دور اليهود في سرقة آثار العراق- أباذر الزيدي- كربلاء
Mon, 26 Mar 2012 الساعة : 22:23

باحث في الدراسات السومرية
لقد كانت أتصالات الرحالة الايطالي ديللا فاليه باليهود لمعرفة آثار العراق ومن المعروف ان جزءاً مهماً من تاريخهم ارتبط بتاريخ العراق القديم ونعني به الأسر البابلي يوم اقتاد نبوخذ نصر ألاف اليهود إلى العراق. فلا غرابة في ان يهتم اليهود بالتنقيب عن آثار العراق. ومن المؤسف ان المصادر لم تمدنا بمعلومات كافية عن الموضوع ، لكن اليهود حرصوا على شراء القطع الأثرية ، وكانوا شديدي التوق إلى بيعها إلى الأجانب المهتمين بالآثار1. ونشط التجار اليهود في حقل تجارة الآثار ، وشجعوا العديد من الأهالي والعمال في البعثات الآثارية على بيع القطع الأثرية لهم. وكانوا يركزون على القطع التي تأتي من المواقع التي ورد ذكرها في التوارة مثل (كالح وبابل). وقد تبين من التحقيقات ان السرقات التي حدثت في بعض المواقع الأثرية كان وراءها التجار اليهود2. فقد نشطت حفريات الأهالي ورجال القبائل المجاورة ،الذين أغراهم هؤلاء بالمال مقابل ما يحصلون عليه من قطع آثارية3. ولم يكتف اليهود بذلك بل عمدوا إلى صنع الآثار المزيفة وبيعها من اجل تحقيق الإرباح وكسب المال4.
ولعل من المفيد إن نشير هنا إلى ما تم تدوينه في احد دفاتر دعاوى محكمة ولاية بغداد عام 1891 (1309هـ) عن قضية مهمة ،فقد أقامت السلطات العثمانية دعوى ضد احد الرعايا البريطانيين بتهمة تهريب اللقى والقطع الأثرية. اذ جاء في حيثيات القضية التي قدمتها دائرة الاستنطاق (التحقيق)5 ،ضد جريفت (W. Griffith) بأنه ضبط يتعامل في شراء عاديات قديمة من "يهودي من أهالي ولاية بغداد"6. كما حمل منطوق القضية بان اللقى تعد "منهوبة من خرائب قديمة قد نبشت دون إذن الوالي"7. وان دلت هذه القضية على شيء فإنما تدل على وجود عمليات منظمة أخذت على عاتقها تهريب آثار العراق في ظل غياب اهتمام ووعي السلطات العثمانية بأهمية الآثار. فقد صور محضر الدعوى المشار إليها إن القنصل البريطاني العقيد )موكلر (Mokler قد حضر محاكمة مواطنه جريفت ، بحسب ما كان متعارف عليه يومذاك في محاكم الولايات العثمانية من حضور القناصل الأجانب جلسات المحاكم التي تنظر في القضايا الجنائية المرفوعة ضد مواطنيهم8 ،إذ وافق موكلر على تحمل دفع الغرامة التي فرضها القاضي على المدعى عليه9 .
مما تقدم يظهر إن رعايا الدول الأوربية وبالتواطؤ مع بعض اليهود العراقيين الذين اعتادوا على ممارسة نهب الآثار العراقية ، قد تاجروا بتلك الآثار ونقلها إلى أماكن أمنة كي يتسنى لهم إرسالها إلى المتاحف الأوربية. فقد ذكرت جريدة الرقيب البغدادية ،من ان قوة الجاندرمة في ولاية الموصل قد ألقت القبض على شاؤول من "أهالي ولاية الموصل المحروسة على طريق جادة ربيعة-حلب حيث عثر في خرج بغلتيه على تماثيل صغيرة كان قد نبشها من خرائب نينوى بحسب استنطاقه أمام السر قوميسير"10. وقد أحيل عبودي كما يبدو إلى المحكمة لينال جزاءه11. وفي السياق نفسه فقد استمرت عمليات تهريب اللقى والعاديات خارج العراق حتى وقت قريب من تأسيس (الحكم الوطني) في العراق في 25 تشرين الأول 1920 اذ أولت الحكومات العراقية المتعاقبة أهمية بالغة في الحد من عمليات سرقة الآثار العراقية وتهريبها12 ،ففي هذا المجال ذكر تقرير وزارة المعارف لعام 1934 في معرض إحصائياته ان ثلاث محاولات تهريب آثار عراقية قام بها رعايا ألمان ،قد أحبطت وتم استعادة هذه الآثار13.
يتضح مما تقدم إن الآثاريين قد مارسوا عمليات واسعة من النهب والسرقة وتهريب آثار العراق الى الدول الغربية بطرق وأساليب شتى. ولم يكن هناك رادع مؤثر نتيجة تساهل السلطات العثمانية في البدء ،ومن ثم ضعف الرقابة وعدم وجود قوانين صارمة تحد من السرقة والتهريب ،بل ان مرونة القوانين التي صدرت بعد تشكيل (الحكم الوطني) كانت عاملاً مساعداً على استمرار السرقة والتهريب تحت أغطيه وذرائع متعددة ، وقد أسهم في نهب الآثار وتهريبها معظم من عمل في التنقيب من الغربيين وحتى الذين كانوا يحملون الصفة الدبلوماسية أو الرسمية ، فضلاً عن الدور المؤثر الذي قامت به متاحف الغرب في تشجيع عمليات السرقة والتهريب ، من خلال المبالغ الكبيرة التي كانت تدفعها مقابل الآثار المهربة ،وقبل ذلك قيامها بتمويل البعثات الآثارية تحت أغطية علمية وتاريخية رصينة. ولذلك كان لمتاحف أخرى في العالم نصيب من الآثار العراقية.
ومن الأمور المهمة التي يجب تأكيدها استرداد هذه الآثار والتي كانت الدول الغربية تؤكد بان الطرق الدبلوماسية والقانون كفيلان بإرجاعها. وقد قمت شخصيا اثناء زيارتي عدة مرات للمتحف بالالتقاء بأعضاء بعثات أجنبية (ألمانية – فرنسية – ايطالية) وسألتهم عن القطع الأصلية من آثارنا الموجودة في متاحفهم فكانوا يضحكون ويقولون لماذا لا تطالبون بها فنعيدها. وكنت استنكر واستشهد بعدة حوادث وجهود للسفارات العراقية والخارجية العراقية ولسنوات من دون أي نتيجة مثل ما قامت به على سبيل المثال سفارتنا في ألمانيا بإيعاز من وزارة الخارجية العراقية بعد طلب دائرة الآثار والتراث بمفاتحة الجانب الألماني بشأن المزججات. وقامت السفارة بجهود كبيرة في الأعوام (1987و1988 و1989) ، لكن من دون جدوى. إما الآثار التي اخرجت لغرض الصيانة والترميم فلها شأن اخر ومنها على سبيل المثال مزججات بوابة عشتار التي طالب بها العراق لأنها أخرجت عام 1926 ولا تمتلك ألمانيا أي وثيقة بأحقية امتلاكها. وبعد إن وصل الأمر إلى مستويات عليا بشأن إعادتها تمسكت المانيا بها وادعت انها أصبحت من حقها وضمن ممتلكاتها لانها تمتلك وثيقة باخراج مجموعة من الصناديق المحملة بالآثار من (مستر كوك) عام 1926 يوم كان مديراً فخرياً للآثار ، ولذا تمسكت بها ورفضت حتى الدعوى العراقية أمام محكمة العدل الدولية التي لم تتمكن من عمل شيء.14
الهوامش والمصادر :
1) سروالس بدج ،رحلات الى العراق ترجمة فؤاد جميل ،ج1 ،ط1 ،دار الزمان ،بغداد ،159،ص.2 .
2) جريدة العالم العربي ،العدد 165 ،2 تشرين الأول 1924.
3) طه باقر ،مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة ،ج1 ،الوجيز في تاريخ حضارة وادي الرافدين ،ط1 ،بغداد ،1973،ص121.
4) ستيفن همسلي لونكريك ،اربعة قرون من تاريخ العراق الحديث ،ترجمة جعفر خياط ،بغداد ،1985،ص56.
5) مهمة هذه الدائرة هي اجراء الاستفسارات القضائية بهدف تقرير الافراج عن المتهمين والموقوفين وتقديمهم للمحاكم المختصة. للتفصيل ينظر: جميل موسى النجار ،الإدارة العثمانية في ولاية بغداد ،ط1 ،منشورات دار الشؤون الثقافية العامة ،بغداد ،2001 ،ص303.
6) ينظر: د.ك.و. ،سجلات المحكمة الشرعية ببغداد ،مخطوط دفتر دعاوي محكمة ولاية بغداد لسنة 1309هـ المرقم 38 ،الورقة 160 ،الدعوى نمرة 79.
7) من المرجح ان الوالي الحاج حسن رفيق باشا الذي تولى ولاية بغداد في 19 محرم 1309-15 محرم 1314هـ الموافق 17 أب 1891-21 حزيران 1896. ينظر: عماد عبد السلام رؤوف ،إدارة العراق ،الأسر الحاكمة ورجال الإدارة والقضاء في العراق في القرون المتأخرة ،ط1 ،دار الحكمة للطباعة والنشر ،بغداد ،1992 ،ص86.
8) بحث حضور القناصل الأجانب المحاكم العثمانية. ينظر: ج.ج. لوريمر ،دليل الخليج،القسم الجغرافي ،الجزء الثالث ،طبعة جديدة ومعدلة ومنقحة أعدها قسم الترجمة بمكتبة أمير دولة قطر مطابع علي بن علي ،الدوحة ،د.ت ،ص1051.
9) د.ك.و. ،سجلات المحكمة الشرعية ،المصدر السابق.
10) السرقوميسير مصطلح عثماني ويعني به مفوض شرطة من الدرجة الأولى. ينظر: جميل موسى النجار ،الإدارة العثمانية في ولاية بغداد ،ط1 ،منشورات دار الشؤون الثقافية العامة ،بغداد ،2001،ص286.
11) الرقيب ،العدد 79 ،27 ذي الحجة 1327هـ (1909م).
12) طارق مجيد تقي العقيلي ،الدكتور ناجي الاصيل دبلوماسياً رائداً ومفكراً حضارياً، ط1 ،منشورات بيت الحكمة ،بغداد ،2003،ص217.
13) الحكومة العراقية ،تقرير وزارة المعارف لسنة 1934 ،مطبعة الحكومة،بغداد،1935 ،ص220.
14) م.ع.ق.ث ،ت.ق. البعثة الالمانية ،المجلد الاول ،و.ث.م 8/هـ ت ،15/كانون الاول/1935.