معركة الصحافة ( الحلقة الثانية )-نبيل ياسين

Tue, 27 Mar 2012 الساعة : 0:18

كان عدد اعضاء نقابة الصحفيين اقل من مائتي صحفي حين جاء حزب البعث الى السلطة. وسنة بعد اخرى، جند النظام مئات من اعضائه في نقابة الصحفيين مزودين بتأييدات من صحف النظام الرسمية مثل الثورة والجمهورية ووعي العمال ووكالة الانباء العراقية وصوت الفلاح وصوت الطلبة وبغداد اوبزرفر والف باء والتآخي الكردية التي صادرها النظام من الحزب الديمقراطي الكردستاني وحولها الى جريدة بعثية ناطقة باسم الاكراد زورا. كما جاء الى نقابة الصحفيين مئات من موظفي وزارات الدولة وامن الوزارات بحجة انهم في المكاتب الاعلامية رغم ان صفة الصحافة لاتنطبق على اكثرهم. وفي منتصف السبعينات كانت نقابة الصحفيين قد ضمت الافا من البعثيين الذين ادخلهم النظام لسبب تافه وهو ان صحفيي جريدة طريق الشعب اليومية وجريدة الفكر الجديد الاسبوعية قد دخلوا النقابة، وان هناك انتخابات( كما يحدث الان ) لتظل النقابة ذات اغلبية بعثية في حين ان الانتخابات كانت في الواقع اتفاقا تحالفيا اكثر منها انتخابات حقيقية رغم اني كنت عضوا في الهيئة الادارية لمدة عامين تعرضت فيها للفصل من الصحافة والمنع من السفر من قبل صدام مباشرة لنشري مقالات لم ترق للنظام وقد نقل معي للانصاف رئيس التحرير خالد علي مصطفى رغم انه بعثي وعضو في مكتب الثقافة والاعلام لانه وافق علي نشر تلك المقالات التي لم ير فيها مايسئ للحكم. وكان نقيب الصحفيين آنذاك سعد قاسم حمودي الذي ظل حائرا امام الامر المباشر من صدام. وقد اثار فخري كريم الذي كان نائبا للنقيب هذه القضية عدة مرات في اجتماعات الهيئة الادارية. وقد اثيرت قضيتي مع الجواهري الذي كان رئيس الاتحاد العام للادباء في العراق وشفيق الكمالي الذي كان نائبا وكان يبذل جهودا مختلفة عن جهود مكتب الاعلام والثقافة القومي رغم انه كان عضوا مهما فيه. فبقيت القضية دون حل سنين عديدة.
لقد كان كثير من الصحفيين البعثيين في المراحل الاولى غير منساقين الى هذا التقسيم الذي ارغمهم عليه صدام وطارق عزيز، خاصة وان الحركة الثقافية في العراق آنذاك كانت موحدة باتجاه ثقافة معاصرة وثقافة محافظة انتصرت عليهما فيما بعد ثقافة سلطة مستبدة واعلام قمعي مخابراتي كانت تقاريره تصل الى مديرية الامن العامة وجهاز المخابرات من مبنى اتحاد الادباء ومن مبنى نقابة الصحفيين مباشرة. لقد انتشر اعلاميو ومثقفو مديرية الامن وجهاز المخابرات في اروقة اتحاد الادباء وفي ممرات نقابة الصحفيين بحيث كان العقاب الامني يتم ما ان نخرج من النقابة او مبنى الاتحاد. وكان رئيس تحرير الف باء حسن العلوي قد كتب عام 1977افتتاحية ،بعد ان تم التحقيق معي في مديرية الامن  لعدة ساعات وهددت اذا لم اتعاون مع الامن فابديت احتجاج مثقف يحترم نفسه وثقافته ، كما ابديت تصلبا ضد الطلب الذي اعتبرته اهانة للثقافة مما اثار غضب وانزعاج المحققين الذين(طردوني) مشكورين من القبو الذي تم فيه التحقيق معي، قال في افتتاحيته انه يستغرب (لماذا ينزعج بعض المثقفين العراقيين حين يطلب منهم الوطن ان يتعاونوا مع الاجهزة الامنية، فهذه الاجهزة الامنية ليست اجهزة المقبور بهجت العطية وانما اجهزة الحزب والثورة) ودعا المثقفين الى ان يكونوا مخبرين سريين فهو لايخجل ان يلقى محاضرات على شرطة الامن في الاعلام . وهذا الشخص نائب في البرلمان الآن. فلمن العراق اليوم ايها السادة؟

كان هناك كثير من المهنيين غير الحزبيين مثل سجاد الغازي الذي كان احد المهنيين القلائل والذي كان استاذي في بداياتي عام 1966وهادي الانصاري ومحمد حامد من الجيل الاقدم الذين واكبوا تأسيس النقابة على اسس مهنية. غير ان عملية تبعيث الصحافة سرعان ما اخذت نهجا سريعا على يد طارق عزيز( الذي صعد في المؤتمر السابع للبعث في 1974) والذي اقصى في نفس العام  من الاذاعة والتلفزيون عددا كبيرا من غير البعثيين ومنع دخولهم الى الاذاعة وكنت من اوائل الممنوعين الذين بلغهم الصحاف( للانصاف ايضا) ومحمد مبارك ان لا يأتوا لان استعلامات الاذاعة والتلفزيون قد ابلغت بمنعكم من الدخول ولكني فضلت ان لاتتعرضوا لمثل هذه الاهانة وفضلت ابلاغكم بنفسي، ثم خرج حميد الخاقاني وسلام مسافر وسعود الناصري وخالد الحلي وعباس البدري وآخرون لا اذكرهم الان مع الاسف ووضعنا جميعا في القوائم السوداء التي اعدها طارق عزيز تباعا ليقف الاعلام على البعثيين وحدهم.

موقف ضد شخص تتحول الى اهانة تاريخ ووطن!

هناك خطر فادح في موضوع الصراع على الصحافة في العراق. ليست القضية ان فخري كريم ضد نقيب الصحفيين، وان من يكره فخري يجب ان يكرم نقيب الصحفيين.لست من رجال احد ، ولكن فخري كريم صحفي قديم ونائب سابق لنقيب الصحفيين سعد قاسم حمودي ورئيس تحرير ومدير تحرير لعدة صحف ومجلات خلال العقود الثلاثة الاخيرة ولدي مشكلة كبيرة معه جعلتني لا التقيه ولا اكتب في صحفه. ولكن قضية مهنية وحرية وشرف مهنة الصحافة وانتمائها الى الرأي العام العراقي وليس الى السلطة او مصالح شخصية مثل الحصول على قطعة ارض وسيارة وامتيازات ليست مشروعة ،وانما تنتهك استقلال وحرية الصحافة والنقابة والصحفيين ، هي قضية عامة ، قضية رأي عام تتعلق بطبيعة النظام السياسي في العراق وبالدستور والقانون وتاريخ العراق وثقافة العراق واسماء كتابه ومثقفيه ومفكريه. فهل العراق اليوم عراق العراقيين ام مايزال عراق صدام حسين؟
لقد اخطأ الذين منحوا نقيب الصحفيين تكريما لايستحقه لانهم يكرهون شخصا اسمه فخري كريم. والسبب واضح هو انهم اهانونا واهانوا انفسهم واهانوا ضحايا نظام صدام وشهداء العراق خاصة اؤلئك الذين استشهدوا وهم منتفضون او بعد القاء القبض عليهم وسوقهم الى المقابر الجماعية او خلال عمليات الانفال.ان تاريخ العراق ليس تاريخ شخص محدد،  ولذلك ليس من حق احد ان يعبث بهذا التاريخ. ولقد ساءني كثيرا ان ( رفاقنا) في المعارضة والنضال فضلوا (رفاق ) البعث على رفاقهم الذين قاسموهم التضحيات سواء كانوا شيوعيين او ديمقراطيين او اسلاميين او قوميين او مستقلين او من اي اتجاه ناضل ضد الدكتاتورية . ومن المخزي حقا ان يتحول النضال الى موقف ضد تاريخ المعارضة الوطنية وثقافتها ورموزها الفكرية والاعلامية والثقافية التي كانت تخيف صدام وتقض مضجعه يوميا ،وهذه حقيقة ليست بسيطة. صحيح ان الامريكيين اسقطوا صدام ولكن ما كان ممكنا اسقاطه لو لم يكن هناك تهديم لاسس نظامه غير الشرعي قام به مئات من السياسيين والمثقفين والصحفيين والفنانين والمفكرين الذين كان امن وصحافة صدام لايكفان عن ملاحقتهم وتشويه سمعتهم وكيل الاتهامات لهم وملاحقة عوائلهم في العراق.لقد كان كل مقال بمثابة قنبلة في رأس صدام ونظامه. ولدينا من الوثائق المكتوبة والمصورة مايثبت ان صدام كان مهووسا بملاحقتنا حتى خارج العراق لاسكات اصواتنا التي لم تسكت.ولولا شجاعة مئات الصحفيين والكتاب والشعراء والفنانين والسياسيين لما تسنى اسقاط هذا النظام.
ان كثيرا من صحفيي المعارضة  ،خاصة من صحافة المعارضة الاسلامية ، لم يحصلوا على حقوقهم بعد ولم يحصل كثير منهم على عضوية نقابة الصحفيين التي ضمت  اليها ناسا لاعلاقة لهم بالصحافة ولم يمارسوها يوما واحدا من اجل الحصول على قطعة ارض مايزال مئات من صحفيي المعارضة المناضلين لم يحصلوا عليها لتكون ارضا لهم في وطنهم
لذلك تبدو معركة الصحافة هي معركة استعادة الوطن. ان بناء الاوطان والمؤسسات الدستورية والمهنية لايتم بهذه الطريقة الشخصية او السياسية او الكيدية وانما بالحوار والنقاش حول المشكلات الكبرى التي تواجه العراق . ولا تدخل عملية اغاضة هذا الشخص او ذاك في عملية بناء الوطن ومؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع المدني.واذا كان لاحد عداء شخصي لفخري كريم فليبق عداءه في اطاره الشخصي ولايدمر تاريخ العراق وشعبه وثقافته وصحافته. ولم اتصور نفسي يوما وانا احتج على مايحدث اليوم بقدر ما كنت اتصور نفسي وانا اشجع تكريم اصدقائي من الاسلاميين والشيوعيين والقوميين والاكراد وهم ينالون حقوقهم واعتبارهم ومواقعهم بديلا عن  مرتزقة صدام من كل صنف ولون وفي كل موقع.
لا اقول ذلك حبا بالتحدي او زيادة لاعداد اعدائي، فالطالما كنت انشد تكثير اصدقائي حول الحق والواجب. واقول للاخوة في مجلس محافظة النجف لو كنت هناك لقمت بزيارتكم لاحتج عندكم ، ولكنني بعيد، والكلمة هي وسيلة احتجاجي اخلاقيا ودستوريا ،وانتم قرب علي بن ابي طالب وتعرفون كيف عانى من الطلقاء ، فلماذا تكرمون الطلقاء ؟ واعرف ان الاخ محافظ النجف من ثوار انتفاضة 1991وقد لاحقه النظام الدكتاتوري باجهزته القمعية ، واعرف ان الحق مع علي كما قال الرسول ولذلك اتكلم باسم هذا الحق فلطالما نطق علي بالحق وكان مع الحق.

سحب التكريم والتراجع عن الخطأ

انا اطالب مجلس محافظة النجف( الذي لا اعرف من ورطه بهذا الموقف) بسحب التكريم حفاظا على تاريخ اعضائه ومسؤولياتهم الوطنية واطالب شخصيا رئيس الوزراء الذي سيغضب ،فوق غضبه علي،  بالغاء فقرة تخصيص اربعة مليارات دينار،  في الموازنة السنوية للدولة العراقية ، لنقابة الصحفيين وترك النقابة ، اذا كانت نقابة مستقلة ومدنية غير مرتزقة، تتدبر امرها كمنظمة غير حكومية ،هناك منظمات مدنية اكثر اهمية منها تعمل بدون مساعدات حكومية سواء داخل العراق او خارجه من اجل حقوق العراقيين وحرياتهم ودستورهم واراملهم واطفالهم وايتامهم وتحويل المبلغ الى بناء دار للايتام في اية محافظة عراقية. فتخصيص هذا المبلغ بصراحة غير دستوري وقد مرره النواب لرشوة الصحفيين الذين يقبض اغلبهم مع الاسف لقاء نشر الاخبار والتصريحات . ان فساد الصحافة ووسائل الرأي العام، هو التفاف على حقوق الشعب العراقي التي تعتبر الصحافة الحرة والمستقلة في النظم الدستورية والديمقراطية من اهم وسائل حمايتها والدفاع عنها. ولا اعتقد ان رئيس الوزراء بحاجة الى صحفيين ينتظرون المكرمات كما كانوا ينتظرونها من النظام المنهار.واذا كانت هذه القضية قد قلبت رئيس الوزراء على فخري كريم ونشبت معركة بهذا الشأن فان هذه المعركة ليست شخصية ومن شأن مثل هذه المعارك ان تطعن بالحريات الصحفية وبالدستور وتلهي رئيس الوزراء الذي يقود معارك اكثر اهمية ضد الارهاب والعنف ومن اجل استقرار العملية السياسة واستقرار المجتمع واعادة بناء العراق وتلبية حاجات المواطنين من الخدمات والحفاظ على العراق الفدرالي الموحد سياسيا، وبناء المستشفيات والمدارس واصلاح نظم التعليم والصحة والنقل والخدمات  وبناء المؤسسة العسكرية على اسس وطنية مبنية على عقيدة الدفاع عن الوطن واعادة بناء الثقافة الوطنية وتكريس الهوية العراقية ثقافيا واجتماعيا، وحل مشاكل دول الجوار مع العراق ، وانشاء صندوق للاجيال القادمة لضمان مستقبلهم ، وبناء دولة عصرية يعيش فيها المواطنون وهم ينعمون بالحريات الدستورية وبدولة الرفاهية ، من هذه المعركة.
واعيذ بالعتبة العلوية المقدسة ان تأوي شخصا مثل النقيب يلقي فيها محاضرة. وعن ماذا هذه المحاضرة؟ عن دور الاعلام في المجتمع؟ اي مجتمع هذا الذي حوله النقيب وزمرته الى مجتمع عبودي يدبك على انغام الكاولية للقائد الضرورة. مالذي يحدث في العراق اليوم؟ هل مانزال في عراق صدام حسين؟

اكتبوا بدمي، فالعراق عراقنا.

افترقت عن فخري كريم منذ ثلاثين عاما. لكن لا اصل الى درجة المقارنة بينه وبين شخص لاتاريخ له في الصحافة العراقية سوى مقالة تافهة يحيي فيها (الرئيس القائد) مؤرخة في 24-4-2002 مضيفا عنوانا حقيرا يسئ الى ابناء محافظته وارجو ان لايكون التكريم تقديرا لهذه المقالة التي اذا اراد مجلس المحافظة الاطلاع عليها فهي منشورة على المواقع الالكترونية الان ،  فقد رد النقيب قائلا (  ان التكريم جاء للرد على بعض التخرصات الاعلامية التي تأتي من هنا وهناك للتشكيك في عملنا وتأريخناالاعلامي الطويل). واقول له: انا متخرص اعلامي واشكك في عمله وتاريخه (الاعلامي الطويل)، ولو كان لي ( قدرة مالية ووقت) لرفعت دعوى ضد نقابة الصحفيين وبعض اعضائها الذين (تورطوا) في حرق ملفاتنا وترقين قيودنا وخرقوا حرية التعبير وقانون نقابة الصحفيين القديم نفسه رغم نواقصه ،واتهمونا بوطنيتنا وشككوا باخلاقنا واضروا بعائلاتنا وحرمونا حقوقنا ومنعونا من العمل واقصونا من مجتمعنا وحرمونا حقنا في التعبير وهاهم اليوم يتبوأون المكان نفسه الذي يواصل حرماننا من حقوقنا والتشكيك بوطنيتنا وعراقيتنا، وليكن للقضاء الكلمة الفصل في اعادة حقوقنا وتعويضنا وادانة من قام بهذا العمل اللاخلاقي واللاقانوني فكلي ثقة بهذا القضاء. ولا اقارن بين فخري، وهو صحفي قديم ومناضل ضد صدام، وبين مصور حفلات البعثيين في محافظته. ومهما اختلفت مع فخري كريم فاني اخجل من مقارنته مع شخص لاتتشرف به الصحافة العراقية الوطنية. واذا كان التاريخ يكتب بالدم فهذا دمي خذوه واكتبوا به تاريخنا المجيد.

Share |