السياسة وحذف أصفار العملة-د.عبدالرضا حسن سعود
Wed, 7 Mar 2012 الساعة : 16:06

المتتبع لوضع العراق لما بعد 2003 يجد أن السياسة أصبحت تدخل في كل شيء ، فلم تعد هناك مسلمات ونظريات علمية ثابتة . نظرية فيثاغروس لم تعد تعمل وأصبح مربع الوتر لايساوي مربعي الضلعين الآخرين أذا لم تتوافق جميع الكتل على ذلك وقاعدة ارخميدس للأجسام الطافية هي الأخرى بحاجة إلى توافق ، كل شيء قابل للنقاش ويشترط به التوافق وهذا التوافق أن حدث فلن يعمر طويلا سرعان ماينهار وتبدأ رحلة توافق جديدة . أسوق هذه المقدمة لموضوع اخذ يظهر في الإعلام وتعقد له الندوات بغرض الترويج له رغم انه موضوع علمي ويترك لذوي الاختصاص ولكن يبدو أن تبنيه من كتلة متنفذة جعل علماء الاقتصاد في البلد يطبلون له كما يفعل بعض رجال الدين لتبرير أفعال الحكام ويجعلوها تنسجم مع الشريعة السمحاء ويسوقون لك ألف حديث وحادثة ويلوّن أعناق النصوص ويطوعوها لما يشتهيه الحاكم .
موضوع حذف ثلاثة أصفار من العملة العراقية ليصبح الإلف دينار عبارة عن دينار واحد يسّوق له نائب محافظ البنك المركزي بأنه المنقذ للاقتصاد العراقي ، فمن خلاله ستنخفض نسبة التضخم بشكل كبير وسيسيطر البنك المركزي على الكتلة النقدية وستتحسن السياسة النقدية في البلد بشكل لايوصف وسيصبح هناك مناخ استثماري رائع يجعل المستثمرون الأجانب يثقون بشكل كبير بالعملة العراقية ومن ثم بالاقتصاد العراقي فضلا من منافع أخرى تتمثل بتخفيض كلفة العد والفرز وحفظ النقود في المصارف ويتيح للبنك المركزي إصدار عملات بفئة اكبر مثل مائة دينار والتي تعادل مائة ألف دينار من عملتنا الحالية فضلا عن عملات معدنية صغيرة .
والكلام جميل ورائع لغير المختصين ، ولا اعتقد أن شخصا ذو معرفة واطلاع بسيط بالسياسة النقدية يوافق على مثل هذا الكلام غير العلمي والذي لايصمد مطلقا أذا ما اخضع للنقاش والمحاججة العلمية.
فقبل أن أرد على كلام نائب محافظ البنك المركزي لنأخذ تجارب العالم في هذا المجال ، اليابان هذا العملاق الصناعي يحافظ على سعر للين منخفض ( الدولار الواحد يعادل أكثر من 100 ين ) وعندما أقدمت تركيا على حذف الاصفار كانت مضطرة لذلك لان عملتها أصبحت منخفضة جدا حيث كانت قطعة الملابس الداخلية على سبيل المثال نشتريها بأكثر من 7 أو 8 مليون ليرة وهذه الحالة لم يصل إليها العراق وعندما حذفت اصفار حاولت أن تحافظ على انخفاض عملتها لما لذلك من مردود اقتصادي كبير على البلاد .
ونود نتساءل كيف يتم تخفيض كلفة العدد والفرز والاحتفاظ بالنقود وكمية النقود لاتتغير بل تتغير قيمتها فقط إذ أن حذف ثلاثة اصفار من العملة يعني رفع كلمة ( ألاف ) فقط فبدلا من إن يكتب عشرة آلاف دينار على العملة يكتب عشرة دنانير ، ومن كان لديه مليون دينار يتكون من 40 ورقة فئة الخمسة والعشرون ألف دينار سيصبح لديه ألف دينار يتكون من 40 ورقة فئة الخمسة وعشرون دينار أي أن حجم النقود في المصارف لن يتغير وتتغير القيمة المكتوبة وهذا لن يؤدي إلى تخفيض الكلفة على الإطلاق أما أن حذف الاصفار سيسمح للبنك المركزي بإصدار عملات بفئات كبيرة فما المانع أن يصدر البنك عملة بخمسين ألف أو حتى مائة إلف دينار وما المانع أن يصدر عملات معدنية للعملات الحالية الصغيرة ( فئة 250 ، 500 ، 1000 ، 2500 ) لايوجد مايمنع ذلك على الإطلاق . وما علاقة حذف الاصفار بالتضخم ، والعملة العراقية حديثة الإصدار فهي أصدرت بعد عام 2003 ويفترض إن يكون البنك المركزي على معرفة دقيقة بحجم الكتلة النقدية في البلد ، والمستثمر الأجنبي والمحلي لاتعني له العملة الشيء الكثير في قراره الاستثماري وإلا لاتجد المستثمرون في لبنان أو في تركيا أو في إي بلد أخر ذات عملة منخفضة قياسا بالدولار بل الذي يعنيه قوة الاقتصاد (والذي لا يعني ارتفاع سعر صرف العملة كما يتوهم البعض) بشكل عام والاستقرار السياسي والأمني في البلد .
والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن إلا توجد فائدة مطلقا من عملية حذف الاصفار ، والجواب هو نعم هناك فائدة واحدة وهي القضية النفسية حيث يشعر المواطن بثقة اكبر بعملة بلده ، أما التأثير السلبي على الاقتصاد فاعتقد انه كبير إلى درجة أدعو معه البنك المركزي إلى عدم الإقدام على مثل هذه الخطوة .
إن حذف الاصفار يعطي تصور كاذب برفع سعر الصرف للدينار العراقي وبالتالي تأثير سلبي بشكل أو بأخر على قطاع السياحة وقطاع الصادرات العراقية هذا من جانب ومن جانب أخر إن كلفة إجراء تغير كامل للعملة ستكون باهظة تصل إلى مئات ملايين الدولارات فضلا عن مشاكل في الجانب المحاسبي كما هو الحال مع أسعار الأسهم في سوق العراق للأوراق المالية وكل ذلك غير مبرر سوى إن نقول إن عملتنا تساوي عملة البلد المجاور الفلاني وتزيد على عملة البلد المجاور العلاني ، لنجعل مبدا الكلفة والمنفعة هو الحكم ولتحدد المنافع والتكاليف بشفافية عالية ومن قبل مختصين فنحن بحاجة الى كل فلس لاعمار البنى التحتية في هذا البلد ولتكن لدينا قائمة بالأولويات وتقديم الأهم على المهم .
د.عبدالرضا حسن سعود [email protected]