العاطلون .. ضحية من ؟- طاهر مسلم البكاء- الناصرية
Sun, 25 Mar 2012 الساعة : 0:01

بسم الله الرحمن الرحيم
مشكلة العاطلون عن العمل من المشاكل الحرجة التي تواجه البلد والحكومة العراقية اليوم ،وذلك من وجوه عديدة أهمها :
1- أنها تعني وجود عوائل مسحوقة ومتعبة أقتصاديا" ولاتملك معين .
2- أنها فئة يمكن أن تستغل من الجهات المخربة والمعادية للوطن والدولة ،لما يغلي بداخلها من مشاعر وألم لشعورها بالغبن ،وهي بالتالي سهلت القياد الى أتجاهات مضادة الى مصلحة البلد ،وفعلا" حصلت حوادث كثيرة على أشاعات لاأساس لها ، فمثلا" في الكوت فوجئ مسؤولي قسم العمل بأفواج من العاطلين تزدحم أمام القسم بتأثير أعلان كاذب عن منحة بعشرين مليون مقدمة من رئيس الوزراء، وفي محافظة ذي قار حصل ذات الشئ بعد أنتشار أشاعة كاذبة من ان هناك مئة الف دينار شهريا" تخص العاطلين .
3- يمكن استخدامها كبؤرة ونواة تستغل لتفجير الاوضاع والاتجاه بالاوضاع الداخلية على غرار ما يحدث في البلدان العربية المحيطة .
4- تستغل أوضاعها لقلب نتائج أنتخابية في عموم البلد.
5- أن أعدادها يتزايد وهي في تصاعد بأستمرار لعدم وجود برامج ناجعة لأستيعابها ومعالجتها ، والمأساة ان أفواجا" من الخريجين في مختلف الاختصاصات يضاف اليها سنويا" ،وهذا يؤدي بالمستوى العلمي الى الانهيار لفقدان الحافز لدى الطلبة ،كونهم يرون من سبقهم في كفاح الدرس قد أتخذوا مقاعدهم في أفواج العاطلين .
مالذي فعلته الدولة
ـــــــــــــــــــــــ
صحيح أن الدولة قد أوجدت بعض الدرجات الوظيفية سواء في سلكي الجيش والشرطة أم في الوظائف المدنية ، ولكنها غير ناجعة على الاطلاق ، حيث يشير آخر أحصاء لعدد العاطلين في محافظة ذي قار(جرى في بداية عام 2011 ) أنه يزيد على مئة ألف واليوم يقترب من مئة وخمسون الف ،وعندما تستمع الى طلباتهم تجد أن أغلبهم ينشدون بالدرجة الاولى وظيفة حكومية ، فأن لم تحصل فراتب شبكة الحماية الاجتماعية ، فأ ن لم يحصل فالقروض الصغيرة المخصصة للعاطلين ،فأن لم تحصل يلجأ بعضهم الى الدورات التدريبية ،وهي جرع تسكينية لأنها بالحقيقة لاتؤدي الدور المرجو منهاللعديد من الاسباب ، من اهمها أن العاطل عن العمل ،حتى ولو مارس تدريبا" بسيطا" في أحد المهن ،فهو غير قادر على ان ينهض بنفسه ويكون مشروعا" يعتاش منه بدون رأس مال.
ولنناقش أمكانية تحقيق هذه المطالب :
1- وظائف الدولة أن أغلب مؤسسات الدولة اليوم مثقلة بالكادر ، حيث يزيد في بعض المنشآت الصناعية عن المستوى الطبيعي بالآلاف .
ومن جانب أخر فأن الدولة لاتزال متمسكة بقوانين التقاعد القديمة التي تجعل الانسان يصل الى عمرالخرف حتى يتقاعد ،وكان الاحرى وكما كانت عودة السياسين حل ثوري ، أن يكون هناك تقاعد ثوري يوازن الحالة ويريح الطبقة المتقدمة بالسن ويفسح المجال للشباب ويوجد حالة موازنة مع الاعداد الكبيرة الفائضة ، كما انه يقلل من الروتين في دوائر الدولة كثيرا" ، حيث الدماء المتجددة تكون ذات قدرة على العمل أكبر وآمال أكثر تفتحا" .
2- القروض الصغيرة :
ـــــــــــــــــــــ
هي برامج عالمية ناجحة في أغلب دول العالم سواء كانت المتقدمة أو الفقيرة ،ولكنها لم تلقى النجاح المرتجى عندنا ، لأسباب عديدة نذكر أهمها في هذه العجالة :
أ ــ مبلغ القرض ، وزع عام 2008 ،زهيد جدا" حيث بلغ بالمعدل خمسة ملايين دينار عراقي وهو لاينهض للمقترض بمشروع معتبر في أسعار السوق اليوم .
ب ــ تراوحت الفترة بين تقدم العاطل للقرض وأستلامه بين ( ثلاثة أشهر وسنة ) وهذه فترة طويلة تولد اليأس والأحباط وتؤدي بالبعض الى ترك المشروع .
ج ــ الضوابط المشددة التي وضعتها المصارف ، فمثلا" في محافظة ذي قار كان على المقترض أن يهيأ كفلاء من الموظفين عدد ( 2 ) ويصحبهم الى محافظة البصرة للتوقيع هناك ! ، صحيح أن الوضع الامني للبلد قد يتطلب بعض التشدد ولكن ليس الى هذا الحد ، علما" أن ظروف العاطلين المعاشية والاجتماعية لاتسهل لهم الحصول على هذا العدد من الكفلاء والذهاب بهم في سفرة الى محافظة أخرى .
د ــ تجزئت القرض على شكل دفعتين ،بدعوى الكشف على المشروع وتصويره ومن ثم أرساله الى بغداد ثانية ،في رحلة طويلة أخرى ، مما يزيد الطين بله ويقلل من قيمته ، ونعتقد أن هذا الاجراء لاجدوى منه ،حيث أن الاندفاع الذاتي والرغبة في تنفيذ المشروع هو الاساس الذي يبنى عليه ،كما أن بالأمكان وضع ضوابط تفتيش عشوائي لمشروع المقترض ، للتأكد من وجوده على أرض الواقع .
ه ــ أستيفاء القرض على شكل أقساط سنوية ، وهي باهضة بالنسبة للعاطل ويتضح أنها آلية المصارف التي تستسهل الموضوع ،بدلا" من أن يسدد وفق تعليمات وزارة العمل ، كأقساط شهرية ميسرة .
و ــ ضعف التثقيف العام لأيضاح الهدف من القرض ،وشرح الفائدة التي يجنيها المقترض فيما لو تصرف بالأتجاه الصحيح ،حيث يصبح صاحب مشروع يرتزق منه ،وبالعكس لو صرف المبلغ دون أن يكون هناك مشروع ،فأ ن المقترض سيصبح شخص مدان الى الدولة بمبلغ ثقيل قياسا" الى أمكانياته ،أضافة الى أنه سيبقى عاطل بدون مصدر رزق .
3 – راتب شبكة الحماية :
هي رواتب تتراوح بين خمسون الى مئة وعشرون ألف دينار تعطى للعاطلين الذين لايزيد دخلهم الشهري عن خمسون الف دينار ويفترض عدم قدرته على العمل ، غير أن هذا البرنامج قد تعرض الى أكبر عملية تشويه حيث أنه أبتدأ في ظروف بدء عودة مؤسسات الدولة ، بعد العام 2003ومن أهم مشاكله هو وجود الطفيلين على البرنامج من غير المستحقين ،كالموظفين والتجار وذوي الاحوال الميسورة وذوي المهن العاملين في السوق ،وهذا متأتي من ضعف ضوابط مؤسسات الدولة آنذاك ، وكذلك من أعتقاد خاطئ من ان الراتب هو لكل عراقي لايملك راتب ،وهو بالحقيقة ليس حلا" لمشكلة البطالة بأي حال من الاحوال ولايستحق كل هذا التقاتل عليه غير أن البعض يتصوره بديلا" عن الراتب الذي حرم منه .
هناك خلل غير واضح
ـــــــــــــــــــــــــ
أن التكالب على برامج لاتشفي غليل ولاتسد رمق في بلادنا دلالة على ان بطالتنا هي من النوع الخاص المقنع والذي تشترك الدولة والوضع الامني للبلد في تدعيمها وامتدادها الى ما لانهاية و التي تحتاج الى بحوث لفهم هل هي بطالة حقيقية أم غير ذلك ، وإلاّ ماذا يعني وجود أبن الفلاح الذي يملك مئات الدونمات الزراعية ، وابن التاجر الذي يملك العديد من الاسواق التجارية وكذلك أصحاب المهن والحرف ومحلات النجارة والحدادة واللحام ومصلحي السيارات وسواق السيارات وغيرهم ضمن بيانات العاطلين عن العمل ،أن هذا يعني أن مفهوم العاطل لدينا أصبح كل من لايملك راتب من الدولة وليس كل من لايتوفر له العمل ،وهذا الامر غير موجود في دول العالم حيث ينظر الى الراتب كأيراد محدود ، وأن ايراد القطاع الخاص يعتبر رزق ممدود يفضل على الراتب .
ومن جانب آخر أن مثل هذا المؤشر هو بيان لخمول وخمود هذه القطاعات لدينا ،أذ لو كان القطاع الخاص عندنا ذا انتاجية كافية تفي بالغرض وتشعر ممارسه بالأكتفاء لما كان هذا التزاحم على برامج العاطلين .
أين يكمن الحل ؟
ـــــــــــــــــــــ :
نعتقد أن الحل يكمن في تدعيم أمن البلد السياسي والاقتصادي ، ورفد السوق العراقي وتنشيط القطاع الخاص وتشجيع جميع الانشطة الاقتصادية الفاعلة في بلدنا ( الذي وهبه اللة كل أنواع الخيرات )، وتسهيل عمل الشركات في مختلف المجالات كالزراعة والصناعة والسياحة وأستغلال الاستثمار في أيجاد بنية أقتصادية وركائز ثابتة وعدم الاعتماد على ثروة النفط لأنها ثروة ناضبة ، قد نجلس يوم من الايام لنجد العالم وقد وجد البديل عنها .
لقد شاهدنا دولا" تستغل بعض الاماكن الوهمية ،تحيطها بهالة من التقديس لتجعل منها مكان سياحي يقصده السياح لأجل الحصول على بعض الموارد ،ولكن بلدنا لاتزال المدن السياحية فيه مطمورة تحت الارض سواء في شماله أو في جنوبه ،ومع ذلك فنحن لانستطيع أستيعاب افواج السياحة الدينية الوافدة لعدم تهيأة مرافقنا السياحية التهياة اللائقة .
كما أن استيراد العراق لماء الشرب والطحين من بلاد تمييز على انها صحراوية ، أصبحت طرفة سمجة يرددها حتى مسؤلينا دون معالجة .
أن تنشيط القطاع الخاص سيجعل من العاطل لدينا شخصا" عاملا" ونافعا" في مكان مهم ،يؤدي دورا" وطنيا" يشعره بالفخر والارتياح ولن يبحث وقتها عن راتب شبكة الحماية الاجتماعية أو غيرها .