القمة العربية اليوم يومك يا عراق -جواد المنتفجي

Thu, 29 Mar 2012 الساعة : 12:07

سيدي العراق ..
يا من يمتد القه في عيون ملايين العرب:
قد يتساءل أحرار العالم لماذا تتوجه الانظار اليك في هذه اللحظات بالذات بعد ان غدوت خيمة تضفى بظلالها على الجميع ؟
أن هذه الرؤى المتفائلة ،والنابعة من الصميم كانت،بل وستبقى المرآة العاكسة والمؤثرة لعملية اختيار مستقبل امتنا الواعد .. الحياة الجديدة .. العروة الوثقى طالما أن هذه الدعوة الصادقة التي انطلقت من أرضك الشماء ،لذا فقد قررنا هذا اليوم أن نصرخ جهارا :
-"اليوم يومك يا عراق "
فالآمال متعلقة حد الصدق فيك..وصارت هي الجهد الجهيد للقضاء على التفرقة التي ربما ستؤدي في آخر المطاف إلى توقف النبض في عروق الوطن الام ،أو خوفا من سفح دم الغير ،أو سجن كبرياء شعب عرف بعراقته مرة أخرى، فيعيد التاريخ نفسه ،وها هي القلوب التي شح عنها السواد تحل اليوم ضيفا لتجد قلب "بغداد " الطاهر الابيض يضم الجميع بحنان لإجهاض زفرات مآسي وضيم العهود المنصرمة، وهذا ليس بالجديد فلطالما قبع شعب العراق قسرا في حلكة زنازين أقفاص نزق الجلادين المبهمة ،وهذا ما جعل الافئدة تكسر الطوق الذي كبل شرايينها ،فتدفقت الدماء هدرا لتنتفض ضد أولئك الأوباش الذين أباحوا الدم العراقي على أنظار ومسمع العالم كخروج الأسود من عرينها.
سيدي العراق:
ايها الخيمة الكبير ..يا من كنت ولا زلت..بل وستبقى الهاجس الروحي الأكثر أصالة في نفوس الملايين ،يا من صرت الصدى المتعاظم ،والذي تروع طويلا بنشوة التجريف والتفتيت والتفرقة ،يوم كانت نياط القلوب تتمزق بصمت وهي تشاهدك تدمى على أيادي أولئك التتر ..المغول الذين عادوا البعض منهم على يد ما تبقى من ذباحيهم ليدمروا حياتنا معا ، ونحن وكما عهدتنا لا زلنا نقف بشموخ مقتدين بك..نقف بصلابة لنبكي بحرقة عليك في كل ليلة من تلك الليالي التي لم نخاف فيها أزيز رصاص الموت .. وفرقعت قذائف الدمار، لأننا وضعنا شفاهنا ملء شدقيك الوافرتين بالشهد العذب وبحلم أثير لمؤازرتك حد الموت ،عندها جهرنا علنا بان الاستشهاد من اجل عينيك لا مناص منه..فكلما طفنا خارطة العالم وجدناك فوقها أنت أبهى وطن .. يا عراقنا الأشم !
ونحن الغرباء الذين جئناك من عهد سحيق .. وأنت القريب الذي كانت تسري نبضاته حثيثا داخل شراييننا ،كنا نحس بك ،وأنت تشعر بنا ،كنا نقاوم معا .. أحزاننا .. آلامنا المستكينة ،رغم صلابة ذلك الانجراف العاتي الذي لفانا من آتون الجحيم ،ونحن الغرباء المهيضين الأجنحة..المنكسرين الذين كنا نتسلل بهدوء لننعم بالدفء بين أحضانك خلسة .. وأنت القريب الذي كان يستوطن جوارحنا لما كنت تتراءى أمام ناظرينا كل يوم بتأمل مجرد على خطوط طول وعرض هذا العالم المليء بانفجارات الخسة المدوية .
ومضت السنين الطويلة أيها العراق العزيز .. ونحن نغرق في خضم بحور من الأفكار المذهلة ،كانت تلك الأعوام عبارة عن لوحات يتخللها الإيهام والتجريد ،كنا كالأطفال نتخذ من بيداء شواطئك ملعبا لنصنع من لسعات أكوام الرمل أحلامنا الضائعة بأناة وصبر ،كنا في تلك اللحظات المرجوة ننتظر سرائر طيفك لعلها تجيئنا مع المشاحيف العائدة من سالفات أهوار المحن حيثما كانت مجاميع المجاهدين تقاتل بعنف ازلام ذلك النظام الفاسد ،كنا نضع هرج رؤوسنا على وسائد أجراف ضفاف أنهرك .. ننصت لضربات قلبك المتئدة مع كل رصاصة تنطلق من بنادقهم فتعترينا لمسة دبيب أناملك الرقيقة كمسحة من الهدوء حيث رحت تمررها برفق على جباهنا المصطلية بحرارة شموس الطاغوت المحرقة وكأنها كانت تتماوع تدريجيا آخذت بالتصاغر بين حبات الملح التي تكونت من عرق كفاحنا .. من هول فتت خبز الجوع الذي تركوه يئن بين خوار ضلوع أطفالنا الخاوية لتنتشلهم أنت وبصورة لا إرادية من قحط الشوق المضطرب .. من يباب الفراق .. فراق رجال عاهدوا الله والوطن ليقودون دفة سفن شموسك المشرقة نحو مرافئ ناصية الأمل المكللة بالنصر المؤزر ،مجتثين الملل..والسام..واليأس بعدما كانت أنفاس تراويحهم تأتينا مع الريح الذي كان يحمل ركب الطيور المهاجرة حينما كانت تدخل حدودك بخنس محملة بالتساؤلات:
- ربما نحن الفرسان الذين كنتم تحلمون بهم ؟
- لربما شوه لكم البعض من أن تواشجنا كان مثل المعادلة الصعبة التي ستخلق لحياتكم الأضداد فينقلب كل شيء رأسا على عقب ؟
- أو لربما نحن عزمنا على أن نخلق لكم بضع من أواصر الجزيئات الهوائية في توظيف حياتي لتلتصق بعمق على شعيرات أنوفكم في شهقاتها الواهنة لتطرد الهواء الفاسد الذي ملء رئاتكم لثلاثة عقود منصرمة من الزمن ،وبهذا نكون قد ألغينا ثياب الحزن التي ارتدتموها لعقود خلت من الدهر
- نحن مصرين هذه المرة على أن نعيد الابتسامة التي ستظل محملقة على شفاهكم بطفولتها المشرقة .. بجذل صباها .. بأقصى درجة من الشفافية بعيدا عن النبرة الدرامية الناشزة .. المتنعمة بالنشوة المقتضبة !
وتستمر مناغاتك لنا أيها العراق الحبيب .. رغم دوامات الإعياء التي تحاول أن تخلقها لنا عملياتهم الارهابية ،وبأسلوب خيطي .. تتزاوج الطيور المهاجرة على شجيرات البردي الهرمة التي عادت لتملئ كل الربوع بعدما جفف الأشرار مياهها عنوة ،وجرفوا بساتينك الوافرة بالأزاهير الناظرة ليشوهوا الجمال الذي كان تجمل خضرته وجنتيك ، قاصدين بذلك إزالة النعم التي كانت تزخر فيها أرضك الطيبة لتكون قاحلة .. بيداء تعلو فيها الصرخات الآسرة للأبرياء الذين كانوا يدفنون أحياء في بطائح أرضك..للنساء الحبيسات اللواتي كنا يولدن الأطفال في حاضنات النحيب تحت وطأة عيون ذئابهم البشرية ،وأسنانهم الشرهة التي كانت كالمناشير وهي تقطع أطراف الرجال ،ومن هناك كان روائح أريجك تهمي عليهم من كل صوب ومدينة ،بينما كنا نحن هنا نطوف بخفية وبعيدا عن عيون العسس المتلصصة بين شبابيك أضرحة الأئمة الطاهرة ،غاسلين تراح نفوسنا بدموعنا الخاشعة من جروح وأورام الماضي الخبيثة ،نطهر أرواحنا من عورات ذاتها بعدما تراكمت في ذاكرتنا عقدة الذنب من نسيانك، فتزعق من حولنا الأشياء .. كل الأشياء بألم واخز .. حاملين اعتدادنا .. مقتحمين رموز طموحاتنا ،مستلهمين مضامين "ثورة الحسين وعلي الكرار والزهراء وآل الحكيم والصدريّن ووووووو"..مستلهمين ذكرك مع صلواتنا في حضرتهم .. مستذكرين مفارقات تبدل الوجوه..وجوه الزمن الذي تنافرت فيه الصور .. الصور البشعة التي اكتست ملامح ذقون الطغاة المارقين ،والتي لم تعد تنسجم مع وشاج أجزاء ترتيب حياتنا التي انتهجناها من هداية ومواعظ أئمتنا وعلمائنا الطيبين الأطهار .. تلك الحياة التي كانوا يفسرون مفاهيمها للعالم بأنها عبارة عن مكونات محسوسة محدوسة ،ومدروسة مدسوسة
نعم ايها العراق الأبي:
حياتنا كانت عبارة عن طلاسم لآرائهم المبسترة التي أرادوا فيها وضع العقول النيرة في قوالب جاهزة ذات أشكال مجزأة ،أرادوا من خلالها توسيع هوة الشرخ العميق في ألفتنا من اجل تفرقتنا .. كان خطأهم الفاضح حينما اقتحموا جمعنا عنوة بتفجير مفخخاتهم في شتى الأمكنة، ليكن هذا الإجرام حدثا مريبا ،كانت آمالهم كبيرة من حيث الحجم .. كانوا يسعون من خلال صهرنا في بودقة العشيرة ،واختلاف الدين ،والعرق والجنس عبر أسلوب يقتفي اثر جوهر الأحداث من اجل أن نركع لتماثيلهم الطريدة عن طريق مسخ عاداتنا وتقاليدنا من على سطح الكون كله ،لتكون حركتنا .. أفعالنا..أشبه بالأصل من حركة الدمى التي كان يلعب بها أطفالهم النزقين ،التائهين..الغير متواشجين مع نمونا .. يومها كان العالم قد سد كل أبواب الرجاء بوجوهنا ،حرموا علينا اللقمة السائغة التي كانوا يعطونها لأرذل حيواناتهم السائبة ،كنا قد بتنا حملا ثقيل عليهم ينؤن به .. يتقاسمون آمالنا كالغنائم ،وما فتئوا إلا أن يضعون أحلامنا في سلة المهملات..وراحوا يقايضون بين عيشنا وفنائنا بقبورهم الجماعية بحلبجة..والدجيل ..والأنفال..بهتك الأعراض داخل زنازينهم الوهمية ، وأخيرا رمونا في مجمعات أوساخ مدنهم المتخمة بالترف وبالليالي المخملية الحالمة ،اصطبغوا طرقنا بالدم، أرادونا أن نقتل أنفسنا بأنفسنا ، أو نموت مذبوحين بقبضات الإرهاب الواهنة لوطننا الآمن لتتناوب كفوفهم المدنسة بقص جلدتنا الواحد تلو الأخرى على طاولة الوجدان والأعراف السائدة التي بموجب بنودها الملفقة بالخزي والعار بدا فيها محاميهم يدافعون عن حقوق الإنسان اليتيمة ،عن حقوق الطاغية والجلادين القابعين ألان في أقفاص الاتهام .. مستخدمين سكاكين النميمة والحسد ،ليغسلوا جثث من قتلوهم بكافور كلامهم الملغوم بالبكاء والعويل وتناسوا اليوم الذي غطوا فيه أجسادنا بكفن التهويمات والتهويش ووضعونا بتوابيت خبايا مجتمعاتهم الحافلة مدنه بالغواني والساقطات ، وأخيرا شيعونا وفي ضحى مؤامراتهم وأمام أنظار العالم في لحظة عائمة بزغاريدهم المريرة التي بلغت حد السذاجة بأنك ليس مؤهل لتقود جمع العرب ،ولكنك يا سيدي يا أيها العراق المبتلى بفواجعه كنت الأكثر أصالة منهم .. لذا سقطوا هم في فخ التقليد ،في اللحظة التي أزلنا فيها أغطية توابيتنا ،وخرجنا لهم .. نحث الخطى من خلفك ،وأنت تعتلي مهرتك العزوم لتجوب أديم الأرض في ملكوت الله ،لتحطم إرهاصات القيل والقال على حواف كل سور ،فمزقت بصوتك الآسر عتمة أنفسهم ..أحدثت فيما بينهم شرخا عميقا ليبدون للعالم وكأنهم أمسوا كالدوامات الصغيرة ،وأيقنا حينها أنهم لم يكونوا وبالفعل سوى عبارة عن فقاعات ممطوطة بعنق زجاجه ،فسقطوا ساعتها وبانت أقنعة لغطهم بعد أن شعروا أننا بتنا الأقوى منهم عندما بدونا نسترجع أجزائنا المشتتة ،وفي يوم غمرة سقوط الصنم استقبلونا بنبرة اكثر عرفة ،جازفوا بالترويج ،بالقلق الممزق بعد أن بات الوسواس ينهش قرائحهم .
هكذا كنت ولا زالت أنت يا سيدي العراق .. كنت وستبقى الشخصية المحورية في حياة الملايين..تمتلك الحضور والواقعية بتواجد إبداعي بعد أن أيقنوا تماما أنهم لم يكونوا سوى طبقة شرهة ،أو حاجة ابتدعتها أسواق المناخ في زمن مختل غير متزن ،وان بضاعتهم صارت بل وأضحت خاسرة وأخيرا صدر حكمك عليهم :-
- بالحق أنهم لم يكونوا سوى أوساخ تراكمت تحت أظافرنا
لهذا نهنئك هذا اليوم بعد ان اثبت انك اهلا لتتحمل مسؤولية ترأسك للقمة العربية
وستبقى ذكراك كالكرات الشفافة الناصعة البياض التي ستكتنف سحبهم المعتمة ساعة نجهر فيها علنا " اليوم يومك يا عراق "
وبك وشمنا جباهنا ،
بعدما تجولت بين خواطرنا ،ماسحين أعالي هاماتنا بعطرك الندي والمندى برائحة الأئمة الطاهرة الزكية ،فنحن جميعا نسكن فيك ،وتسكن أنت فينا يا أجمل وطن ..
أيها العراق الأشم !!!

 

Share |