بيئات ذي قار المتفاوته-حسن علي خلف- الناصريه
Wed, 14 Mar 2012 الساعة : 9:09

ذي قار تميّز بيئي وعمق تاريخي :
بيئة البدو :-
المقدمة :
استوطن العرب القدماء في الحافات الغربية لنهر الفرات قبل مجيء الإسلام ، او بالمناطق الصحراوية التي تفصل جزيرة العرب عن نهر الفرات والتي تدعى بالبادية الغربية التي تمتد من الرطبة الى صفوان طولا . وهذه المجموعة من القبائل العربية ، تسعى وراء الماء والعشب ، وأحيانا تحتفر الابار لتستقر وتسمي ( الركايا ) الابار بأسمائها . والعربي ساكن الصحراء بطبيعته حر ، يأنف السيطرة على مقدراته ويترفع عن الخنوع . وكانوا يرون ان تخير بقاع الارض على الايام هو مدعاة للعز ويتسق مع تلك الأنفة ، فمن اجل ذلك كانوا يترفعون عن المدن والقرى ويحبذون البداوة ، و صارت سمتهم البداوة وديدنهم الارتحال لا يبتنون بيتا ثابتا بل يهيمون حيث عنَّ وطاب لهم ، بيوتهم على ظهور مطاياهم ( إبلهم ) ينصبونها حيث اقاموا معتمدين على ماشيتهم يغذونها بما انبتت الارض من عشب طبيعي ، ويتغذون بلحومها والبانها ويبيعون ما فاض لديهم منها ، ومن صوفها وشعرها ووبرها لسد ما بقي من احتياجاتهم والتي هي عادة ما تكون بسيطة لا تتعدى على الملبس او اكتساب درهم يستعينون به عند الحاجة . وجدير بالذكر ان العرب جميعهم من بدو وحضر من اصل واحد يقطنون بلاد واحدة هي شبه جزيرة العرب والواقعة بين الخليج وبحر عمان والاقيانوس الهندي والبحر الاحمر متصلة براً بسوريا والعراق . ( والتي هي الان السعودية ودول الخليج واليمن ) . فالحضر يقطنون السواحل من الجزيرة واخصب تلك السواحل هي تهامة وحضرموت وبعض سواحل اليمن والحجاز ، والاراضي المرتفعة المروية بماء المطر ، مثل هضاب نجد واليمامة والجبال الممتدة من حائل متخللة قسما كبيرا من بلاد الحجاز واليمن وتهامة، ولهم ايضا بعض البلدان في السهول . اما البدو فاكثر سكانهم في السهول ، يراقبون سير الفصول ، فاذا اشتد بهم الحر طلبوا الأنهر ومجاري المياه والأراضي النضرة ، واذا ذهب القيظ ونزل الغيث وارتوت الأرض وانبتت ربيعها ، توغلوا في القفار مستصحبين ماشيتهم وبيوتهم ، وهم في كلا الحالتين لا ينقطعون عن الاتصال بالحضر لبيع ما يفيض لديهم وشراء ما يحتاجون إليه من مأكول وملبوس . ولم يكن هنالك من فرق في اللغة والعادات والديانة بين البدو والحضر ،
البدو في الجاهلية :-
كان البدوا في الجاهلية يؤلفون الاكثرية الساحقة في الجزيرة . ولما جاء الاسلام كانت اغلب الجيوش الفاتحة من رجالات البدو ، وهنالك بعض الفروق بين سكنة البوادي وبين سكان البلاد والقرى وخاصة في الاجسام والحواس الظاهرة والباطنة والصور والاخلاق والقوة والضعف ولهجة اللسان وسماحة اليد والجرأة والشجاعة وغير ذلك مما يطول ذكرة . حيث ان اهل البدو اقرب للشجاعة والكرم من اهل الحضر ، والبدوي لا يثق بغيره فهو دائما يحمل السلاح كثير التلفت قليل الهجوع وهو قطعا فوق الاقتاب (ظهور الابل) تستهويهم القفر والبيداء ، باسهم شديد ثقتهم بانفسهم عالية حتى صار لهم البأس خلقا والشجاعة سجية ، يرجعون اليها متى دعاهم داع او استفزهم صارخ . وان الصريح من النسب انما يوجد لاهل البادية من العرب ، وهم ابعد العرب عن سياسة الملك كونهم احرارا ورزقهم شحيح هو عبارة عن جود السماء على قلته . فهم ليسوا تجارا ولا صناعا ولا اطباء ولا حسّابا ولم يطلبوا المعاش من المكاييل والموازين ولم يحتملوا ذلا قط ، يتميزون ببلاغة المنطق وتثقيف اللغة وتصريف الكلام وحفظ النسب ، والاهتداء بالنجوم والاستدلال بالاثار والمعرفة بالخيل والسلاح ، وسرعة الحفظ لكل مسموع¬¬
العرب على حافات العراق :
اولا :- قبل الفتح الاسلامي :
سكنت العديد من القبائل على حافات العراق الغربية قبل الفتح الاسلامي ومن تلك القبائل قضاعة الذين سكنوا الحيرة بقيادة زعيمهم مالك بن نصر بن زهير . وبعد حروب مع ملك الفرس سابور الاول تركوا الحيرة ونزلوا مدينة الحضر . وهنالك ايضا قبائل قنص بن معد في الانبار واياد في الحيرة وعبد القيس في البطائح وبكر بن وائل على حافات البطائح وكانت معها عنزة وضبيعة وبنو النمر وغفيلة وبنو سدوس وعجل وشيبان وحنظلة . وكانت لبكر حروب مع الفرس ابرزها معركة ذي قار التي اتخذت مدينة الناصرية اسمها من تلك المعركة . وكذلك هنالك قبائل من مضر فيما كان على حافات الاهوار قبائل عامر بن صعصعة ، وسكنت الى جانبها بطون من كلب وحنظة وتميم الذين عرفوا ببني العم ،
ثانيا :- بعد الفتح الاسلامي :
حصد المسلمون انتصارات باهرة على الفرس في معارك ذات السلاسل والولجة والمذار والحني والجسر واكبر تلك المعارك القادسية التي تم بها فتح العراق وطرد الاجانب ، وتم تمصير البصرة سنة ( 14 هـ ) المصادف( 635 م ) وتمصير الكوفة ( 17 هـ ) المصادف ( 638 م ) وقد تدفقت قبائل كثيرة الى العراق الخصب من الجزيرة العربية قسم منها سكن في هاتين الحاضرتين والاخر سكن في المناطق المحاذية للفرات والبطائح من جانبها الغربي ومن تلك القبائل ازد شنوؤة – بنو الحندق حلف بني تميم – بنو العم – بنو النجار بطن من الخزرج – بنو الليث بطن من بكر بن وائل – بنو العنبر بطن من تميم – بنو عبس بطن من غطفان – بنو العتيك مع حي من مزيقاء – الاسلم من خزاعة – الحارث بطن من مذحج – الرباب من تميم – بنو بجيلة – باهلة من قيس عيلان – جذيمة من طيء – دارم من حنظلة تميم – كنانة – مزينة بطن من طابخة – مازن من تميم – مجاشع من تميم - نمي بطن من عامر بن صعصعة – سدوس من ذهل بن شيبان – بنو سليم بن منصور – بنو عامر – بنو عوفة بطن من عبد القيس – عقيل بن عامر بن صعصعة – عبد القيس الذين منهم الجارود – عطارد من تميم – بطون من بكر بن وائل – قضاعة من حمير – بنو رياح من يربوع – بنو ربيعة – بنو رفاعة – رقاش بن بكر بن وائل – راسب من القحطانية – شيبان بن عكابة – خزاعة – بني ذهل الصغرى – بنو غطفان . وقد اختلطت هذه الاقوام بالسكان الاصليين للبطائح ولمدن غرب الفرات من انباط وسومريين وبابليين وصابئة مندائية وتعايشت تجمعها تبادل المنفعة والتكافل الاجتماعي ، واستمرت هذه الحال في تغيير مستمر للخارطة القبلية طيلة العصرين الاموي والعباسي . فارتحلت اقوام وحلت اخرى غيرها ، وتجددت اسماء واضمحلت بطون . وحصلت فيها تمردات منها حركة القرامطة وثورة الزنج واستقلال عمران بن شاهين في البطائح الذي خلف سلالة دامت اكثر من مئة سنة . واستمر هذا الحال طيلة حكم الدولة العثمانية الذي سبقه تشكيل امارة المنتفق وزعيمها العتيد راشد بن محمد بن مغامس الذي تم اسقاط امارته على ايادي الوالي العثماني اياس باشا بحدود سنة 1546م ، وبذلك ولدت امارة المنتفق الاخرى بزعامة ال شبيب والتي استمرت الى حين تاسيس الناصرية سنة 1869م ، والتي كان عمادها بني الاجود والقبائل الملتحقة بها وبني سعيد والقبائل المتحالفة معها وبني مالك والقبائل المنتظمة تحت لوائها.
القبائل البدوية المحيطة بالناصرية بعد تاسيسها :-
ان الصحراء في العراق تتكون من ثلاث مناطق ، هي بادية الجزيرة وهذه تقع بين نهري دجلة والفرات وتتصل بسوريا والبادية الشمالية التي تنقسم الى قسمين : الاول غرب الرمادي وانتهاء بغرب كربلاء ، اما القسم الثاني من غرب كربلاء الى وادي الخناق واللصف والزكلاء وعين عطبة ، والقسم الثالث من الصحاري هو البادية الجنوبية التي تبدأ من الزكلاء الى صفوان وهي تحادد محافظة الديوانية والمثنى وذي قار والبصرة . وفي هذه المنطقة ( البادية الجنوبية ) تسكن عشيرة الضفير ابتداء من بصية الى صفوان وتمتار هذه القبيلة من المدن المصاقبة للصحراء . مثل بصية وسوق الشيوخ والخميسية والزبير والسلمان واحيانا السماوة .فيما تقطن القبائل الريفية على حافة نهر الفرات الغربي والتي يتشكل منها اتحاد قبائل المنتفق ، وهي ( مالك واجود وسعيد ) . وعلى وجه الخصوص فأن القبائل المحيطة بالناصرية تماما هي قبائل ال غزي والحسينات والشواليش والعصوم وال مارد والصبيخة وبعض قبائل الاجود في القسم الغربي من نهر الفرات . اما شمال المدينة فتقطنه قبائل ال مصطفى والبدور وقسم من الحسينات وقسم من ال ازيرق . وشمال شرق المدينة فكان لقبائل ال ازيرق وقسم من خفاجة وال نياز وبعض القبائل المتحالفة مع ال ازيرق . وفي الشرق فتسكن قبائل الحسينات والعساكرة والقبائل المتحالفة معها وقسم من عرب بني جعدة وقسم من الجوابر وقبائل ال ابراهيم . واللافت للنظر ان عملية توزيع الاراضي بموجب سندات الطابو في فترة تاسيس الناصرية ، وضعت معظم الاراضي بيد ال سعدون وبعض المتنفذين من سكان المدينة الجدد ، وحدث انقسام في ولاء العشائر بعد اعتقال ناصر باشا ووضعه تحت الاقامة الجبرية في الاستانة بين اتباع سعدون بن منصور وفالح بن ناصر . وكان يغذي هذا الانقسام بن رشيد امير حايل ، ومبارك الصباح شيخ الكويت والجانب العثماني الذي يتبع سياسة (فرق تسد ) فحدث اضطراب عظيم في المنتفق ، ولجأ سعدون باشا الى اعمال السلب والنهب والغزو ضد العشائر الموالية الى ابن عمه الشيخ فالح بن ناصر . فراحت الدولة العثمانية تحاول القضاء على هذا المتمرد ، وارسلت العديد من الحملات التاديبية ولكن دون جدوى ، بل تمكن سعدون باشا من القضاء على هذه الحملات وقتل قائدها في مدينة الشطرة . ولم يتمكن سعدون باشا وغيره من ال سعدون من اخضاع القبائل وتحويلها الى عبيد او فلاحين يستاجرون الاراضي من ملاك وهميين ، ومن جانب اخر ظلت العلاقة بين سكان الناصرية وباشوية بغداد غير مستقرة .
بيئة الاهوار :-
البيئة الاخرى التي تميز منطقة الناصرية عن محافظات العراق الاخرى الى جانب البيئة الصحراوية ، هي بيئة الاهوار المتكونه منذ تكوين السهل الرسوبي الذي نشأ بفعل ذوبان الزحافات الجليدية التي تغطي شمال العراق واوربا بل واغلب شمال الكرة الارضية . وسكن في هذه الاهوار اناس موغلون في القدم يعدون من طلائع الاستيطان الاولى في جنوب العراق سواء من ( عصر العبيد ) او العصور السومرية التي تلته ، والتجاء الاقوام السومرية الى الاهوار للاحتماء باحراشها من بطش الاقوام الغازية والتي قوضت سلالة اور الثالثة التي انشأها القائد ( اورنمو 2111- 2095ق - م ) حيث تم تدمير هذه السلالة من قبل العيلاميين القاطنين في هضبة عيلام شرق العراق والتي هي ( قسم من ايران اليوم ) . الى جانب هذه الاقوام هناك ( الاقوام المندائية ) او الصابئة ايضا كانوا يتعايشون مع سكان الاهوار وربما هم بقايا السومريين او الاكديين او البابايين . وان سومر التي حكمت العراق تعني فيما تعنيه ( سكان القصب ) أي سومريم وتعني ( سكان الاهوار ) فيما تعني كلمة اكديم ( سكان السهوب ) واختلط مع سكان الاهوار بقايا بعض الاقوام التي حكمت جنوب العراق ( الناصرية اليوم ) مثل الكوتيين والحيثيين واللولوبيين . وهذه اقوام غازية من خارج العراق واختلط ايضا مع سكان الاهوار قوم من الاخمينيين والساسانيين . وكانت هذه الاقوام تتعايش فيما بينها يجمعها روابط المصالح المشتركة ، الامنية والاقتصادية والاجتماعية واحيانا السياسية ، حيث غالبا ما يأوي المتمردون على السلطة الى هذه الاهوار . الى جانب هؤلاء السكان كان عرب عامر بن صعصعة يصاقبون هؤلاء السكان ويختلطون معهم . وبعد الفتح الاسلامي ازداد النفوذ العربي بمناطق الاهوار وطغى على حياة السكان الاصليين واصبح العنصر العربي هو السائد بلغته ودينه وطقوسه الى يومنا هذا . والاقوام الموجودة سابقا والتي اشرنا اليها ذابت ضمن هذا الوجود الجديد او تحالفت معه للحماية . فنقلت الاقوام العربية الوافدة الى الاهوار عاداتها وتقاليدها وحاولت فرضها على السكان الاصليين ولكن ذلك لم يدم طويلا ، حيث تخلق الكل بعادات وتقاليد السكان الاصليين الا اللغة والدين ، فكانت تمارس طقوسه بشكل يقترب من ممارسة سكان البراري والصحاري له . وان بيئة الاهوار بسيطة جدا من حيث المعاش وكسب الرزق والعمل والصناعات والممارسات الحياتية اليومية . فلم يكن هنالك تعقيد لا في الطقوس ولا في العلاقات الاجتماعية المبني اغلبها على صلة القرابة او العصبة للقبيلة والولاء للشيخ او للتجمع العشائري او للحي . فيما كان سكان المدينة بعد تاسيسها قليلي الاختلاط مع هذا المجتمع او المجتمع الصحراوي ولكنه بتقادم الايام ازداد واتسع ليشمل جميع مناحي الحياة وخاصة بعد دخول الانكليز وتهدم السور المحيط بالناصرية سنة 1926 م ، سنة لوعة .