القفة من وسائط النقل المائي في ضوء الدراسات المسمارية- أباذر الزيدي- كربلاء
Sun, 25 Mar 2012 الساعة : 11:14

تعنبر القفة من وسائط النقل المائي الشهيرة في وادي النهرين والتي أستمرت تجوب نهري دجلة والفرات الى الخمسينيات من هذا القرن والقفة كلمة عربية مفردة وجمعها قفف وقد جاء تعريفها على لسان ابن منظور ، ان القفة "هي الزبيل أي (الزنبيل) وهي السلة المدورة التي يجعل لها معاليق ، ومن هذا التعريف اللغوي للقفة يتبين بان القفة هي اشبه بسلة القصب المدور"( ) .
وعرفت القفة في العراق القديم بالأسم السومري ( GI.GUR.HUBB2 ) وفي الأكدية ( QUPPU ) وعندما تكون معمولة من القصب تعرف ( quppum sa suri ) وعرفت بأسم أخر في العصر البابلي الحديث ( 662 - 539 ق.م ) وهو ( quppu hallatu ) ومعناه ( القارب السلة ) أو القفة السلة ( elepu hallatu ) وتعني السفينة السلة وأذا عملت القفة من البردي سميت "قارب البردي " ( elep urbati ) .
أستخدمت القفة في العصور السومرية والبابلية والأشورية ولم يكن ملاحوا القفة يترددون من عبور الأنهار سريعة الجريان مثل نهر دجلة إذ كانوا يستخدموها بصفة أعتيادية بنقل السلع فقد عرفت بملائمتها للنقل النهري في دجلة والفرات أي أنها أستخدمت في التجارة الداخلية لنقل المواد الغذائية والمنتجات المحلية الأخرى كالصوف والجلود وغيرها من مدينة لاْخرى فضلاَ عن أستخدامها في نقل الأشخاص فقد أستخدمت كذلك في عمليات الصيد النهري وأستعملت في الظروف الحربية لنقل الجنود ومعداتهم وآلات الحصار من جانب الى آخر عبر الأنهار والقنوات .
كان أقدم ذكر للقفة في قصة سرجون الأكدي ( 2297-2334 ق.م ) فيما ياتي نصه " لقد استقبلتني (حملت بي) امي كاهنة الابنتوم وولدتني في الخفاء ثم وضعتني في سلة (قفة مصنوعة من القصب) واقفلت بابي (أي غطاء السلة) بالقار ثم رمتني في النهر الذي لم تستطيع مياهه ان تصلني (أي الوصول إلى داخل السلة) وحملني النهر بعيدا "( ) .
ونقتبس جزء منها :
" i-na qup-pi sa2 su-ri i-na itti babi-ia ip-hi id-dan-ni a-na nari "
الترجمة " في قفة من القصب ، أقفلت بأبي بالقار ورمتني الى النهر "
لقد عرف العراقيون القدماء القفة بوصفها واسطة من وسائط النقل النهرية ، ويبدو ان شكلها القديم يتشابه تقريباً مع شكل القفف التي استخدمت في انهار العراق إلى وقت قريب وعلى الاغلب فان طريقة صناعتها كانت متشابهة ايضاً طيلة العصور( ) .
ان القفة ، قارب شبه دائري قطره يتراوح بين 5-8 اقدام( ) ، تمتاز بعمقها وارضيتها المسطحة ، وتصنع القفة على غرار حياكة سلال القصب وتستخدم سعف النخيل والقصب في اعدادها ثم تطلى بالقار والطين من الداخل والخارج ، كما استخدمت المجاذيف لتسييرها في النهر( ) ، ويظهر في احدى المنحوتات الاشورية التي تم العثور عليها في قصر الملك الاشوري سنحاريب في نينوى (704-681 ق.م) شكل القفة بوضوح وهي محملة بقطع من الحجارة المهندمة أو الآجر رصفت فوق بعضها ويجلس على طرفيها رجلان يمسك كل منهما بالمجذاف ويسيران الفقة بعملية الجذف ، ، وفي مشهد اخر يلاحظ مشهد لفقة تحمل معدات نقل المنحوتات( ) ، وكانت القفة إلى وقت قريب ينقل عليها الآجر وبعض الخضراوات الثقيلة كالرقي والبطيخ كما استخدمت القفة( ) في نقل الناس بين جانبي النهر في مدينة بغداد( ) .
ويتضح من خلال الرسائل الاشورية المكتشفة في قصر الملك الاشوري سنحاريب (704-681 ق.م) بنينوى استخدامات القفف مراراً فقد تضمنت رسالة جوابية من احد الحكام الاشوريين الذي يدعى (طاب–شار– اشور) حيث كانت مرسلة إلى الملك سنحاريب يخاطبه فيها بأن الاحجار التي طلبها سنحاريب والتي سوف تستخدم في بناء القصر والعتبات الخاصة بابراج الحراسة سوف تجلب اذا توافرت القوارب ويبدو انه يقصد بذلك "القفف" بدليل ان المنحوتات الآشورية التي تم العثور عليها في قصر سنحاريب في نينوى ، تصور القفف وهي تحمل الحجارة المهندمة وهذا ما يؤكده مضمون الرسالة بانها عملية نقل الاحجار بواسطة القفف( ) وقد نصت الرسالة على الاتي : "إلى سيدي الملك : خادمك ، طاب – شار – اشور ، سيدي ولكم تمام الصحة ! .
حول ما ارسله سيدي الملك القارب (القفة) الجديد الذي قدم من مركز المدينة ، هل هناك أي قارب (قفة) ؟
لقد تم انزال ستة قوارب (قفف) اشورية إلى النهر … ، والآن سوف اقوم بجلب اثنين من هذه القوارب (القفف) ذهاباً واياباً ، [واستخدمها في نقل] احجار الممرات والعتبات لابراج الحراسة ، إلى حين تمكني من توفير القوارب (القفف) [المتبقية] ،
… ولحين احضار هذه القوارب (القفف) فسوف اتحمل مسؤولية الاحجار الكبيرة في أديا "Adia" ، [انا سوف …] هم […] هذه […] و [جلبها] إلى هذه الضفة من (النهر)"( ) .
أباذر راهي سعدون الزيدي
باحث في الدراسات السومرية
كربلاء المقدسة
[email protected]