لعراق وظاهرة الادارة بالوكالة-علي البصري

Thu, 15 Mar 2012 الساعة : 13:49

وانا اقلّب المواقع زرت كعادتي موقع مؤسسة السجناء، فقد تعوّدت ان اطلع على اغلب المواقع سيما العراقية منها والحكومية على وجه الخصوص، وفي هذه المرّة تفاجأت بتغيير رئيس مؤسسة السجناء.
الحقيقة لم يفاجأني التغيير بقدر ما فاجأني شخص رئيس المؤسسة الجديد، فالرئيس الجديد هو صفاء الدين الصافي وزير الدولة لشؤون مجلس النواب، وكما نعلم فان وظيفة الرجل مُضنية وتحتاج الى وقت وجهد كبير، فوظيفته تقتضي نقل وجهات نظر الطرفين، اقصد وجهات النظر والقوانين ومقترحاتها بين البرلمان والحكومة، وهذه العملية عملية مُضنية ومُتعبة وبالتالي كيف يمكن ان يُضاف الى الرجل مسؤولية اخرى هي مسؤولية ادارة مؤسسة السجناء والتي هي الاخرى مسؤولية مُضنية ومُتعبة، وملف مؤسسة السجناء يعاني من مشاكل كثيرة ومزمنة.
قبل حوالي اسبوعين وكما اذكر وعلى قناة افاق شاهدت جزءا من مقابلة مع مدير مؤسسة السجناء السابق    – بالوكالة - ووزير الشباب والرياضة جاسم محمد جعفر، ومما جاء في اللقاء ان ميزانية مؤسسة السجناء لعام 2011 كان بحدود 160 مليار دينار – حسب مااتذكر – ولم يُصرف من المبلغ سوى 20 مليار خلال نفس العام، اي ان الموازنة لم يُصرف منها سوى 12.5% . هذا الاداء المتدني جعل مدير الجلسة يسأل سيادة الوزير عن هذا الاداء المتدني والغريب جدا، فكان جواب الوزير في ان اللجنة القانونية في مؤسسة السجناء متشددة قليلا في عملية الصرف والموافقة على الصرف، فعلّق مدير الجلسة قائلا، الا يدلّ هذا على ان هناك مؤشرا على سوء ادارة ما، فاجاب الوزير بانّ الانجاز في وزارته وزارة الشباب والرياضة كان جيدا وهذا دليل على عدم وجود تقصير، الا ان السبب يعود الى التشدد والحساسية الزائدة عند اللجنة القانونية في مؤسسة السجناء وقد قلنا لهم ذلك. هذا الحديث يبعث على الاسى والالم، بل والمرارة، وكأننا نعيش في العصور الوسطى او ماقبل ذلك، فحتى في العصور الوسطى لايوجد حديث بهذا المستوى المتدني، فعلى من يُريد ان يضحك هذا الوزير بحديثه هذا؟؟!! واين هي الحكومة عن هذا الاداء المتدني ولماذا لحد هذه اللحظة هناك الالاف بل ربما اكثر من ذلك من السجناء اللذين ينتظرون حسم معاملاتهم التي قُدمت قبل اكثر من ست سنوات؟؟!! بأي منطق يتحدث هؤلاء؟؟!! ايُّ حكومة وايُّ احزاب وايُّ تحالف وائتلاف هذا الذي لم يستطع منذ تسعة سنوات من ان يُرجع الى قاعدته الانتخابية ولو جزء يسيرا من حقوقهم ؟؟؟!!
مايثير الاستغراب هو الادارة بالوكالة، فمدير مؤسسة الشهداء مدير بالوكالة، ومدير مؤسسة السجناء مدير بالوكالة ومدير هيئة الارسال والبث بالوكالة ووو...  وكل شيء مدير او رئيس بالوكالة ولديه اكثر من منصب ومسؤولية.....
من حق المرء ان يتساءل هل العراق بلد خالي من الكفاءات حتى يُعطى لكل شخص اكثر من منصب؟؟؟!! اليست هذه الامور كانت من الامور التي نؤاخذ النظام السابق عليها؟؟؟!! ثم اليس هذا الاداء المتدني للبعض ومنهم رئيس مؤسسة السجناء الجديد والذي اثبت فشله في اكثر من مسؤولية، ومنها وزارة التجارة والتي اثبت فيها الصافي فشله الذريع حتى ان مفردات البطاقة التموينية لم يتبقى منها على عهده سوى الطحين الرديء !!!! ماذا تريد ان توصل لنا الحكومة من رسالة بعملها هذا سوى رسالة اليأس والاحباط واستمرار الفساد وتضييع الحقوق.
اليوم بفضل هذه النماذج التي تدير مؤسسات العراق سيما المؤسسات المهمة والتي تُعنى بانصاف واعادة حقوق المضطهدين والمعذبين تحدث عملية تزوير خطيرة، فالمجرم يُصبح من ذوي الضحايا في حين ان المضطهدين لازالوا حتى اللحظة لم يحصلوا على شيءمن حقوقهم، بل البعض لايديري اين رفات ابيه او اخيه الشهيد. هذا التردي في الحالة العراقية بصورة عامة مردّه الى الاسباب التالية :
1-الاشخاص اللذين توكل لهم المسؤوليات ليسوا من ذوي الشهادات وهناك الكثير من الاشخاص الذين يحتلون وظائف كبيرة لايحملون شهادات او ان شهاداتهم مزورة، وهناك اليوم مشروع قانون ينتظر في مجلس النواب -عليه مساومات سياسية- من اجل اصدار عفو عن مزوري الشهادات. بطبيعة الحال فان اشخاصا وبهذا المستوى لايستطيعون ان يُديروا مؤسساتهم وبالتالي من الطبيعي ان يكون الاداء متدنيا وبهذه الصورة.
2-الاشخاص اللذين توكل لهم المسؤوليات ليسوا من ذوي التخصص، حتى ان وظيفة مستشار اصبحت من اسهل الوظائف في العراق، وبالتالي من الطبيعي ان يكون الاداء متدنيا وغير جيد، او ليس بالمستوى المطلوب.
3-عملية اختيار المسؤولين تخضع لاساليب لاعلاقة لها بالكفاءة والنزاهة والاختبار وسواها من اساليب مهنية وعلمية، وهذه ظاهرة عامة تعاني منها الدولة العراقية، بل لعلها الافة الخطيرة التي تعاني منها الدولة العراقية.
4-الادارة بالوكالة يساعد على التهرب من المسؤولية اذا ما حدث تقصير ما، بل لا يؤدي هذا الاسلوب الى القيام بالمسؤولية بصورة جيدة سيما اذا كان القائم بالادارة لديه مسؤوليات اخرى.
5-المؤسسات العراقية بطبيعتها مؤسسات غير منتجة، لايتم فيها عملية تقييم الاداء، وحساب المنفعة وتحديد الخلل وتصحيح الخلل، ولو قيست انتاجية الموظف او العامل العراقي لأتضح مدى تدني انتاجية الفرد العراقي.
6-التسيّب الاداري وكثرة الاجازات التي يتمتع بها الفرد العراقي، بحيث ان ايام العمل في السنة في العراق تعد الادنى من بين دول العالم، وحتى ساعات العمل هي الاقل، فالدوام الرسمي في العراق يبدأ من الساعة التاسعة صباحا وينتهي في احسن الاحوال الساعة الثانية ظهرا، وبالتالي كيف يتم انجاز المعاملات.
7- الجهاز الاداري العراقي لازال يتبع الاساليب الادارية القديمة والتي تتسم بالروتين الاداري المُكلف والممل، ولازال العراق لايعتمد الاساليب الحديثة المتمثلة بالاساليب المعلوماتية والتي تعتمد قاعدة بيانات مركزية، والتي تسهل العمل وتقلل الزمن والكلفة.
8-عدم استخدام الوثائق الالكترونية واستخدام قاعدة بيانات مركزية ادى الى حدوث تجاوزات كثيرة ومختلفة بحيث ان الكثير من الناس يستلم رواتب ومساعدات من اكثر من جهة، حتى ان الارهابيين استغلوا هذا الامر وزوّروا وثائقهم، وخرج قسم من هؤلاء من السجن بهذه الطريقة.
9-الجهاز الاداري العراقي جهاز مترهل ويعاني من الكثير من المشاكل والامراض وهو بحاجة الى اعادة النظر به كليا. هناك بطالة مقنعة بالجهاز الاداري العراقي وهو بحاجة الى ترشيق، فانتاجية الفرد الواحد انتاجية متدنية جدا اذا ماقيست مع الدول الاخرى، ولعل الجهاز الاداري العراقي هو الاكبر عددا من بين دول المنطقة ان لم يكن على مستوى العالم، وهذا الجهاز الاداري يستنزف نسبة كبيرة من الموازنة العراقية تقدر بحوالي اكثر من 70% من موازنة العراق، والسبب في ذلك يعود الى ان السياسة الاقتصادية للبلد لازالت كسابق عهدها تحل مشكلة البطالة عن طريق التوظيف الحكومي. لو اُجريت عملية ترشيق للجهاز الاداري فان حوالي 60% من الجهاز الاداري الحالي هو فائض وزائد عن الحاجة.
10-لاتوجد هناك مؤسسات رقابية مهنية تقوم بدورها بصورة جيدة ومقبولة ولهذا فان الفساد مستشري في البلد بحيث ان العراق يحتل مراتب متدنية جدا – في ذيل القائمة اي ماقبل الاخير -  على المستوى العالمي طبقا لتصنيف مؤسسات رقابية دولية. هذا التدني في الاداء الرقابي ادى الى شيوع هذه الظاهرة – الفساد – وتفشيها لدى كافة قطاعات الشعب بحيث ادى الى تدميرالمنظومة القيمية للعراق، وهذا مالاحظه الكثير من الناس سواء المختصين ام غيرهم.
 اذا مااستمر التغاضي عن هذه الظاهرة فلا استبعد ان تتفكك الدولة العراقية.
11-حماية الاحزاب وبعض التشكيلات العشائرية للمفسدين والمتجاوزين، بحيث ان سطوة البعض ادى الى عدم محاسبة المقصرين وهذا هو الاخر بعث برسالة سلبية للناس الضعفاء وللمجتمع بصورة عامة، وستساهم مثل هذه الاشارات الى سوء الحالة اكثر واكثر.
12-نشوء تجار ومقاولين وجماعات جديدة من ذوي السوابق، حيث ان هؤلاء نشروا وساعدوا في نشر ثقافة جديدة من الغش والخداع والتظليل في الكثير من الميادين، وهناك الكثير من الشركات التي تمارس دور النصب والاحتيال والتحايل ونهب الثروة العامة، او تقوم بتنفيذ مشاريع غير جيدة.
13-هناك الكثير من المسؤولين الذين يشتركون بنسبة معينة مع تجار من زمن النظام السابق وهؤلاء التجار كانوا فيما سبق تربطهم علاقات مع اجهزة صدام الامنية والحزبية، لذا فان هؤلاء دخلوا الى اجهزة الدولة من خلال المسؤولين الجدد، ولعل الكثير من عمليات الخرق تمت من خلال هؤلاء.
14-المجتمع العراقي بعامته او بنخبه ساعد المسؤولين على التمادي في هذا الاداء المتدني نتيجة الثقافة السابقة المتمثلة بالخمول والتغاضي والاتكال وغض النظر وعدم الحظور الفاعل في الشارع، كالمظاهرات والمطالبات وسواها.
15-استغلال المسؤولين الجدد لطيبة العراقي او لعدم معرفة بعض ابناء المجتمع العراقي بحقوقه، وهذا ادى الى التمادي من بعض المسؤولين في عدم قيامهم بمسؤولياتهم وهي خدمة الناس.
16-لاتوجد هناك مؤسسات مجتمع مدني حقيقية وصادقة تطالب بحقوق المواطن، بل ربما كانت هناك مؤسسات استغلت المجتمع العراقي، وفي نفس السياق قلة المؤسسات الصحفية الصادقة التي تبحث عن الحقيقة والمصلحة العامة، فالمؤسسات الاعلامية انشغلت بالمهاترات السياسية وساهمت بدور سلبي بدل ان تكون السلطة الرابعة.
17-تسيس كل الملفات العراقية، فما من ملف عراقي الا ودخل المساومات السياسية مما اثر سلبا على كل الحياة العراقية.
18-الارهاب وموجة الارهاب ودخول دول المنطقة على الخط من حيث ممارسة كافة الضغوط لاضعاف العراق، وهذا الامر ادى الى انشغال الناس والمجتمع والدولة بالامور الامنية وترك باقي الامور، وهذه المشكلة استمرت لفترة طويلة.
19-المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية السابقة والتي ورثتها الدولة العراقية والمجتمع العراقي الحالي من النظام السابق، والتي تحتاج الى جهود صادقة، والى فترة زمنية ليست بالقصيرة حتى يتم تجاوز هذه المشاكل والامراض.
20-القسوة والتجويع وبقية الامراض التي ورثها المجتمع العراقي انتجت فردا لايحسُّ بان هذه الدولة دولته، ولهذا فان المخلصين لهذا البلد وللاسف الشديد اصبح قليلا.
20مجلس نواب لايقوم بدوره، فالاحزاب التي تدير العملية السياسية تتقاسم الدور في مجلس النواب وفي السلطة التنفيذية، وبالتالي لايمكن محاسبة احد، لان هذا الحزب يقول للحزب الاخر غض النظر عن جماعتي وساغض النظر عن جماعتك، والخلاف بين الاحزاب هو خلاف تقسيم وليس بخلاف مباديء وحقوق.
21عملية التعيين في العراق خضعت لعملية غريبة جدا، اُعبرُ عنها دائما بانها عملية جاهلية بكل ما للكلمة من معنى، لأن المسؤولين الجدد قاموا بتعيين اقاربهم في افضل المواقع حتى وان لم يكونوا مؤهلين وحتى ان كانوا يرتبطون بالنظام السابق، فهناك اليوم قيادات بعثية على راس السلطة الامنية في اغلب المحافظات العراقية بما فيها بغداد، لكنّ الاحزاب الاسلامية لم تشرح لنا التخريجة الشرعية والفقهية في هذا الامر، رغم ان مثل هذه الاصطلاحات اصبحت امرا لايعني شيئا بالنسبة لهم، حتى ان احد الزملاء قال لي ذات مرة بان هذه الجماعات قد تجاوزت مرحلة الحلال والحرام.
22-المرجعيات الدينية لم تقف موقفا حازما من هؤلاء المسؤولين المفسدين، حيث ان كل المواقف الحالية مواقف خجولة وفي احسن الاحوال توجه انتقاد عام لايؤثر في هؤلاء ولايخيفهم، في حين ان مرجعياتنا الدينية دائمة الطلب من الناس، بل وتصدر احيانا فتاوى تحرم الخروج ضد هؤلاء، مما ادى الى تمادي هؤلاء المسؤولين في الاساءة للمجتمع العراقي والفرد العراقي. ان مثل هؤلاء المفسدين بحاجة الى حزم والى وقفة شجاعة، فمجرد وقفة بسيطة حول السيارات المصفحة انسحب هؤلاء واخذوا يتبارون في التصريحات في انهم رفضوا التصويت على هذه السيارات، وهذه القضية اثبتت مدى رخص هؤلاء الجماعات وعدم حيائهم، وانهم لايحترمون شيئا، بل هم يخافون من اي وقفة شجاعة.
23-"ديمقراطية" العراق ديمقراطية منفتحة بحيث لاتحدّها حدود، انها فوضوية من اجل اغراض اخرى ستتضح الغاية منها وستكشفها السنوات القادمة، بالرغم من ان بعضها قد اتضح ان الغاية منها هو عدم انتاج دولة يسودها القانون، قوية باحترامها وتطبيقها للقانون.
هناك اسباب عديدة وكثيرة تحتاج الى الكثير من الوقت والجهد لكي يتم بحثها وادراجها.
اسناد ادارة مؤسسة السجناء السياسيين وبهذه الصورة رسالة سلبية للسجناء السياسيين وللمظطهدين وللمجتمع العراقي ولنخبته ومثقفيه.
 سيبقى المواطن العراقي يعاني ويعاني مادامت هناك طبقة سياسية بهذا المستوى الرديء واللامسؤول.

Share |