اتباع الكوارتز-عقيل عبد الجواد-الناصرية

Thu, 15 Mar 2012 الساعة : 10:07

نزل اخي فجرا ً الساعة الخامسة إلا ربع تقريبا ً ; فتح باب المنزل الخشبي متجها ً نحو الصحيات ... في الاثناء قامت فتاة – بعمر اثنا عشرة سنة – بفتح الباب الخارجي بعد ان عالجت عتلته السفلى , فدخلت واتجهت مباشرة ً نحو الباب الثاني الذي كان قد ابقاه مواربا ً ودخلت ....
رفعت امي رأسها فسلمت عليها الفتاة " اشلوﻧﭻ خالة " واتجهت نحو الغرفة الخلفية , ذهبت امي وراءها وسألتها ما اسمك ؟ ... زينب...
قالت امي مستغربة " شو طلتي بسرعة !! " بعد ان ظنتها زينب اخرى تعرفها . ثم قامت الفتاة بارتداء " التراكسوت " الموجود في كيسها وانزلت مخدة وبطانية ونامت .
وبعد ساعة تقريبا ً جاءتها اختي وايقظتها وحدثتها .. فقالت لها عندي فتاة بعمرك فقامت زينب بتقديم ثوبها : خذي هذا الثوب لها ..
ثم قالت ان والدتي متوفية وابي واختي الكبيرة المتزوجة وبقية اخواني يضربونني . ثم قامت باستخراج عدة اشياء من كيسها منها " شيرة " قائلة ً ان اختي لم تستعملها . فاجابتها اختي : ارجعي اغراضك ِ, ثم عادت الفتاة للنوم
وعند السابعة ايقظتها ابنة اختي التي بعمرها وذهبت للحمام لتغسل وجهها ويديها .. ثم افطرت .
نزلت ُبعدها فاخبرتني بنت اختي بما جرى وقالت انها الان ترتدي ثوبها وتعيد التراكسوت في الكيس .
وصفت بنت اختي والاخرين الموقف بأن " مخبلة دخلت للمنزل " وهي مفردة مؤلمة تعكس جهلنا وعدم تفهمنا , بحثت عن مفردة استخدمها لوصفها تكون اقل قسوة فلم اجد بعد عناء افضل من " تعبانة " وهي على اية حال اخف وطأة ...

اخذتها امي وبنت اختي قاصدتين جامع الأمام علي ع للمناداة باسمها فرآتا مجموعة كبيرة من الرجال تبحث عنها وشاهدتا والدها واخاها الذي كان يعمل في منزل مجاور مع عمه واخاها الضابط الذي كان مع رفاقه الاخرين من الشرطة مشغولون بالمنادات .
فرحوا جدا ً لرؤيتها عانقها اخوها الذي في المنزل مستقبلا ً لها بالصياح " اجت زينب "
شكر والدها والدتي .. وقال " خفنا ان يفخخها احدهم او يصير الها شي مو زين ...وزين اجتكم انتم ولا غيركم "
" بيت ابو علي ناس امينين " اضافت جارتهم ام زهراء .

يا لمأساة زينب..
التي تسمي زوجة ابيها والدتها إذ انها عندما وعت على الدنيا لم تشاهد غيرها , بعد ان عادت والدتها الايرانية الى موطنها اخذة ً اختها ومبقية لها .
وحتى عندما سافر والدها لايران مصطحبا ً لها لم يمر بوالدتها .
كان كثيرا ً ما يحصل ايام الثمانينات - عندما كانت عربات الخيول- منتشرة ان نشاهد حصانا ً فارا ً يجري في الشوارع كأنه وصل لقرار " ان يضرب الحمرة بالصفرة " ويفر من شقاءه وان نحو المجهول .. غير مهم فالمهم ان يفر من -اتباع – الذي قال " انا عطشان وانت عطشان فلن اشرب حتى تشرب " .
فهل هكذا قررت زينب ان تضرب الحمرة بالصفرة وتفر من شقاءها وان لبرهة وان نحو المجهول... يا لمأساتك يا زينب !!
لديها عائلة محبة - لكن لا يمنع من ان ابوها واختها واخوانها كانوا يقسون عليها - فنحن نعيش ببيئة لا تعرف كيف تعامل المختلفين ..الذين تقسوا عليهم الحياة ويحتاجون لحناننا لكننا نفشل ان نعطيه لهم بالقدر الكافي على الاقل
ما لفت انتباهي هو فرحة اخوتها ووالدها بها وكأنها كنز ٌ ضائع . حياتهم ليست كاملة فيها الم وصراع ومرارة لحالة بنتهم لكنهم مع ذلك يعيشون يومهم رغم النقص الموجود فيه ولم يحتجوا على الله او يندبوا حظهم . يسيرون وهم راضين تلك الخطوات التي رسمت لهم .
عند النظر لتفاصيل حياتنا نستشعر المأساة ولكن عند النظر الى مسيرة البشرية منذ الاف السنين ندرك ان الآم الحياة اليومية وضياع الامال وعدم الكمال هو الميزة لهذه المسيرة .
ان دنيانا ليست ساعة كوارتز تعمل بطاقة تنبعث من حجر بل هي ساعة ذاتية الحركة تعتمد على الانحراف والنقص كمحرك لها .
فهناك بقلبها دائرة غير مكتملة تحركها ابسط حركة بل بحركة النبض وما ان تتحرك لا تتوقف وتستمر لأنها تعتمد عدم التوازن والنقص ولو كانت كاملة لتوقفت ,هكذا حياتنا وهكذا يجب ان تكون ...

رايت فتاة فاعجبتني وتقدمت لها ..عشقتها , لكنها كانت نصف عاشقة .
ترضى بمن يرضاه لها اهلها – اتباع الكوارتز - وترفض من يرفضونه هي ليست من اتباع الكوارتز كأهلها .. لكنها لم تحسم امرها .
بعد فرحة اهل زينب بلقاءها استغربت معاناتي والمي ولم َ يتوجب علي ّ الشعور بالاسى هكذا مسيرتنا نحن البشر مليئة بالنقص والالم والخيبات كحالي معها – فتاتي - وحال اهل زينب مع دنياهم فهل امدد بسبب ٍ الى السماء لأنظر هل يُذهبن ّ كيدي ما اغيظ ..ام احتج على الله أم ادعوا ثبورا ام انهي الحياة .
ام افعل كما يفعل اهل زينب يعانقون هدايا ربهم الشوكية واضعينها على صدورهم من اجل ان تسير الحياة ويتكاملون مع مسيرة الالام الازلية منذ الاف السنين امما ً وافراد .
لقد صدق ماركس بتشخيصه ظلم الطبقات وهو ما تراه وتحسه جليا ً عند عمال المطاعم إذ ترى الكآبة عليهم واضحة اللهم – الا مسؤول الصالة فهو كئيب بدرجة اقل لكونه يمثل طبقة توسطت بينهما - بين اقرانه – العمال - وبين رئيس العمل – الطبقة العليا – الذي ياخذ الربح وهو جالس !!
واني لموقن ان ذلك هو ما حرك لديه نظريته لكنه اخطأ عندما اراد تحويل حياتنا لساعة كوارتز . كذلك يخطأ الافلاطونيين وكذلك المنظرين الاسلاميين .
وكذلك اخطأ اهل الفتاة التي خطبتها عندما ظنوا ان حياتهم يجب ان تكون ساعة كوارتز ..
رفضوني اتباع الكوارتز والحب للمطاعم والسيارات والمظاهر . يريدون الامور على مقاسهم لكن هيهات إذ لا بد ويظهر نقص ما في مكان ٍ ما في شيء ٍ ما ... لتتحول حياتهم الى ساعة اوتوماتيك كغيرهم
ما يريده – اتباع الكوارتز - مستحيل لذا تراهم دائما ً حذرين .. بخلاء .. كاذبين وماكرين
قالت لي .. " اخوتي لا زالوا في المدارس " في حين انهم مهندسين في دائرة ما فما حدى على هذا الحذر غير الحذر من اجل الحذر
سألت صديقي الموسوعي عن اخيه هل هو متزوج فابتسم وقال لي " هو كذلك ما دمت انت تراه كذلك " واتضح لاحقا ً انه متزوج !
الدنيا لم تصبح ساعة كوارتز لصدام ولبقية العوائل الرئاسية والملكية ولن تكون كذلك لا بالنسبة لهم او لسواهم .
لأن دنيانا مو ساعة كوارتز .

Share |