قراءه في تاريخ مدينة الناصريه- الحلقه الثانيه- حسن علي خلف- - الناصريه
Tue, 27 Mar 2012 الساعة : 12:20

كان شعب هذه المنطقة جزاءا من الاحداث التي ألمت بالعراق بعد سقوط الخلافة العباسية 1258 م( ) على ايادي القبائل المغولية التركمانية البدوية القادمة من التبت, والتي كانت تهدد الخلافة العباسية منذ زمن بعيد. لكن الخلفاء لن يحركوا ساكنا بالاستعداد والتصدي لها ، الى ان سقط رمز امبرطورية الاسلام (الخليفة ) نتيجة لتماهله ؛ وانصرافه عن بناء الجيوش الى ملذاته وغلمانه وجواريه. ولما شعر الفاتح الجديد (المغولي) بقوة وهيبة عرب البطائح وانفتهم وقوة شكيمتهم, سير الجيوش لتمزيق قوة بني معروف (المنتفق ) وجعلهم بددا. فراحت تلملم شتات أنفسها وتتخذ لها مواقع لكي تستقر وتتوحد استعداد للمجابهة , حيث ان طرد قبائل بني معروف من مناطق البطائح غير شكل الخارطة القبلية مما كانت علية. وايضا فان منطقة البطائح كانت جزءا من الاحداث الملتهبة ابان حكم المغول وخلفائهم الجلائريين. ودولتي الخروف الابيض والخروف الاسود. الى ان تولى آل عثمان السيطرة على العراق, وزحف قائدهم الشهير سليمان الملقب بالقانوني على بغداد سنة 1534 م ( ). والاستيلاء عليها بعد طرد الصفويين في معركة جالديران 1514 م في ضواحي تبريز التي انتهت بنصر حاسم للعثمانيين, ودخلوا بغداد سنة 1534 م بعد انسحاب آخر حاميه صفويه. إلا ان الصفوين عادوا وحكموا بغداد بعد الاستيلاء عليها 1623م ثم تمكن العثمانيون من طردهم مرة اخرى سنه 1638م, وترسيم الحدود بين الدولتين بموجب معاهدة زهاب التي عقدت بين العثمانيين والصفويين 1639م ( ) . وفي ظل الوضع العثماني اتسم العراق بفقدان الأمن وكثرة التمردات والثورات مما ادى إلى إهمال الزراعة والري وتعاظم أخطار الفيضانات , ورافق ذلك كثرة الاوبئة والمجاعات والقحط كل ذلك اسهم في تعطيل الفعاليات البشرية وتعسف السلطة في فرض الضرائب بالإكراه، مما أثار حفيظة العراقيين وخاصة رؤساء القبائل, تلك القبائل التي حفظت للعراق وجهه العربي مما شكلت مقاومتهم عبئا كبيرا على العثمانيين ومنها قبائل البطائح متمثلة بالمنتفق وحكم الراشد ، وثوره راشد المغامس سنه 1546 م التي أخمدت بوحشيه من قبل والي بغداد اياس باشا حيث تشتت قبائل تلك الامارة وتمزقت كل ممزق ، ونشأت زعامة جديدة للمنتفق يقودها محمد بن الشريف حسن الملقب بالوسيط ليؤسس الى حكم جديد وعهد جديد لامارة المنتفق التي تحرك الاحداث اللاحقة ، والمتكونة من العمائر الثلاث ( اجود و مالك وسعيد ) وبزعامة العلوي محمد الوسيط والذي نصبه ايضا اياس باشا ووافقت عليه تلك العمائر لما ابداه من ذكاء وفطنة وحنكة جعلته موضع احترام وتقدير جميع العربان في تلك الحقبة . وثوره علي آل عليان من قبائل طي حكام البطائح, الذين مقرهم القرنة وحصول التصادم الكبير مع العثمانيين من قبل المنتفق 1708م. وثورة الشيخ سعدون الكبير الذي عرفت به امارة المنتفق فيما بعد 1738م( ) التي كانت تهدف إلى طرد العثمانيين. إلا ان عمر باشا تمكن من القضاء على تلك الثورة وقتل سعدون الكبير . وأعقبها ثورات كثيرة أبرزها ثورة ثويني آلعبد الله, الذي تحالف مع حمد الحمود شيخ الخزاعل, وتمكنوا من طرد العثمانيين من البطائح وتحرير البصرة وتنصيب ثويني والياً للبصرة. مما حدا بالوالي سليمان باشا القضاء على تلك الثورة في معركة أم الحنطة سنه 1788م. وهكذا استمر النزاع من قبل المنتفق مع العثمانيين سجالا, إلى ان دبرت مؤامرة القضاء على إمارتهم على يد مدحت باشا 1869-1871م بعد تمصير مدينة الناصرية. التي حدت من قوة قبائل المنتفق. ولكن التحديات استشرت, وكان أبررزها حرب الريس 1881م التي اسقطت امارة آل سعدون نهائيا.
واعقبها انتفاضة قبائل المنتفق 1908-1910م وتهديدات أعجمي السعدون للبصرة 1912-1914م إلى أن دخل الأنكليز. وأخذت المقاومة شكلأ آخر كان من أبرزها معركة الشعيبة, التي كان من قادتها الشجعان ألى جانب الداعية محمد سعيد الحبوبي الشيخ أعجمي السعدون وخيون ال عبيد وبدر الرميض وشيخ ال ازيرق كاطع البطي وشيوخ ال ابراهيم وشيوخ المجرة وخيكان والعساكرة وبني اسد ، والتي تعد من ابرز حلقات المقاومة في القرن العشرين, قامت بها قبائل ومدن البطائح والتي انكسرت فيها تلك القبائل على ايادي القوات الانجليزية واحتلال الناصرية في 25 تموز 1915م. ومنذ ذلك التاريخ كانت مساهمات أبناء ذي قار في مقارعة الانجليز بالاشتراك مع جميع الفصائل المجاهدة, والمساهمه في ثورة العشرين والثورات والانتفاضات التي لحقتها. ومعاداة الأحلاف والمعاهدات التي فرضها البريطانيون على العراق ومقاومتها ببسالة شديدة, بعد ان تفشى الوعي السياسي وانتشر التعليم في المدن بشقيه الابتدائي والثانوي نتيجة لضغوط الاهالي على الدولة. وان منطقة الناصرية أو المنتفق أو ذي قار كانت تشكل جزءا فاعلا في أحداث العراق الساخنة عبر العصور.
واستكمالا للفائدة, فان فترة الاحتلال العثماني وبالنظر لكونها طويلة يمكن تقسيمها إلى خمسة عقود. ابتداء بالعهد الأول الممتد من فتح السلطان سليمان القانوني لبغداد, إلى فترة انتزاع مراد الرابع العراق من أيدي الإيرانيين. فيما يبدأ العهد العثماني الثاني بدءَ من عصر مراد وينتهي في بداية حكم المماليك (1638-1749)( ). وقد اتسم هذا العصر بسيطرة الجيش الإنكشاري على مقدرات البلاد, والتي تعد منطقه البطائح أحد مسارحها. وكذلك محاصرة نادر شاه للبلاد العراقية ثلاث مرات متعاقبة.
أما العهد الثالث فيستغرق فترة استيلاء المماليك على الحكم في العراق للفترة (1749-1831). وفي هذه الفترة شهد العراق قلة تدخل الجند الانكشاري. وشهد ايضا العراق شبه الاستقلال عن الدولة العثمانية. ولكنه شهد أيضا النزاع بين ايران والعراق.وان هذا النزاع متاتي من تذبذب ولاء الاسرة البابانية بين ايران والعراق . وشهدت هذه الفترة تغلغل النفوذ الأجنبي (الإنجليزي خاصة ) واجراء بعض التجديد في مؤسسات الدولة في زمن الوالي داود باشا. ويبدا العهد الرابع بانهيار حكم المماليك 1831 م وينتهي بانتهاء حكم الوالي المصلح مدحت باشا 1872 ويسمى هذه العهد بعهد الحكم المباشر( ).
أما العهد الأخير فيبدا في سنه 1872 وينتهي باحتلال الإنجليز لبغداد سنه 1917م ( ). والملاحظ ان بلاد ما بين النهرين , كانت تعاني في العهود المتاخرة من الحكم العباسي وخلال العهود المنغولية والتركية والعثمانية من الاهمال والتسيب متجليا بأعلى مظاهره, ويخيم عليها خمول قاتل وركود يقارب ركود الأموات. ولم يكن هم المتسيديين على العراق سوى جمع الضرائب والتعسف في احوال السكان, دون الالتفات ألى الأغلبية الساحقة من اهل العراق وتطلعاتهم وهذا متأتي حتما من انحطاط الحكام وتردي نوعياتهم وضعف مستواهم الأداري والثقافي. فضلا عن ضعف المستوى الخلقي ، وقد كان لتدفق سيل المماليك على العراق وتمكنهم من تسلم الحكم فيه أو التحكم بمقدراته ردحا من الزمن, نتائج خطيرة وتاثيرات كبيرة. كان من اهمها وفود اعداد هائلة من الأقوام الغريبة والفئات الطارئة على العراق والتوطن في مدنه وقراه. مما حرك السكان للقيام بالعديد من الثورات والانتفاضات التي كان رائدها تحدي الظلم والحكم الكيفي, والوقوف في وجه الولاة المتعسفين.اما من الناحية الاقتصادية فقد ظلت البلاد تتصف احوالها باقتصاديات محدودة تعتمد على المنتجات الزراعية . والزراعة فيها تمارس باساليب بدائية جدا ، كثيرا ما تضيع تحت وطأة عدم انتظام الري . وحتى التجارة كانت السيطرة فيها لعناصر غير عراقية .
وهكذا امر العراق خلال العصور العثمانية المظلمة وعصور الانحطاط التي سبقتها. فهو يخضع لحكم بغيض غريب عنه من دون ان يستفيد منه , أو تتطور أحواله تطورا مفيدا برغم بوادر بعض الأصلاحات التي حاول القيام بها الولاة من امثال الوالي المملوكي داود باشا , والوالي مدحت باشا. هذا وقد عصفت في البلاد حوادث مروعة وأحداث خطيرة تركت تأثيرها في العديد من شؤون العراق وأحواله. وحكم فيه خليط غير متجانس من رجال وشخصيات غريبة. قلما أبتلي بهم بلد من البلدان في تاريخه على وجه المعمورة.