القرآن والحياة العاقلة على الكواكب الأخرى -محمد خالد علي السبهان-الناصرية

Sat, 31 Mar 2012 الساعة : 1:15

في عصر عولمة الثقافة اللذي نعيشه ، لا بد أن يكون أي نص ديني يدعي خضوع الكون بأجمعه لقوانينه وتشريعه نصا نظريا مجردا . وأي خروج عن التجرد النظري البحت سيوقع هذا النص في إشكالات ستنسف شرعيته من الأساس. ويمثل غياب التجردالغالب على القرآن ، وخصوصيته العربية ، أهم نقاط ضعفه. ومع أن المؤمنين بالقرآن يردوا بأن رسالة الله للبشرية كانت يجب أن تنزل لشعب ما ، وبلغة ذلك الشعب وعلى أرضه ، إلا أن القدسية المتشددة التي يلصقها المسلمون، ضرورة كما يعتقدون ، بالنص القرآني ، ووجوب التزام الشعوب الأخرى بتلاوة القرآن العربي، وأداء الطقوس الإسلامية باللغة العربية ، والإتجاه نحو أرض العرب، والحج إلى الكعبة الواقعة في أرض العرب ، تتناقض تناقضا تاما مع أي قول بكونية القرآن. وقد أدى التشدد الصارم في اعتبار أن القرآن كلمات الله عينها إلى جعله غريبا وعصيا على معظم المسلمين المعاصرين من أتباعه وحتى العرب منهم. والسبب الأساسي في هذا الإستعصاء والغرابة أن القرآن قد تجمد بخصوصية فريدة لعرب الجزيرة في القرنين السادس والسابع الميلاديين.

فموضوع خصوصية القرآن لا يقف عند حدود اللغة والأرض والشعب حامل الرسالة ، ولكنه يتعدى هذه الأمور إلى أمور تم تنظيرها وتجريدها ، بحدود متفاوتة ، في الكثير من الأديان الأخرى. فمثلا تكتفي الديانة المسيحية بالقول أن الحياة بعد الموت "تكون في صحبة الله" ، بينما يقوم نظام المكافائات للمؤمنين والعقوبات للمخالفين في الإسلام على أسس أرضية مادية مستقاة إلى حد كبير من بيئة عرب القرنين السادس والسابع الميلاديين الطبيعية والفكرية والمعاشية ، كالمكافئة بالنشاط الجنسي المستمر مع النساء والحور العين ، والجنان ذات الظلال والأنهار والطعام والشراب ، والعقوبة للكافرين بالتعذيب بالنار والتجويع
وقد احتلت مسألة خصوصية النص القرآني مساحة واسعة من النقد الموجه للقرآن والإسلام ، وما يلي أمثلة على هذا النقد:

1- يتناقض نزول القرآن باللغة العربية مع مقولة عموم الرسالة للشعوب المتكلمة بلغات أخرى وإجبار هذه الشعوب على القيام بمناسكها باللغة العربية ، مما يؤدي إلى علاقة الفرد بالله عن طريق كلام لا يفقه معانية.

2- نزول القرآن في الزمان والمكان الذين نزل فيهما يتعارض مع العدالة للشعوب التي فصلت عن الرسالة زمنا ومكانا. أي كيف ستحاسب الشعوب التي لم يصلها القرآن إما لإندثارها قبل نزوله ، وإما لعدم وصول الرسالة إليها بسبب الفواصل الجغرافية.

3- تحديد الأماكن المقدسة في الإسلام بأمكنة في جزيرة العرب يصعب الوصول إليها (وقد يستحيل ذلك لبعض الأفراد أو الجماعات المسلمة).

4- تحديد مواعيد الصلاة والصوم تبعا لموقع الجزيرة العربية الجغرافي. وتشتد خطورة هذه النقطة فيما يتعلق بصوم شهر رمضان كلما بعد موقع المسلمين الجغرافي شمالا أو جنوبا.

وبدلا من الإعتراف بهذه الحقيقة ، قام المؤمنون بالقرآن على مر العصور ، بهدر مجهود فكري تزايد مع بعد الزمن عن تاريخ "نزول" الرسالة المحدمية ، محوره نفي هذه الحقيقة واختراع شتى الفنون الفكرية لإثبات صحة القرآن وصلاحيته لكل زمان ومكان

ونحاول في هذه المقالة أن نبحث في التناقضات التي يفرضها احتمال وجود مخلوقات عاقلة على كواكب أخرى على النص القرآني.

يوجد حاليا شبه أجماع في الأوساط العلمية على احتمالية وجود كائنات عاقلة تساوينا أو تفوقنا ذكاءا على كواكب في أجزاء أخرى من كوننا الفسيح. ويتصاعد عدد هذه الكواكب إلى أرقام خيالية إن تم إثبات النظريات القائلة بتعدد الأكوان. وحتى لا نطيل في كيفية حساب هذه الإحتمالات ، نقول باختصار أنها مبنية على الحقائق العلمية التي اكتشفها علم الفلك بعدم خصوصية الأرض أو خصوصية النجم الذي تدور حوله (الشمس) ، وخضوع الكون بمجمله لنفس القوانين الفيزيائية والكيميائية السائدة على كوكبنا. وللتفصيل نرجع القارئ اللاديني إلى مقالات كارل ساغان وأمثاله من العلماء الطبيعيين ، أما الإخوة من المسلمين فيكفي أن نشير إلى أن الإعجازيين المسلمين المعاصرين يتفاخرون أن الآية القرآنية:

وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاء قَدِيرٌ {الشورى/29}

كانت قد سبقت "العلم الحديث" بالكلام عن وجود الحياة في الكواكب الأخرى بأربعة عشر قرنا. ومع أننا نسجل رفضنا للتفسير التعسفي لهذه "الآية" فإننا سنقبل في هذا المقال التفسير الإعجازي لها وذلك حتى ندخل تواً في بحث التناقض مع القرآن الذي سينتجه وجود كائنات حية ذكية على أعداد كبيرة من الكواكب.

وللدخول في هذا الموضوع نبدأ من المقولة الإسلامية أن الله كامل العدالة ، وأن هذه العدالة تستوجبه أن يعامل كل مخلوقاته بالمساواة الكاملة ، وأن هذه المساواة تلزمه إرسال الرسل لهداية هذه المخلوقات العاقلة إلى حقيقة وجوده وإلى دعوتها لعبادته ، تماما كما فعل مع أهل الأرض. وبكلمات أخرى فإن وجود الإدراك والذكاء في هذه المخلوقات، يفرض أن تكون مكلفة بالعبادات والفرائض. بالمقابل، فإن هذه المخلوقات الذكية ستتسائل ذاتيا، تماما كما يحدث مع البشر على الأرض، عن خالق هذا الكون وعن معنى الحياة والقصد منها ومنتهاها ، ولهذا فإن الدين والفلسفة ستكون من ناتج سعيها في عوالمها، ونتيجة لذلك فإنه لا بد أن يخرج منها أفراد يدعون المقدرة على الأجابة على هذه الأسئلة ومن المحتمل أيضا أن يدعوا النبوة كما حدث عندنا في الأرض. بالإضافة إلى ذلك ، فإن فرضية أن هذه الكواكب تشبه الأرض تحتم أن يكون فيها تنافس وصراع على موارد العيش مما سيؤدي إلى وجود الظالم والمظلوم والبحث عن العدالة المثالية التي لا تتوفر إلا بفرضية الحياة بعد الموت. كما أن ظاهرة الموت ستشكل نفس الإشكال الفكري والعاطفي الذي نحياه يوميا على الأرض.

والقرآن بالنسبة للمؤمنين به هو كلام الله ، وللتأكيد على هذا المعنى نقول أنه عندهم ذات الكلام الذي "تفوه" به الله وأنزله عن طريق جبريل إلى نبيه محمد إبن عبد الله الذي بدوره أوصله لنا منزها عن الأخطاء . فالقرآن ، وعلى سبيل المثال، يختلف عن الإنجيل الذي يعد من غالبية المؤمنين به أنه رواية قصة المسيح كما رآها أو فهمها حوراييه. والقرآن عند المسلمين أزلي (على الأقل بعد سقوط مقولة خلق القرآن التي قال بها المعتزلة) وهو بالتالي نافذ الحكم وهو الحق المطلق في "كل زمان وفي كل الوجود" وفي كل الأكوان (إن حقا وجدت). وهذا يعني أنه يجب أن يكون صالحا في جميع أطراف الكون وفي جميع دهوره مثله مثل قوانين الفيزياء والكيمياء والقوانين الطبيعية الأخرى. وأي انتقاص في صحته وأحقيته سيكون انتقاصا من ذات الله ووحدانيته.

وتناقض وجود هذه "المخلوقات" الذكية مع مقولة أزلية القرآن وصلاحيته المطلقة في كل مكان وزمان ينتج عدد من الإشكالات ندرج فيما يلي بعضا منها:

اللغة: لأن القرآن "نزل" بلغة العرب فلا بد أن يتواجد على كل كوكب تعيش عليه كائنات حية ذكية شعب أو قبيلة تتكلم اللغة العربية "بالفطرة" وتفهمها بتطابق تام مع لغة جزيرة العرب السائدة في القرن السادس والسابع الميلاديين
المشاكل الفلكية والزمنية: لو سلمنا أن الحياة الذكية لن تنتج إلا على كواكب شبيهة بالأرض من ناحية تواجد الظروف للحياة والمشابه لنفس الظروف على الأرض من نواحي الحجم والبعد عن شمسها (أي حرارتها) وتكوينها الكيميائي والفيزيائي، فإن هذا لن يزيل احتمالات وجواد أختلافات كبيرة أخرى مثل دوران هذا الكوكب حول نظام نجمي ثنائي (binary star system) أو أكثر من شمس واحدة بشكل عام. واختلافات تتعلق بمدة دورته حول شمسه (شموسه) وميلان محور دورانه حول نفسه ، وطول يومه ، وعدد أقماره ، وبيئة النجوم المحيطة به. هذه الإحتمالات تستوجب تغييرات لغوية أساسية في الآيات القرآنية كما نعرفها على الأرض.

وعلى سبيل المثال نعرض التغيرات التي يجب أن تحدث لبعض الآيات القرآنية التي تذكر الشمس في حال دوران هذا الكوكب حول نظام نجمي ثنائي ، وسنفترض أن لهذا الكوكب قمر واحد على الأقل وذلك لضرورة القمر في تثبيت محور دوران الكوكب المشابه للأرض
 

Share |