قراءه في تاريخ مدينة الناصريه-الحلقه الاولى- حسن علي خلف-الناصريه

Sat, 24 Mar 2012 الساعة : 23:36

أن اولى بوادر السكن كانت في شمال العراق، هذا ما أسفر عنه التنقيب في كهوف (شانيدر ) والمناطق المحيطة به , فكانت القرية الاولى هناك ومن ثم تزاحم الناس وتدافعوا نحو جنوب العراق مرورا بالجزيرة الفراتية وحمرين وصولا إلى السهل الرسوبي حديث التكوين ، والمتكون على أنقاض بحر كان يغمر المنطقة والذي ملأه الطمى والغرين بفعل انحسار الزحافات الجليدية باتجاه الشمال ، حصل الاستيطان في هذا السهل الممرع من قبل الجماعات البشرية قرب مساقط المياه وسواحل الانهار ، وهذا أمر طبيعي تبعا لحاجه البشر للماء ، حيث تكون الرافدان (دجلة والفرات ) بعد تكوين ذلك السهل وكانا يصبان في عمان ، وليس في الخليج العربي . فلم يكن الخليج قد تكون بعد . تدلل على ذلك الأبحاث التي قامت بها بعثه برئاسة (نوتزل ) واستخدمت فيها سفينة أبحاث في مياه الخليج. وملخص هذا الرأي (ان الخليج كان منخفضا جافا في العصر الجيولوجي الأخير. وذلك نتيجة لانحسار مياه البحار وانجمادها عند خطوط العرض العليا في النصف الشمالي من الكره الأرضية. ولكن بانتهاء العصر الجليدي بدأت الثلوج بالذوبان فعادت مياه البحار إلى الارتفاع. واخذ الخليج يمتلىء إلى مستواه الحالي بحدود عام 5000 ق.م)( ) .
ولقد ظهرت في المنطقة الجنوبية من السهل الرسوبي القرى الأولى التي راحت تنموا وتنظم نفسها، لتشيد باكورة الحضارات وتضع أولى القوانين والنظم التي تنبىء بتقدم مضطرد بل متسارع في مضمار الرقي والتطور. وهنالك شبه اتفاق بين الباحثين على تقسيم حياة الإنسان إلى مراحل تسهيلا لدراستها. وقد أطلقوا عدة تسميات على تلك الحقبات والتي يعد أولها تاريخ العصور القديمة. وهو اقدم تلك المراحل وأطولها. ولا نعرف عنه شيء الكثير إلا ما جادت به الحفريات والمضان هنا وهناك ، لاتشفي الغليل ولاتسفر عن ذلك الماضي المطمور تحت الأرض.
يلي ذلك تاريخ العصور الوسيطة التي هي الأخرى غير معروفة بالشكل الذي يمكننا من تكوين فكرة متكاملة عنها . وبعد ذلك العصور الحديثة نسبيا. ثم العصور المعاصرة. فيما تم تقسيم التاريخ إلى حقبتين , هما ما قبل التاريخ والعصور التاريخية وجعلوا بينهما حدا فاصلا هو اكتشاف الكتابة التي تعد وسيلة التدوين بحدود 3200 ق.م . وباكتشاف الكتابة تمكن الإنسان من تدوين تاريخه وإنجازاته ومظاهر حضارته. والعراق الذي يعد من أوائل بقاع العالم موطنا للأقوام وحضارة أصلية عرفها التاريخ بحيث ان تلك الحضارة من فرط عظمتها شعت على الشعوب المجاورة وعلى العالم انذاك. وقد أثرت عوامل عديدة على بناء الحضارة في بلاد ما بين النهرين ، ومن ابرز تلك العوامل هي المناخ والجغرافية وأمور طبيعية أخرى التي منها التضاريس وتأثيرها على سير الاحداث التاريخية، وتكوين الحضارة وتطورها الى جانب وفرة المياه وحيوية انسان هذه الارض . فمن المعروف ان سطح العراق له ثلاثة مكونات هي سلاسل الجبال الالتوائية التي تكون شماله وشماله الشرقي وتشكل نسبه من مساحته حوالي 20%. والمكون الآخر هو عبارة عن الهضبة الصحراوية في الغرب وتعد اكبر المكونات الثلاثة حيث تشكل 60% من مساحة العراق
وبعد ذلك يأتي السهل الرسوبي الذي يتوسط المنطقتين الجبلية والصحراوية ويشغل وسط وجنوب العراق ، تقدر مساحته نسبيا إلى مساحة العراق ككل حوالي 20%. ولقد ازدهرت في السهل الرسوبي كبرى المدن السومرية والبابلية من أمثال أريدوا والوركاء ولكش وكيش وأور ونفر وبابل وشروباك

. حيث ان التنقيبات كشفت في تلك المواقع شواهد حيه من حضارة العراق( ).وتعاقب على دست الحكم في
مدينه اور منذ عصر فجر السلالات ملوك عده, ثم أعقبتها سلالتا لكش واوما 2775 ق.م ( )وظهور الملك العظيم (لوكال زاكيزي) الذي قضى على الملك ( اورواانمكينا) مؤسس سلالة اور الاولى والذ كان يقرأ سابقا (اوركاجينا).أعقب ذلك بعد فترة طويلة ظهور سلاله اور الثالثة التي نشأت على يد (اوتوحيكال) موحد المدن وطارد( الكوتيين ) ثعابين وعقارب الجبال . فكان أول المستقلين في تلك السلالة بل يعد من مؤسيسيها العاهل العظيم (اورنمو) 2111-2094ق.م ( ).أعقبه أبناء وأحفاد تربعوا على عرش حاضرة اور .تركوا مجدا اثيلا إلى ان سقطت هذه السلاسة في عهد آخرالملوك (أبي سن 2027-2006 ق.م) الذي كانت سلالة آيسن 2017-1794ق. م وسلالة لارسا 2025-1763 ( ) السبب المباشر في سقوطها ، بعد التحالف مع الجانب العيلامي .ولقد تركت سلاله اور الثالثة بصمات عميقة في البناء الحضاري وخاصة في زمن مؤسسها (اورنمو ) الذي قام بتنظيم الري وشق الترع والاعتناء بالزراعة ،ومن ابرز تلك الأنهار نهر (الاراختو) الذي يتفرع من نهر الفرات ليصل إلى مدينة بابل . ويذكر ان نهري دجلة والفرات كانا يتصلان عند اور يتحدان ويتجهان إلى الخليج العربي عبر مجرى في الصحراء الغربية مندرس حاليا، قبل ان يتغير مجراهما ويتصلا شمال
القرنة حيث استقر اتصالهما .وتبعا لتنظيم الري( ) ازدهرت الزراعة ونشطت عوامل التبادل التجاري بين اور وجاراتها. ونشطت الملاحة والقوافل التجارية وكذلك ازدهرت الصناعات وخاصة صناعة التمور والجلود والأصواف والمنسوجات والحبوب والأسماك. والتي لها أسواق في شمال العراق حيث كانت تقايض بالمعادن والأخشاب. وكان شعب اور والسلالات التي سبقته شعبا حيويا
شغولا.كان يؤمن بوجود قوى وأرواح كامنة في الطبيعة ومظاهرها وكان يجسدها على هيئه آله، خصها بالعبادة والتقديس,وكانت متعددة تبعا للمظاهر الطبيعية .فكان للجو اله وللشمس والقمر والكواكب والسماء والأرض كل لها اله خاص بها . وكانو يشبهون آلهتهم بالصفات البشرية ولم يكن لديهم تصورات عن الحياة الأخرى .واستمرت هذه المعتقدات العراقية حتى بعد ان سيطرت الأقوام الغازية على اور. وكان الرمز لهذه الآلهة المعبد والزقورة الذين لهما صفة مقدسة .وابراز تلك الآله ( آنو) اله السماء و(انليل) سيد الهواءو(انكي) اله الأرض و(نناسين) الذي هو القمر (واوتوشمش) اله الشمس و(ناناعشتار) آلهة الخصب والإله (ادد) اله الرعد والبرق و(نركال ) اله العالم السفلي و(مردوخ) اله الحكمة ( ). وقد تركت لنا تلك الأقوام أروع الآداب حيث خلف الكتاب والأدباء والشعراء السومريون نتاجا غزيرا يتسم بالأصالة والتنوع، مدونة على رقم الطين . فطرقوا كل صنوف الأدب فقد الفوا في القصص والأساطير والملاحم ،وكتبوا الصلوات والأدعية والترانيم ونظموا قصائدالغزل والمناجاة، وكتبوا مناقشات فلسفية عن الحياة والموت وخلق الكون والإنسان .وابرز تلك الآثار ملحمة كلكامش وأسطورة الخلقية البابلية والطوفان وأسطورة نزول عشتار إلى العالم السلفي.
أما في المجال العمراني فقد تركوا لنا المعابد والقصور والزقورات والأبراج التي أهمها زقورة اور. وبرزت فيها قيادات فذه تصدرت قيادة الحياة في احسن صورها بعد ان بنت جيوشا وحصونا وقلاعا , وتجهزت بالاسلحة المتنوعة وخاضت معارك انتصرت فيها وتمكنت من صد الطامعين.الإ ان خصب هذه الأرض ووفرة مواردها الطبيعية والبشرية وسهولة استخراج العيش فيها وخصوبة أرضها جعلت الأقوام المجاورة تتربص بها الدوائر.
فيحدث التاريخ ان السهل الرسوبي والأقوام العراقية الساكنة فيه. تعرضت للعديد من الهجمات في فترات تاريخية متباعدة.فما ان يدب الضعف والوهن والأنقسام إلى جسم الدولة وينتاب الخور قادتها وجيوشها ، حتى تتسلل إليها الأقوام المجاورة. وهكذا حدثت هجومات (الميديين) و(الكوتيين) و(الفرثيين) و(العيلاميين)( ) بشل متفاوت ومتباعد. وبعدهم الاخمينيين والساسانيين. وتعد هذه الفترات من حياة أهل جنوب العراق فترات مظلمة، قهر فيها الإنسان وغلب على أمره. لكنه المعروف بشجاعته وحيويته سرعان ماينتفض ويلتف حول قياداته الوطنية ليطرد الغزاة الطامعين. كون هذا الشعب شعب حي جذوره ضاربه في أعماق التاريخ. وبعد الفتح الإسلامي أصبحت منطقه بطائح ذي قارمن أهم مراكز تمويل الجيوش الفاتحة المبشرة برسالة ألله الحاملة للواء الإسلام وكلمة التوحيد. بل كانت هذه المنطقة (ذي قار) هي المركز الرئيسي لتمويل الجيوش الإسلامية إلى الشرق بالعلوفات لدوابها،وبالمواد الغذائية للجيوش والتي أبرزها الحبوب ولحوم الأبقار. وهكذا كانت هذه المنطقة ذات مكانه اقتصادية عالية جدا بالنسبة إلى جيوش الإسلام سواء في العصر الراشدي حيث كانت جزء من أحداثه وخاصة معركة القادسية وفتوحات عموم العراق،أو المعارك التي جرت في العهد الراشدي الأخير مثل معركة الجمل وكانت (جيوش الخليفة علي بن أبي طالب عليه السلام) معسكرة على أرضها. ولم تزل شواهدها شاخصة للعيان إلى اليوم والتي هي(منصور أبوالحسن).
أما في العصر الأموي، فكانت هذه المنطقة جزءا من الأحداث، سواء تلك التي شهدت تجفيف الأهوار في زمن معاوية بن أبي سفيان على يد عامله عبدالله بن دراج ، أو عمل المسنيات والسدود على يد المصعب بن الزبير عامل أخيه عبدألله على البصرة والكوفة. والأحداث الساخنة التي جرت في زمن عبدالملك بن مروان وعامله الرهيب الحجاج بن يوسف الثقفي، وما شهدته من ثورات وتمردات وخاصة ما قام به عبد الرحمن بن الأشعث، والحركات الأخرى المناوئة لحكم بني أميه بقيادة الحجاج بن يوسف الثقفي على وجه الخصوص، بعد ان ألحقها بمدينه واسط التي بناها لتكون مقرا لحكمه وانطلاقه في الفتوحات إلى الشرق.
ولقد كانت هذه المنطقة بشعبها الجنوبي الدؤوب، جزءا من الأحداث التي أدت إلى توسيع الفتوحات في الشرق من خلال مساهمة أبنائها السخية في تلك الفنوحات، أو من خلال كونها جزءا أيضا في الأسباب التي أدت إلى سقوط الدولة الأموية وتدهورها وانتقال السلطة إلى بني العباس، الذين كانت دعوتهم سريه تحت شعار (الرضا من بيت آل محمد ) إلى ان اعلنوا دعوتهم 132هجريه وتصدر أبو العباس السفاح 132ـ 136 للحكم وأعقبه المنصور الذي يعد المؤسس الحقيقي لدولة بني العباس( ). بعد ان استأثروا بها دون أبناء عمومتهم آل علي. وأيضا ان شعب هذه المنطقة كان جزءا من أحداث أدوار حكم بني العباس، سواء ًالدورالأول القوي (الذهبي) أو الدور الوسيط، أو دور الانحطاط والسقوط على أيادي المغول بعد الانحراف والتشرذم ، وسيطرة الأتراك على مقاليد الحكم وعلى مجريات أمور الخلافة، وعلى التدخل السافر للغرباء والنساء والغلمان في شؤون الخليفة ، وتعرضه للقتل أوالسمل أو السجن أو الطرد. وشهدت المنطفة ميلاد إمارة عمران بن شاهين وأولاده وأحفاده. إضافة إلى مساهمات أبناء البطائح بشكل فاعل بطرد القرامطة وحرب صاحب الزنج، الذي استمرت حركته قرابة 15 سنة امتد نفوذه حينها من البحرين إلى واسط الحجاج, بعد ان كثر اتباعه ومؤيديه. إلا أن الجهات الساندة لجيش الموفق العباسي كانت قبائل البطائح التي اسهمت اسهاما فعالا في تقويض تلك الحركة وخاصة قبائل المنتفق من بني معروف.
 

Share |