا على نفسه ولم تكن فيه الآلية والقاعدة التي تنطبق على كل مشكلة او حادثة لتجد لها الدليل والمخرج والبديل حتى يبقى الدستور فريدا من نوعه ومعالجا لكل قضايا الامة والشعب .
ان لكل دستور مرجعية سياسية واقتصادية واجتماعية يرجع اليها المختصون والقائمون في الحكم والقضاء والسياسة والاقتصاد كما هي المرجعية الدينية وكما للصحة والطبابة مرجعية واستشارية وللهندسة مرجعية واستشارية يرجع اليها ذوو الاختصاص . كذلك ايجاد المرجعية في السياسة والحكم وان المرجعية الدينية هي الاصلح والاقوم لهذه المرجعية السياسة ان لم توجد المرجعية السياسية لأن لها الاثر الفاعل في معالجة كل الامور والاشكاليات والازمات المعقدة التي سببت تازّم الوضع والانفلات السياسي والاقتصادي والاجتماعي والامني .