الازمة العراقية من وجهة نظر ادارية-علي البصري-الدنمارك

Wed, 21 Mar 2012 الساعة : 9:31

مايحدث في العراق من تدهور امني بين فترة واخرى يُدلل على ان هناك خللا مؤكدا، ينبغي البحث عن هذا الخلل ومن ثم معالجته. مايُدمي القلب ان من يُدير هذا الملف لايُريد ان يعترف بوجود خلل امني، او ان خطته الامنية قد فشلت، حتى ان هؤلاء يُعبّرون عنه بخرق امني، من اجل التخفيف من هول المشكلة وخطورتها. الاقسى من ذلك هو مايحصل مثلا من تجاهل اعلامي تجاه هذا التدهور الامني، فقناة العراقية مثلا والقنوات الاخرى التابعة لشبكة الاعلام العراقي لاتغطّ مايجري من احداث خطيرة حدثت اليوم الاثنين، في محافظات عراقية عديدة بما فيها بغداد، بل اكتفت ببعض الاخبار عن التفجيرات في شريط الاخبار.
الامر الاخر اننا سبق ان اشرنا الى ان هناك فشل واضح في الملف الامني سببه هو عدم المهنية التي تتبعها الحكومة العراقية، والا فان كل دول العالم اذا ماتكررت مثل هذه الاحداث الخطيرة فيها، فان المشرفين على ادارة الملف الامني يُعلنون استقالاتهم فورا، لذا فعلى الاقل ينبغي اقالة المشرفين على الملف الامني سيما الداخلية العراقية والتي سبق ان نوّهنا الى ان هذه الوزارة مخترقة حتى العظم ويعشعش فيها الفساد، وعلى راس القائمة هم الوكلاء المشرفين – وكلاء الوزارة - على وزارة الداخلية اللذين اثبتوا فشلهم وفسادهم، وينبغي التحقيق معهم، الا ان السبب الحزبي هو الذي يقف حائلا امام اقالة هؤلاء وتقديمهم الى المحاكمة، ولاادري لم الناس سيما النخب والمرجعيات المختلفة ساكته ولاتحرّك ساكنا امام هذا النزيف المتكرر، فهل اصبحت الدماء العراقية رخيصة الى هذا المستوى؟؟؟!! فاين نحن من مفاهيم مثل: ان ازالة الكعبة الشريفة اهون عند الله من اراقة قطرة دم واحدة. العراق ينزف من اقصاه الى اقصاه فلماذا انتم ساكتون؟؟!!!
الازمة العراقية ازمة ادارية بامتياز:
لااريد ان يوحي العنوان الى القاريء الكريم بأني اُختصر الخلل بعامل وحيد او بسبب وحيد، فهناك عدة اسباب ادت الى تفاقم الازمة في العراق، لكن الخلل الاداري من وجهة نظري هو السبب الاكبر والأهم والذي اذا ماحُلّ هذا الخلل فستُحل كل المشاكل الاخرى.
قبل عدة سنوات وحسب مااتذكر في عام 2006 كتبت مقالا ذكرت فيه ان مشكلة العراق مشكلة ادارية وان حلها يتم عن طريق وضع اولويات، ومن هذه الاولويات التالي:
1-ينبغي بل يجب ان تبنى القرارات – سيما المهمة منها - على بيانات ووقائع ومعلومات وليس على تكهنات وتخرصات وعمليات ارتجالية. مايجري في العراق حاليا هو عبارة عن عملية ارتجالية لاتستند الى اي معلومة، وبالتالي فان كل القرارات المُتخذة هي قرارات ارتجالية ولاتمت الى الواقع بصلة.
2-الخطط وعملية التخطيط هي الاخرى وليدة بيانات ومعلومات ووقائع واستقراء للمستقبل، وليست وليدة تخرصات وتوقعات غير مبنية على اسس علمية، ولهذا فان العمل الحكومي الحالي هو عبارة عن "عملية ترقيعية"، والا فهل من المعقول ان موازنات العراق خلال الفترة (2007-2011) هي اكثر من
) دولار ومع ذلك لم يتحسن شيء في العراق، في حين ان موازنات دول مجاورة 326,165,830,761.54(    
للعراق اقل من ذلك بكثير ومع ذلك تمخضت نتائج  ومخرجات لاباس بها من موازناتها المتواضعة، فلم لم تنجز موازنات العراق ولو نصف تلك الموازنات المنجزة في الدول المجاورة، السبب يعود من وجهة نظري الى تخلّف الجهاز الاداري العراقي، وبالتالي الى سوء التخطيط والى حدوث تجاوزات من فساد اداري ومالي وحتى وان كانت الخطط الموضوعة غير جيدة الا ان سوء التنفيذ احيانا يفاقم من الامر اكثر وتصبح الحالة من السوء بحيث ان كل هذه الاموال المرصودة لم تنجز شيئا ولم تخفف من معاناة البلد.
3-لاتوجد اهداف واستراتيجية محددة تعمل الادارة العراقية على تحقيقها، ومن ثم لاتدري الادارة ماذا حققت، ولاتستطيع اجراء تقييم اداءها وهذا مايؤدي الى حدوث الفساد والتلكؤ وسوء تنفيذ الخطط.
4-لايوجد هناك ترابط بين المؤسسات والوزارات العراقية، ودائما مااشبه هذه الوزارات بالجزر المتباعدة، فكل وزارة تعمل دون علم الاخرى، وهذا يؤدي احيانا الى تضارب في عملها او قد تعمل وزارة ضد اخرى، في حين وطبقا لفكر مدرسة النظم فان اي نظام هو عبارة عن مجموعة من الاجزاء او النظم الفرعية التي تعمل مع بعضها البعض من اجل تحقيق اهداف النظام العامة – اي اهداف الدولة العراقية – في حين مانراه في الواقع العراقي عكس ذلك تماما، فعلى سبيل المثال تشتكي الكثير من هيئات الاستثمار والمستثمرين في المحافظات من ان وزارة الداخلية تتاخر في اعطاء تاشيرات مرور وفيز للمستثمرين الاجانب، مما يؤدي الى هروب المستثمرين من الاستثمار في العراق وعلى هذا المثال وقس الامور الاخرى.
5-هناك بطالة مقنعة في الجهاز الاداري العراقي وهو الذي يستنزف نسبة عالية من الموازنة العامة للدولة وتقدر نفقات هذا الجهاز باكثر من 60% من موازنة الدولة.
6-اساليب الجهاز الاداري العراقي اساليب قديمة ومكلفة على جميع الاصعدة وتؤدي في كثير من الاحيان الى الفساد وتاخير العمل وتعكير مزاج المواطن المسكين وغيرها الكثير.
7-المؤسسات العراقية الرقابية المختلفة والتي لاتؤدي دورها او لاتعمل بمهنية، ولعل على راس هذه المؤسسات هو البرلمان العراقي الذي يُعد اعلى سلطة في البلد واكبر مؤسسة رقابية الا انه لايعمل بمهنية بل ان المحسوبية والتسيييس هو الغالب على عمل هذه المؤسسة مع الاسف الشديد، بل وصل الامر بهذه المؤسسة ان تقدم مصالح اعضاءها الشخصية على مصالح البلد والمواطنين، وكان اخر اعمال هذه المؤسسة هو اقرار قانون السيارات المصفحة.
8-التاكيد والتركيز على عامل واحد ومشكلة واحدة وكما هو حاصل تاكيد الدولة وتركيزها على العامل الامني وترك العوامل الاخرى، في حين ان المشاكل مترابطة مع بعضها البعض الاخر، فحل مشكلة البطالة مثلا لها علاقة بتخفيف وحل مشكلة الارهاب، واصدار وثائق الكترونية وانشاء قاعدة بيانات مركزية سيساعد في حل مشكلة الارهاب، والفساد الاداري والمالي سيقلل من جهد الموظفين وسرعة انجاز معاملات الناس، وهكذا دواليك بالنسبة الى المشاكل والامور الاخرى.
9-مشكلة البطالة في العراق مشكلة كبيرة وهي تنذر بمخاطر كبيرة في المستقبل القريب، ولعل ظاهرة مثل ظاهرة الايمو هي وليدة الفراغ والبطالة، او على الاقل فان احد اسبابها هي البطالة، وبالتالي فان العراق بحاجة الى تحديد خطة واضحة المعالم في علاج مشاكله الاقتصادية، والا فان هذا الترقيع لايُنجز شيئا.
10-العدالة الانتقالية في العراق بحاجة الى خارطة طريق واضحة المعالم، فينبغي تحديد المجرمين الذين ساهموا في اضطهاد العراقيين وايصال البلد الى ماهو عليه من دمار وضياع وينبغي عدم المجاملة والمساومة على دماء العراقيين، فالمجاملة مع البعثيين هي التي اوصلتنا الى الارهاب والى الاستخفاف بالدماء العراقية، فلم يكفي البعثيين كل دماء العراقيين التي سالت في الفترة الماضية، فعمدوا الى الدخول مع القاعدة واوغلوا في سفك الدماء العراقية اكثر واكثر، والسبب في ذلك يعود الى ان اجراءات العدالة الانتقالية بحق هؤلاء لم تكن تتناسب مع جرم هؤلاء، بل على العكس فان الكثير من هؤلاء استلموا القيادة الامنية في العراق والبعض الاخر تصلهم رواتبهم التقاعدية وهم يُقيمون في بعض دول الجوار، في حين ان الكثير من الضحايا لم يحصلوا على شيء حتى اللحظة !! هذه الاجراءات هي التي تدعو الناس الى عدم التعاون مع الدولة واجهزتها الامنية، لأن الامن والعملية الامنية عملية اجتماعية، ومالم يحس الانسان بالعدالة وان هذه الدولة دولته سوف لن يتعاون مع اجهزة هذه الدولة.
من وجهة نظري ان اول اولوية في العراق ينبغي ان تبدأ اولا بتبديل الوثائق العراقية بوثائق تعتمد المعلوماتية وقاعدة البيانات المركزية لكي يتم تحديد اعداد العراقيين في كل محافظة، فعن طريق هذه القاعدة سيتم معرفة كل شيء، فمثلا سيتم تحديد عدد الذين يعملون والذين لايعملون، وعلى ضوء ذلك يتم توزيع الثروة بعدالة على الناس، وعلى ضوء هذه القاعدة – قاعدة البيانات – سيتم وضع خطط الوزارات والمؤسسات الاخرى، فمثلا يتم معرفة اعداد الاطفال الذين سيبلغون ست سنوات في المحافظة س في العام القادم وعلى ضوء ذلك سنعرف كم مدرسة ابتدائية تحتاجها هذه المحافظة لكي نبني هذه المدارس، وعلى ضوء قاعدة البيانات نعرف كم مستشفى تحتاج هذه المدينة او تلك، وهذا الامر ينطبق على جميع الوزارات والمؤسسات بما فيها الحالة الامنية، فالوثائق التي تعتمد المعلوماتية تساعد في كشف هويات المجرمين وحصر اماكنهم وتصبح عملية متابعة المجرمين والقاء القبض عليهم سريعة، وايضا تصبح عملية التزوير عملية مستبعدة الى الكثير الكثير مما نستطيع ان نُنجز بهذه القاعدة قاعدة البيانات.
الامر الاخر هو وضع الرجل المناسب في المكان المناسب وينبغي اجراء عملية تقييم واعادة النظر بكل الاشخاص والمسؤوليات – سيما الوظائف المهمة -  الموكلة لهؤلاء في الدولة العراقية، فهناك الكثير من الاميين او غير المتخصصين الذين يديرون مفاصل مهمة في الدولة العراقية، وينبغي التخلص من هؤلاء باسرع وقت، لان بقاء هؤلاء في وظائفهم يعني ان تسوء الحالة اكثر واكثر ومن ثم فقدان العراق باسره.
بعد ذلك ينبغي وضع خطة تنمية واضحة المعالم لحل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية في البلد، بما فيها وضع خطة لمكافحة الفساد بكل اشكاله دون اي مجاملة مع اي طرف كان.   
الحديث في هذا المجال يطول ويطول، لكن قضية العراق بحاجة الى حسم ولايمكن التهاون الى مالانهاية مع مايحدث من قتل وتفجير وانتهاك للدم العراقي.
 على الساسة العراقيين ان يحسموا امرهم، اما مع العراق او ضد العراق، نحن بحاجة الى افعال، فما عادت التصريحات الاعلامية والمجاملة وغيرها من اساليب كافية او نافعة او مجدية، ومن يفعل هذا الامر يعني انه يقف بالضد مع المصلحة العراقية، ولامكان للمتهاونين والمساومين على الدم العراقي.

 

 

Share |