قراءة واقعية لقمة بغداد العربية .!- ناصرعمران الموسوي
Wed, 4 Apr 2012 الساعة : 12:10

تشكل قمة بغداد التي اختتمت أعمالها يوم 29/3/2012 منعطفاً مهما ًوارتسامه قدرية لتما هي الزمان والمكان وما بينهما من تلازم رمزي وراهني وظرفية آنية تؤرشف لرؤية مستقبلية، شكلت بحضورها المكتمل عربيا ً،نقطة مفصلية لمرحلة جديدة في عمر الجامعة العربية التي لا تحظى مقرراتها وقممها السابقة برضا وتأييد المواطن العربي و كثيرا ً ما رددت الجماهير العربية المقولة الشائعة (اتفق العرب على أن لا يتفقوا ) ولعل سبب ذلك يقف في الجرح العربي النازف العصي على الالتئام ،ففلسطين لما تزل الغائبة المفقودة والحاضرة في ذاكرة ومحور القضايا العربية ، والفشل العربي في تحقيق اي مكسب سياسي ملموس للشعب الفلسطيني ،هو الذي جعل الشعوب العربية عازفة عن الرؤية الحلمية بتحقيق متطلبات عربية في اجتماعات القادة العرب ، وقمة بغداد ومن خلال ما لمسناه من تصريحات وكلمات الوفود العربية ،وبخاصة ما جاء على لسان الأمين العام للجامعة العربية السيد نبيل العربي ،الذي أكد بان قمة بغداد ،ستشكل منعطف في تشكيل هيكلية الجامعة العربية ،وإعادة تأهيلها كونها تنتمي إلى الجيل الأول من المنظمات والهيئات وهي سابقة في ميثاقها الذي صدر في عام 1944 ميثاق الأمم المتحدة وهو دليل على مرحلة التغيير في بنية الجامعة العربية واهمية تغيير بنيتها التنظيمية ،واذا كان الحديث عن الآليات العاملة في الهيئة الدولية للأمم المتحدة وتفعيلها بالشكل الذي يتلاءم والتطورات الحديثة في الحريات وحقوق الإنسان والمنظمة الدولية مصنفة من الجيل الثاني للمنظمات والهيئات الدولية فما بالك بالجامعة العربية والتي تسبق المنظمة الدولية بسنوات عدة ..!
إن التغيير الذي أحدثته الثورات العربية وما تلاه من دعم دولي يؤمن بحقوق الإنسان ،وإلزامية الإجماع الدولي على حماية الشعوب من عنجهية واستبداد حكوماتهم الدكتاتورية وممالكهم الظالمة ،كل ذلك أعاد تأهيل المنطقة الشرق أوسطية التي تسابقت باتجاه التغيير والإصلاح والمضحك المبكي إن الحكومات التقليدية التي لم يصلها التغيير ،بدأت تؤكد إن المرحلة القادمة هي مرحلة حرية الشعوب والأنظمة الديمقراطية ،وفي قمة بغداد التي توج فيها الحكام الديمقراطيون مرحلة جديدة من العمل العربي المتناغم مع ربيع التغيير الذي تشهده المنطقة العربية ، وقدلاحظنا حضوراً امهما ً لرؤساء التغيير العربي وهم الرئيس التونسي المنصف المرزوقي ورئيس المجلس الانتقالي مصطفى عبد الجليل اللذان تدفقت من كلماتهما صورة مرحلة التغيير الاستراتيجي في المنطقة وضرورة توطيد العلاقة بين العراق وبلديهما بصورة عملية فقد اعتذر الرئيس التونسي للشعب العراقي عما فعله الإرهابيون التو انسه المغرر بهم ،وطلب من الشعب العراقي أن يسامحهم ،وهي خطوة لم نكن نتوقعها إلا من رئيس وصل إلى سدة الحكم عبر تغيير ديمقراطي ،وكانت مبادرة رئيس المجلس الانتقالي الليبي بإعادة العلاقات بين البلدين وفتح السفارات بين العراق وليبيا مؤكدا ً بان مزاجية وتصرفات ألقذافي هي من خلقت الانقطاع بين العراق الجديد وليبيا ،وإذا كان هناك حضورا ً ملفتا ً للنظر فهو ما حمله الأمير صباح الأحمد الصباح الذي تحامل على تعبه وإجهاده الصحي الذي كان واضحا ً ليعطي رسالة واضح ان العلاقة بين العراق والكويت هي علاقة تتسامى على جراحات الماضي وسياسات الرعونة التي تمثلت بغزو الكويت ،وكان حضور الأمير ردة فعل رائعة على موقف الحكومة العراقية التواقة لعلاقات عراقية كويتية متميزة ويتضح بان الامير الصباح خرج عن الاجماع الخليجي في مستوى التمثيل الدبلوماسي في القمة ،وهو الامر الذي يجب الإشارة اليه والتوقف مليا عند ه وإذا كان للموقف السعودي مبرراته كون العلاقة بين العراق والسعودية في طريقها الأول وعند خطوط تماسها البدائي بعد توتر وقطيعة واضحه بشكل جلي،الا ان حضور ممثلها في الجامعة العربية وإلقائه لكلمة وان كانت ترحيبية ومقتضبة ،الا انها كانت تؤشر الى تعزيز العلاقات مستقبلا ً ،بيد ان التمثيل القطري كان الاسوء وعكس ومن خلال تصريحات وزير خارجيتها افلاس سياسي وتدني في الخطاب ،حيث كانت اللهجة الطائفية واضحة وهو منهج لجأت اليه قطر مؤخرا ً كثيرا ً ،وقد كان له الاثر السيئ على الوضع والأحداث في سوريا ، وبالرغم من الموقف القطري الغير مبرر فقد اعتبر العراق حضور قطر بتمثيلها وبكافة المستويات هو حالة من الاجماع العربي المؤيد لقمة بغداد وتم التعامل معه على هذا الاساس كذلك كان الموقف الاماراتي والعماني مما يؤكد وجود رؤية في حجم التمثيل الخليجي في قمة بغداد وهو ما سلفنا بذكره، الا ان القراءة الصحيحة لحجم التمثيل في القمة العربية يرجع السبب في ضوء المستجدات الى وجود ثنائيات تمثيلية في القمة اولهما تمثيل الربيعي وتمثيل التغيير والإصلاح والتمثيل التقليدي للحكومات العربية التقليدية ،وبما ان القمة عقدت في ا لعراق وانطلاقة التغيير العربي وتجربة الرؤية الديمقراطية الاولى من العراق فهو استحقاق منطقي و التمثيل المتحقق من وجهة نظر واقعية جيد ،ومن ذات الرؤية الواقعية نظر العراق والأمانة العامة للجامعة الدول العربية بأنه تمثيل جيد ،وما يعني الجامعة في المرحلة الراهنة هو الاجماع العربي بحضور جميع الدول العربية اذا استثنينا سوريا باعتبارها ذات عضوية معلقة .
ان رؤية الجامعة العربية وفق المرحلة القادمة والتي سيتزعمها العراق تنصب بالدرجة الاساس الى اعادة هيكلية التنظيم الخاصة بالجامعة لتكون جامعة الشعوب العربية وليس جامعة للحكام ،فدستور الجامعة المرتقب هو حقوق الانسان العربي والحرية والعدالة والمساواة والتأكيد على التجربة الديمقراطية وحقوق المرأة والأقليات ،وهي بنود تضمنها اعلان بغداد الختامي الذي جاء واقعيا ً مسترسلا ً مع قدرة وسلوك الجامعة العربية وتأثيرها الاقليمي والدولي ،بتفعيل الية العمل العربي المشترك ،وبخاصة في محاربة الارهاب ومكافحة التطرف ووجود الاليات والمنظومات العاملة على ذلك .
ان ما يؤشر على نجاح قمة بغداد هو الاعتراف العربي بالتغيير العراقي والنظرة الواقعية للشأن العراقي وما افرزته مرحلة التغيير الديمقراطي ،وان ثورات الاصابع البنفسجية كما صورها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ،لهي الصورة الاكثر وضوحا في مرحلة العمل العربي المستقبلية .كما ان القمة نجحت في التعامل مع اهم عقبتين كانتا تشكلان تحدي لنجاح القمة وهما القضية السورية التي شهدت موقفا ً اقل حده وأكثر اعتدالاً ورؤية حيث تركت الموضوع السوري وفق الرؤية الدولية الداعمة للحوار بين الحكومة والمعارضة ،وفي القضية البحرينية خرجت الدبلوماسية العراقية برؤية واضحة حيث لم تتطرق للشأن البحريني في القمة لكنها عبرت عن وجهة نظر الحكومة من خلال لقاء رئيس الوزراء بوزير الخارجية البحريني وأذاب الكثير من جمود العلاقة بين حكومة البحرين والعراق ،كما ارسل من خلالها رسالة واضحة الى وجود اكثر من رؤية في العراق ،وهو ما يعيشه العراق الجديد فمن حق الشعب ان يعبر عن رأيه وان اختلف عن رؤية الحكومة فالديمقراطية هي الحرية والتعدد وليس التضييق والفرض.
لاشك بان النجاح العراقي في عقد القمة العربية هو اعادة لصورة بغداد التاريخية كمقر للمدينية والتحضر الاسلامي والرؤية الاجتماعية والثقافية المؤثرة في حاضن اقتصادي ضخم سيعزز من مركز العراق ق وتأثيره الريادي في عالمه العربي اضافة الى تأثيره الاقليمي والدولي ،وليس ادل على ذلك من عبارة وزيرا لخارجية العراقي في مؤتمره الصحفي مع الامين العام للجامعة العربية حين قال ان العراق ينتقل من العزلة العربية إلى القمة العربية.وهو ما سيحمله القادم للجامعة العربية تحت القيادة العراقية .