سياسيون يحلمون بالوصاية الأمريكية-حسين الدبوس
Mon, 30 May 2011 الساعة : 23:21

عتبنا كبير على – رب - الرئيس الأمريكي بوش الابن حين زاره هذا الإله في البيت الأبيض – كما ادعى – حيث نصحه إن يذهب إلى العراق , لم يجن العراقيون من هذه النصيحة خيراً سوى إسقاط نظام صدام وجلبت لهم - بعض - من السياسيين الذين أضحوا امهر اللصوص , مئات المقابر الجماعية وآلاف أحكام الإعدام والتهجير والقتل إبان النظام السابق بمجموعها لا تساوي ما تحصل من تلك النصيحة من قتل وتشرد للعراقيين منذ دخول الاحتلال حتى يومنا هذا , مع اختلاف الأسباب التي أدت إلى تلك الجرائم , من إرهاب وقتل على يد القوات المحتلة والمجاميع الإرهابية وغيرها من الأسباب .
من المؤكد أن رب الرئيس بوش الابن لم تتولد لديه فكرة احتلال العراق في ساعة الزيارة أو حتى قبيل سنة منها , لقد أكد لنا التاريخ أن آلهة النفط لها رأى وخطط مستقبلية قد تصل إلى أكثر من خمسين سنة , كان ومازال العراق على جدول إعمال تلك الإلهة , بعد إن تم توقيع الاتفاقية الأمنية واقتراب موعد الانسحاب الكامل تثار اليوم إشكالية الفراغ الأمني في العراق بعد الانسحاب والمخاوف من دول الجوار التي لطالما تقاطر لعابها على استحواذ خيرات العراق ومنها كما يطبل البعض الجارة إيران .
اليوم تروج الكتل السياسية الموقعة على الاتفاقية الأمنية بضرورة إبقاء جزء من القوات الأمريكية في العراق , وذلك تحسباً لما سيحدث مع هشاشة الوضع الأمني العراقي , كما أضافوا إن القوات الأمنية ليست بمستوى من الجاهزية يؤهلها لمسك الأمن داخل العراق فضلا عن ضعفها أمام أي تعرض خارجي , وبذا صرح رئيس أركان الجيش العراقي السيد بابكر زيباري أن القوات العراقية من الممكن إن تكتمل جاهزيتها في عام 2020 والحال لو سلطنا الضوء على واقع القوات الأمنية في العراق لوجدنا أن السيد زيباري لم يكذب , أن من المسلمات في وزارتي الدفاع والداخلية إن المناصب العليا تتبع للمحاصصة السياسية وما دونها من مناصب تعلن في المزاد العلني وقاعدتها من يدفع أكثر يحصل على منصب أعلى , وأيضا ليس بخافٍ الفساد الذي رافق عملية تجهيز القوات الأمنية بالمعدات والأسلحة , مع تفاقم وانتشار ظاهرة تعاطي الحبوب المخدرة داخل المؤسسات الأمنية الذي بات يهددها بالانهيار, فضلا عن الرشوة بجميع إشكالها نتج من كل ذلك وحدات عسكرية شبة فارغة بعد إن يدفع الجنود رواتبهم لأمريهم ليسمح لهم بأداء خدمة حماية الوطن في الحديقة الخلفية , وبلاء الحكومات المتعاقبة التي لا هم لها سوى النهب والسلب والتسابق بين مسؤوليها – سوى البعض - على من يملك أكثر من ملاين الدولارات المنهوبة من الشعب , وغياب الحس الوطني في اغلب مؤسسات الدولة , وزد على ذلك كله الإرادة الأمريكية المصرة على إبقاء الجيش العراقي ضعيف , واذكر حادثة حدثت معي عندما صادف وجودي في مدينة كوانزو في الصين وروى لي احد التجار وهو عراقي يحمل الجنسية التركية قال انه قد عرض علية تجهيز أحذية عسكرية – بسطال – للجيش العراقي بعدد مائتان وخمسون ألف حيث كان سعر أفضل حذاء عسكري في الصين هو ثلاثة عشر دولار- للزوج - بينما كان سعر الحذاء في تندر المناقصة هو مائة وخمسون دولار و أن أجرينا عملية حسابية بسيطة لتبين لنا أن فارق المبلغ أكثر من ثلاثون مليون دولار فقط في صفقة أحذية عسكرية !!؟ هذه الأسباب التي ذكرناها فضلا عن التي لم نذكرها , تحتم على السيد بابكر زيباري أن يعيد حساباته وان يضيف الرقم صفر لسنة 2020 التي ادعى تمام جاهزية قواتنا المسلحة فيها لتصبح 20200 حقيقةً هو عذر أقبح من ذنب .
لربه قائل يقول اذا كنا نعترف بعدم جاهزية القوات الأمنية العراقية مع إتمام انسحاب القوات الأمريكية فمن يحمينا من دول الجوار وتحديداً الجارة إيران – باعتبارها المهدد الوحيد كما يدعون – فليس بخبر جديد حينما نعلم إن المشهد السياسي القائم جاءت بتوافق إيراني - أمريكي وليس بالاكتشاف العظيم أن نكتشف إن لإيران نفوذ كبير في العراق ويد تحرك بعض الكتل السياسية , والحقيقة ان هناك أياد أخرى مثل السعودية والتركية والسورية والأردنية وحتى كويتية وغيرها بها أصبح العراق مرتعً لأجهزة المخابرات العالمية والإقليمية , حتى استطالت كل تلك الأياد الخارجية على عورة العراق ,على الرغم من وجود عشرات القواعد وآلاف الجنود وملايين قطع السلاح الأمريكي , اذاً ما الذي ستفعله بضعة قواعد وعدد من ألاف من الجنود بعد الانسحاب ؟؟ اليوم بعد أن اغتصبت الباكر وحبلت من الزاني وحان وقت وضع المولود نبحث عن عقد شرعي بين الزاني والمغتصبة كي يقال عن المولود انه ولد شرعي أهذا حلنا !!؟
والسؤال هنا أن كانت تلك القوات الجبارة لم تدفع المحذور – التدخل الخارجي - فما هي الغاية من المطالبة بإبقاء جزء من تلك القوات الأمريكية ؟ , لا جواب سوى لحماية شركات واستثمارات النفط و حماية المشروع السياسي الموالي لها , كي يضمن – الأمريكان - تربعهم على أخر بقعة تنتج النفط في المستقبل , وكذا حماية الكتل السياسية والموالية لهم والتي سوف تضمن لهم بقاء نظام سياسي موالي لهم كأنظمة دول الخليج.
في قراءة للحركات التحررية في الوطن العربي يتضح لنا أن حتى أعتى أجهزة المخابرات العالمية لم تستطع أن تتنبأ بساعة الصفر لثورة الجماهير المظلومة , تلك تونس ومصر خير شاهد , فلو كان للقوات الأمريكية تواجد رسمي وفق اتفاقيات دولية مع تلك الدولتين لشاهدنا الدور الذي من الممكن إن تلعبه تلك القوات باسم مكافحة الإرهاب , لكن بعد انفلات زمام الأمور من قبضتها اختارت أن تركب الموجة وتدعي نصرتها للشعوب , حقيقةٍ ثابتة أن أمريكا تتبع مصالحها ليس آلا فهي أذما تصادمت الديمقراطية وحرية الشعوب مع مصالحها تقدم الأخيرة بلا شك , السيدة كلنتون وزيرة الخارجية الأمريكية تقول أن كل شبر في العالم هو منطقة مصالح لأمريكا ويحق لها إن تتدخل لحماية مصالحها متى شاءت.
إن قواعد اللعبة السياسية في العالم اليوم تؤكد على أن من يسيطر على محركات الاقتصاد هو نفسه المسيطر على السياسة والنفوذ في العالم , كانت وما تزال أمريكا تلعب دور – رجل البوليس الغير مؤدب في العالم – فهي الحامي والمدافع القوي عن الغرب واليابان وباقي الدول إزاء العملاق السوفيتي آنذاك , بيد أن الحال تغير فبعد انهيار ذلك العملاق وانحسار الخطر بدأ زمام السيطرة على الغرب يفلت من يد الولايات المتحد الأمريكية , مع تزايد حجم العجز في ميزانيتها وبالمقابل تضخم التنين الصيني في العالم وتوسع نفوذه , كان لابد للولايات المتحدة إجراء حركة تعيد كفة التوازن لصالحها , فالغرب وباقي الدول بحاجة اليوم إلى المحركات الدافعة للاقتصاد أكثر من الحماية , لذا شرعت بوضع خطة للسيطرة الفعلية على منابع النفط , كي يبقى الجميع تحت الراعية الكبيرة أميركا .
أن المراهنين على الشعب العراقي لا محال سيخسرون الرهان , حيث ان العراق بتركيبته المعقدة وتعد الأيدلوجيات والطوائف والملل فيه لا يمكن السيطرة عليه من الخارج حتى مع حكومة موالية له فالشعب العراقي لا يشبه الشعوب الخليجية لا من قريب ولا من بعيد , مما دفع الولايات المتحدة الأمريكية لان تخلق عراق ضعيف يكون في دائم الحاجة لها , بعد ثماني سنوات من الاحتلال مازالت تثير النعرات الطائفية والأثنية بالعراق بدأً من مجلس الحكم وحتى اليوم بإرساء ما يسمى بالعرف الدستوري , الرئيس كردي ورئيس الوزراء شيعي ورئيس البرلمان سني , لذا كان لابد من وجود دائم لقواتها كي تسير الأمور وفق ما خطط له .
أن الكتل السياسية التي تحاول اليوم أن تبرر للشعب بقاء جزء من القوات الأمريكية , حفاظا على وحدة وامن العراق , هي بالحقيقة تحاول حماية نفسها من الشعب العراقي بعد خروج تلك القوات وانسحابها وهي عاقدة الأمل على خدماتها طوال تلك السنين في إن ترد أمريكا الجميل لها .
لطالما قدم التاريخ لنا شواهداً على المصير الذي يلقاه كل من خان بلده , واذكر الكتل السياسية بواقعة رئيس الوزراء العراقي السابق نوري باشا السعيد عندما ثار الشعب عليه وهرب إلى بيت السيد الاستربادي في الكاظمية وهو يرتدي بجامة النوم وعندما هم بالخروج من بيت الاستربادي للقاء احد موظفي السفارة البريطانية كي يوفر له الحماية أشاروا علية بلبس البرقع وعباءة النساء حتى لا يكشف أمره , وبعد ان خرج متنكراً بزي النساء افتضح أمره وقتل ولم يستطع البريطانيون إنقاذه بل حتى جثته بعد أن دفنت نبشتها الجماهير الغاضبة وأحرقتها إمام السفارة المصرية , كان نوري سعيد خير خادم للاستعمار طوال ترأسه أربعة عشر وزارة من سنة 1932 حتى سنة 1958 فأين انتم من مصير نوري سعيد فاعتبروا ولا تغتروا أن كنتم تعلمون.