التنقيب غير المنظم (النبش) في العمل الاثاري- أباذر الزيدي- كربلاء
Sat, 31 Mar 2012 الساعة : 13:57

يُعد الفرنسي اميل بوتا (Amile Botta) من اوائل القناصل الهواة الذين استعملوا الوسائل غير العلمية في التنقيب. فقد عمل في قوينجق في مدينة نينوى (العاصمة الآشورية الشهيرة) ولم يستطع ان يحقق النتائج المطلوبة أول الامر لضخامة التراكمات التي تغطي بقايا القصور والمعابد ،وما تضمه من منحوتات وقطع فنيه كان يبحث عنها. فتحول الى خرسباد الواقعة على بعد (25كم) الى الشمال الشرقي من الموصل ،بعد سماعه بوجود قطع من المرمر فيها. وبعث رسالة الى حكومته يقول فيها انه يعتقد انه أول من اكتشف منحوتات يمكن عدها من العصر الذي ازدهرت فيه نينوى ،املاً في الحصول على زيادة الدعم المادي وارسال المساعدين له في عمله1.
ويعطي عمل القنصل البريطاني لايارد (Layard) في موقع نمرود في عام 1845 صورة معبرة عن الأسلوب غير العلمي في التنقيب ،فمن اجل تأمين الدعم المادي لعمله ،عمد الى أجراء التنقيب بشكل عشوائي. اما القطع الاثارية الصغيرة المكتشفة فلم يوليها أي اهتمام و ما يمكن ان تتعرض له من تلف نتيجة الاهمال والاساليب البدائية في الحفر باستخدام عمال غير مدربين في اغلب الاحيان من ابناء العشائر وسكان المنطقة المحيطة بموقع التنقيب ،لانهم يقبلون بالاجور الزهيدة التي كان يدفعها لهم كونهم غير ملمين بالعمل الاثاري. وقد اعتمد لايارد طريقة مبتكرة في نقل الآثار وتهريبها الى متحف لندن ،عن طريق تقطيع الآثار الضخمة الى قطع صغيرة وترقيمها وتحميلها في صناديق ونقلها بوسائط القوارب والققف نهراً ثم بحراً الى بريطانيا ،دون مراعاة لما يمكن ان يصيبها من تلف نتيجة التحميل والنقل ،او الاخذ بعين الاعتبار الظروف المناخيه وتأثيرها. وكان همه الأول الاستحواذ على القطع الاثرية الضخمة ،طمعاً في الشهرة والتأييد2.
وعرف هرمز رسام بعملياته التنقيبية التي (لا تعرف الرحمة) ،التي جاءت نتيجة عدم اكتراثه بالاخلاقيات والذوق المتعارف عليه دولياً بالنسبة للمنقبين كما اشرنا. فقد عمد رسام الى طريقة حفر الانفاق الواسعة والسريعة ،وصادف وجوده في قوينجق عام 1852م ،قيام بلاس بالحفر في الموقع نفسه ،وهذا ما دفع رسام الى حفر انفاق تحت موقع التنقيب الذي يعمل فيه بلاس3. وكان رسام ينقل اطنان القطع الاثارية الى بريطانيا دون ان يشير الى مكان العثور عليها ،وكانت طريقته البدائية ولامبالاته سببا في ضياع معالم مهمة من القطع الاثارية النادرة ،الامر الذي وضع علماء الآثار في حيرة من تاريخها واصله4. وفي نمرود اتجه رسام الى أسلوب الحفر الشامل عام 1882م ،وذلك في عدة مواقع في وقت واحد مع ترك مجموعة من العمال في كل موقع تعمل لوحدها لعدة اشهر دون إشراف او مراجعة خلالها ،ثم يعود ليأخذ القطع المستخرجة ويبدي ملاحظاته ويختفي من جديد ،بعد ان يرسلها الى المتحف البريطاني5.
وقد اكد احد التقارير الاثارية الأمريكية عن موقع نمرود ،ان هذا الموقع عانى خلال السنوات الماضية التي اجريت فيها التنقيبات ،أكثر مما عاناه طيلة (25)قرناً. فقد تركت مواقع التنقيب بحالة مزرية حتى ان ما تم نبشه لم يُعَدْ عليه التراب ثانية ،وأصبحت اماكن التنقيب مكشوفة تحت رحمة التغيرات المناخية وعبث السكان وعابري السبيل6.
اما المنقبون الأمريكان الذين عملوا في تل فاره (شروباك القديمة)7 ،نحو 40 ميلاً جنوب شرقي الديوانية ،في بداية القرن العشرين ،فقد استعملوا اسلوباً خاصا للتنقيب ،قوامه خنادق مستقيمة متوازية تتقاطع مع خنادق أخرى مماثلة لها. والحق هذا الأسلوب ضرراً كبيراً بالمواقع الاثارية ،اذ ضاعت معالم الأبنية8 التي فقدت الكثير من قيمتها ،وهي من المصادر المهمة لتاريخ العراق القديم.
وعن سهل شهرزور الذي نقبت فيه بعثة امريكية ،ذكرت مجلة حوليات المدرسة الشرقية الامريكية ،ان التنقيب في هذا الموقع تم بطرائق غير علمية ،بل هي (نبش عشوائي) ،وهذه التسمية أطلقت على الحفائر التي تركها جميع من نقب واستخرج الآثار في بلاد الرافدين قبل البعثة الألمانية برئاسة (ب. مورتيز B. Moritz) ،والدكتور (كولدوي R. Koldywey). وقد ذكر المنقب الامريكي (سبايزر) عند زيارته موقع شهرزور ،انه لاحظ وجود خندق يمتد من الشمال الى الجنوب يقع في الجهة الجنوبية من سفح التل ،ولم يشر الى الشخص الذي قام بالحفر9.
المصادر والهوامش :
1) بهنام ابو الصوف ،ظلال الوادي العريق ،ص32 ؛ جورج حنو ،تاريخ علم الآثار ،ترجمة بهيج شعبان ،منشورات عويدان ،ط1،بيروت ،1970 ،ص42.
2) علي ياسين احمد ، التوراة مصدر للتاريخ الاشوري ،دراسة نقدية مقدمة في 24اذار1999 الى كلية الاداب قسم الاثار ،جامعة الموصل،ص7.
3) سيتون لويد ،آثار بلاد الرافدين ،ترجمة سامي سعيد الاحمد ،دار الرشيد للنشر ،بغداد 1980 ،ص230.
4) تاريخ العراق الحديث من نهاية حكم داود باشا الى نهاية مدحت باشا ،القاهرة ،1968،ص322.
5) بهنام ابو الصوف ،دور التنقيبات الآثارية في الكشف عن حضارة العراق القديم ،ج1 ص62.
6) Babylon in cupples, Lambert G., Babytonian Wisdom Liteiatune, 1960 ,P.15.
7) شروباك (تل فارة): موطن بطل الطوفان السومري (اوتونبشتم) على بعد 64 كم جنوب شرق الديوانية.
8) فؤاد سفر ،مدينة شروباك القديمة ،مجلة سومر ،مجلد4 ،ج1 ،كانون الثاني،1948م،ص177.
9) سبايزر ،نشاط التنقيب مجلة سومر ،مجلد 21 ،ج1 ،شباط ،عام 1965 ،ص76.
أباذر راهي سعدون الزيدي
باحث في الدراسات السومرية
[email protected]