الساحر وحقيقته الخفية وبيئته الاجتماعية -ابراهيم عفراوي- بغداد

Mon, 2 Apr 2012 الساعة : 10:59

الساحر : - انسان لايختلف عن ابناء جلدته في صورته وشكله , قد نراه بالقرب منا وامام اعيننا دون ادراكنا واحساسنا بسره الخفي ونلمحه يمارس حياته بشكلها الطبيعي كغيره من البشر فقد يكون متزوجا وله بيت وعائله وله حياته وعمله وعلاقاته الخاصة والعامة كغيره من البشر , ولكنه في جوهره يختلف اختلافا جذريا عن الانسان الاعتيادي ويعود السبب الى لجوئه لتلك الطرق والمسالك والتي لايعرفها الا القليل , وهي طرق تستوجب منه السرية والكتمان وعدم كشف اسراره وسر ذلك العلم الذي اكتسبه وان تعرض لشتى انواع الضغوطات والتهديدات من قبل الاخرين , واود الاشارة هنا انه ليس شرطا ان يعمل الساحر علنا بحيث يكون بيته او أي مكان اخر متاح امامه يتخذه مقرا لمزاولة مهنته القذرة وليصبح قبلة لكل من هب ودب بحيث يكون فعله مكشوفا وواضحا لمن حوله من الجيران والمقربين بل ان الساحر الحقيقي هو من يعمل خفية وراء الكواليس وعن طريق الوسطاء الموثوق بهم وخصوصا النساء و دون ان يكشف امره الناس , وان حدث هذا الامر بطريقة ما فهو يمتلك كل الوسائل والحيل والاكاذيب المضللة التي تمكنه اجتماعيا من السيطرة على الموقف وتشويه الحقيقة وقلبها لصالحه وبالتالي الحفاظ على سره الخفي ليبقى يعيش داخل المجتمع بصورته الانسانية الاعتيادية وبوجهه الطيب البرئ الذي اوقعهم في بحر الضلالة والشرك وارتكاب المحرمات واذية الاخرين دون وجه حق , هو في حقيقة امره انسان لايعترف في باطنه بالله وبوجوديته والوهيته ولا باديانه وكتبه المنزلة من السماء على الرغم من انه قد يتظاهر امام الاخرين بالتمسك بالدين ويلبس لباس المسوح والتقوى والعفة والنزاهة والصلاح , لذلك نجده وغيره من الفاسقين المارقين يتطاولون على الكتب السماوية فيقومون بتمزيقها وحرقها واهانتها والاساءة اليها بمختلف انواع النجاسات والقاذورات الى درجه القائها في التواليت او فتحات المجاري وغير ذلك من الامكنة التي تقشعر منها القلوب والابدان والتي تثير غضب الرحمن وتلك هي اعظم (جرائم السحرة ) واكثرها خسة ونذالة على الاطلاق .
كيف لايقوم بتلك الافعال وهو يتبع الاوامر التي يوصي بها سيده الشيطان الذي اعترف به وجعله الها يعبده على الارض فلذلك يهب له نفسه وحياته وكل مايملك من مال واملاك واولاد ويضعها بخدمته وتحت تصرفه حتى مماته بل انه يسلم مفاتيح ذلك العلم الذي تعلمه والخبرة التي اكتسبها وكل العبادات والطقوس التي زاولها الى الجيل الذي بعده وبناءا على وصايا وتعاليم الشيطان والعهود التي قطعها امامه على نفسه , وهو انسان قذر الروح و النفس في داخله وان كان نظيف الثوب والهندام في خارجه , عديم الحياء والاحساس والضمير وخليت نفسه وروحه من الرحمة والانسانية والعطف وغير ذلك من العواطف والمشاعر الانسانية النبيلة التي جعلت الانسان يسمو على عالم الحيوان الذي اصبح هو وبافعاله النجسة والقذرة ادنى بدرجات منه , وهو على استعداد تام لارتكاب كل معصية ورذيلة يحثه اليها سيده الاكبر وينغمس في ارتكاب المحرمات والكبائر والتي تصل الى مستوى الزنا بالمحارم او بالصبية الصغار بل ان الكثيرين منهم يمارس تلك الافعال المحرمة مع ابنائه ( لعنة الله عليهم اجمعين ) فهو على استعداد تام لارتكاب أي عمل يتنافى مع الاديان والاعراف والتقاليد الاجتماعية السائدة في بيئته التي يعيش ويتواجد فيها , وان الشياطين التي استولت على نفسه وروحه وسكنت عقله تجعله يشعره باللذة والنشوة والراحة التامة عند ارتكابه لها وقيامه بها وتبعده عن تفكيره مسالة التخلي عنها ونبذها وتركها , وقاتله الله وكشف سره في الدنيا علنا والقاه مع سيده الشيطان في قعر الحجيم يوم البعث والحساب اذ انه يتميز بالعناد والاصرار والصبر والقوة على تحمل اقسى واشد انواع العذاب والاهانة التي يتلقها من الشيطان واعوانه عند سيره في تلك الطرق المظلمة حتى الوصول الى هدفه المنشود الذي باع من اجله اخرته بدنياه , وان لتلك الميزات والصفات المرتبطة به اثارها ونتائجها الخطيرة والتي تتجلى من خلال تلك الاعمال الضارة التي تقصد بها اذية فرد او عائلة ما حقدا وانتقاما وطمعا , اذ نجد لديه اصرارا وعنادا عجيبا على مواصلة ظلمه وعدوانه عليهم مع التجرد التام من كل رحمة وشفقة وانسانية حتى وان قاست تلك العائلة امام عينيه صنوف و الوان العذاب والفقر والتشرد والحرمان فضلا عن الاثار النفسية والصحية والجسدية التي سببتها اعماله الشيطانية في اجسادهم وارواحهم وعقولهم .
هو ماكر وخبيث وخنيث وجبان يتعامل في ميدان الحياة مع الاخرين بوجهين وجه ظاهري يجعلهم يشعرون اتجاهه بالامن والاطمئنان ووجه اخر يعبر عن نفسه المريضة الحاقدة اتجاههم واتجاه كل عمل او فعل خير هدفه الخير والاصلاح ومصلحة ومنفعة الانسان . يحب هذه الدنيا الفانية ومتمسك فيها بكل احساسيه وجوارحه ويعيش كما لو انه كان مخلدا فيها فلا موت ولابعث ولاحساب ولذلك نجد للمال حبا لامثيل له في نفسه وعقله ويسعى للوصول اليه حتى لو اقتضى الامر منه قتل الابرياء ( شهيد السحر ) . اجد ان البعض قد اخطا في وصفه لهذا النوع الشاذ من البشرية بانه انسانا منطويا ومنعزلا بعيدا عن الناس ولايختلط بهم ونجده يصور عيشه ومسكنه وحياته كما لو انه يعيش في العصور المتحجرة , في حين انهم يتطورون بتطور الزمان وتبدله من حال الى حال فالبعض منهم قد سكن القصور العالية واصبح لديه المكاتب الفاخرة وعاش حياة لامثيل لها وجنى ما جنى من الاموال الطائلة بتلك الطرق الشريرة والمحرمة . فالفترة التي يقضيها الساحر والتي توهله لكي يكون ساحرا هي اربعون يوما ( الخلوة ) من العزلة والاختلاء عن الناس وتلك الطقوس والعبادات الشيطانية يستطيع القيام بها في حمام بيته او التواليت اواي مكان اخر يجده مناسبا لهذا ودون ان يشعر به الاخرون , وبعد ان يتم تعميده يمارس حياته بشكل طبيعي بل انه يتوجب عليه الاختلاط بالمجتمع المحيط به بكل اشكاله والوانه ومد اواصر المحبة والعلاقات فيما بينه وبينهم ويسعى الى مشاركاتهم في افراحهم ومسراتهم وغير ذلك مما تتطلبه الحياة الاجتماعية الانسانية لانها الطريق الامن لبقائه والذي يستطيع من خلاله نشر اعماله الشيطانية دون ان يكتشف امرها الاخرون وان حصل هذا فتلك العلاقات التي نسجها ومد خيوطها سيكون لها تاثيرها البالغ في رد الشبهات والاتهامات عنه واظهار برائته من تلك الجرائم فهي ستكون سلاحا فعالا بيديه للمحافظه على كيانه ونشاطه واستمرارية افعاله الى الابد دون ان تناله يد العقاب , فلو فرضنا ان شخص ما لديه محل صياغة في احد الاسواق الشعبية , وهو ايضا لديه مثلما لدى الاخرين علاقاته الاجتماعية في منطقة سكناه او محل عمله والانطباع الماخوذ عنه وبغض النظر عن دينه او مذهبه وان كان يصلي ام لا انه انسان مهذب قلبه طيب يسلم على الصغير والكبير ويختلط بهم ويشاركهم في كل المواقف والمناسبات ... الخ ولكنه من جانب اخر كان يمارس السحر خفية ويقوم بانجاز اعماله لبعض النسوة اللواتي يلجاءن اليه ولكن دون اطلاع من حوله على حقيقة مايقوم به .
ايها الاخوة والاخوات ( ابودشير ) وقاكم الله شر السحر والسحرة اريدكم ان تستوعبوا ما اريد ايصاله الى عقولكم واذهانكم وبناءا على الكثير مما قراءناه عن السحر وخفاياها ومايحدث فيه , و لنجعل مصدرنا الاساسي في هذا الامر اعترافات السحرة الذين تابوا . لماذا نرى نبذا وكرها ومحاربة بمختلف الطرق الاجتماعية المتاحة للمبتلين باعمال السحر في ميدان الحياة في حين اننا لانرى هذا الامر مع الساحر او الشخص الذي استعان بسحره فالاثنان بميزان واحد سيكونان يوم الحشر والحساب , ولماذا نرى الساحر الذي يرتكب اصناف المحرمات والذنوب والكبائر العظام فضلا عن تجاوزاته الخطيرة على كتاب الله تعالى بانواع النجاسات وغيرها والتي اهلته لامتلك تلك القوى الغيبية التي اصبحت مصدر ابتلاء وفتنة ومشاكل ومصائب لاحصر لها ولاعد عانى منها الكثيرون , وبالرغم من هذا وغير ذلك من افعاله الخافية الاخرى نراه يعيش حياته طبيعيا كغيره من البشر من حيث العمل والزواج وبناء الاسرة وتربية الابناء وتزويجهم فيما بعد فضلا عن علاقاته الاجتماعية المختلفة المستمرة والتي لم تعاني اي انقطاع بل اننا لانجده يعاني اي مشكال ومصاعب مادية والاهم من هذا عدم اصابته بما اصيب به من تعرض لسحره بالجنون او الامراض النفسية او غير ذلك , اليس هو الاحق بحكم ابتعاده عن الدين ان يصاب بما اصيب به هذا الانسان ؟ فباعتقادكم ياترى ماهو السر في هذا ؟ اقول بعد التوكل على الله ان اعوان الشيطان واتباعه لايمكن ان يصابوا بما اصيب به المسحور من اثار مرضية نفسية واضحة للقاصي والداني و لو انهم تعرضوا لهذا الامر ما كان احدهم لجا واستعان بتلك الطرق المحرمة , اضافة لهذا ان بقائهم على صورهم الانسانية الطبيعية دون اي تغيرات تؤدي الى استمرارية نشاطهم وانتشار اعمالهم الضالة والمهلكة وجر اكبر عدد من الناس الى بحر الخطيئة والضلالة وارتكاب المعاصي والمحرمات واثارة المشاكل والفتن والخلافات بين الناس خاصة اذا استخدم الساحر غطاءا يتناسب والبيئة التي يعيش فيها وهذا هو مايسعى اليه الشيطان واعوانه من خلال علم السحر الذي منحه اياه . وبلاشك ان السحر يؤدي الى الكفر بالله تعالى بل هو الكفر بكل صفاته واشكاله , ولحكمة ارادها الله فانه يمد في عمر الكافرين الظالمين ويمنحهم مايريدون ومايطحمون اليهم في هذه الدنيا الفانية , وهو يمهلهم ولايهملهم ابدا مهما طال عليهم الزمان وان لم يتعرضوا لعقابه الاليم في هذه الحياة فعقابهم اشد واقسى في الاخرة , وهم باعمالهم الكافرة مصدر ابتلاء واختبار عظيم لغيرهم من عباد الله الذي استغلوا اخلاقهم وحسن تربيتهم و طيبتهم وثقتهم ليدسوا لهم سمهم القاتل في الطعام او بغيرها من الطرق والوسائل الشيطانية التي يعجز الفكر عن عدها .
وبالرغم من ان هولاء لايمكن باي شكل من الاشكال ان تظهر افعالهم النجسة الخفية على وجوههم لكي يتسنى للاخرين معرفتهم , ففي بعض ( قضايا السحر والشعوذة ) يمكن للبيئة الاجتماعية المحيطة بها ان تلمس بوضوح حقيقة دورهم الرئيسي فيما اصاب هذا الفرد او تلك العائلة من خلال سير الاحداث وتغير العلاقات بين الافراد والمشاكل والخلافات التي حصلت والنتائج التي وصل اليها من استعان بالسحر والسحرة ( اقول هذا الكلام بصرف النظر عن دلائل السحر التي اكتشفت في حينها والتي تثبت جريمتهم ) . وعلى الرغم من هذا كله نجد المجتمع قد التف حولهم وازرهم ودعمهم وسعى بكل ثقله للمحافظة عليهم وعلى كيانهم من الهدم والضياع , ذلك انهم يتواجدون في مجتمع بعيد كل البعد عن الله ودينه الحق ولايهتم بما فرضه الدين والشرع بذلك الركن الاساسي من اركان الاسلام الا وهو الامر بالمعروف والنهي عن المنكر , وهو مجتمع يتلون كالافعى بتغير الظروف وتقلبات الزمان واتخذ من الدين مظهرا من المظاهر للوصول الى اهدافه وغاياته , وهو ايضا يسعى لتحقيقها بطرق يسيرة وسهلة وسريعة حتى وان كانت محرمة فهو بحاجة اليهم وهم جزءا لايتجزا منه . اما بالنسبة ل ( ضحايا السحر) الابرياء فليجرعوا من لسان وافواه هذا المجتمع الظالم كاس المرارة والذل والهوان والسخرية والاستهزاء لما وصلوا اليه من تردي الاحوال ليضاف عباءا والما وحزنا اخر فوق كيد السحرة المجرمين الفجار .

 

Share |