التظاهر السلمي والممارسة الديمقراطية-ناصرعمران الموسوي
Tue, 6 Mar 2012 الساعة : 15:19

ليس جديدا ً،أن نقول بان التظاهر السلمي ممارسة قانونية تجد سندها في الدستور العراقي وفي (الفصل الثاني )الذي جاء بعنوان (الحريات ) وتحديدا ً في المادة (38/ ثالثا ً) منه،فهو أمرٌ وبعد سنوات طويلة نسبيا ً من التغيير العراقي صار بديهيا ً، فآليات الديمقراطية تدور وجودا ً وعدماً مع الحرية تتحقق بوجودها ولايمكن ان تتشح الديمقراطية بجلباب ٍ لايكون طرازه الحرية،وهوامرٌ يجعلنا نقف لنراجع تجربتنا الديمقراطية الوليدة في عمرها الزمني،الكبيرة بتأثيرها الداخلي والعربي والاقليمي، فمنذ ان شمر العراقيون عن سواعدهم وحثوا الخطى نحو صناديق الانتخابات،بحرية تامة اكتشفوا بان الصناديق الجديدة والوجوه الجديدة تختلف عن التجارب السابقة،التي لا تعرف غير (النعم ) والنسبة المئوية بالكامل للمرشح الاوحد،واذا كان هناك من يحمل رأيا ً آخر فالسجون والمقابر الجماعية نهاية منطقية لمعارضته وممارسة حريته،لذلك كان طعم الممارسة الانتخابية الاولى لذيذاً بطعم شهد الحرية،والخلاص من مرحلة دفع فيها العراقيون الكثير من الدماء ليتوجون اخيرا ً بلحظة الانعتاق من ربقة الدكتاتورية والاستبداد ،لقد كانت التجربةالانتخابية في العراق كبيرة بثنائية الممارسة الديمقراطية وبالتحدي الكبير لمنظومة الارهاب الوحشية،فما بين الالم والدم والبسمة كانت الولادة الرائعة للديمقراطية الفتية التي سرعان ما بدا تاثيرها واضحا ً فسرت عدواها كالنار في الهشيم تقتلع وتحرق الانظمة البالية التي عفى عليها الزمن.
وفي الوقت الذي صنع الشعب ركائز الدولة المتمثلة بدولة المؤسسات الدستورية والقانونية عبر صناديق الاقتراع وممارسة حقه الانتخابي،
كان له ذات الموقف يوم احس بان المعارضة الفعالة المعول عليها والتي يجب ان تكون بتماهي مع الحكومة للوصول بقيادة الدولة نحو المزيد من الديمقراطية والحرية وحقوق الانسان،والتطلع نحو مستقبل واعد وحياة افضل الا انه فوجئ بما شهده مجلس النواب بعد تشكيل الحكومة والعودة الى المحاصصة السياسية المقيتة وغياب المعارضة الفعالة داخل المجلس فكانت له وقفة في خلق المعارضة القادرة على الاصلاح والتغيير،فلم تكن التظاهرات التي شهدها العراق بالرغم من كل الاشكاليات التي رافقتها والتي حاولت التاثير على اهدافها،بعيدة عن رؤاها الحقيقية في استرداد حقها في التوجيه والضغط وصنع القرار وهي مرحلة من مراحل الديمقراطية التي يلجأ اليها الشعب للتعبير عن تصحيح المسار الديمقراطي باعتباره مصدر السلطات،وهو من اختار ممثليه ليكونوا في قبة البرلمان والسلطة، وقد أظهر خلال ممارسته لحرية التظاهر السلمي بانه حريص على الديمقراطية و التي هي (مناخ ذهني واخلاقي قبل كل شيء ) وممارسة فعلية لخصوصية الحرية بحسب ما يراها الدكتور هشام جعيط.
لقد كان المتظاهر العربي وحسب (الغارديان البريطانية )و(التايم ) و(الواشنطن بوست) رجل عام 2011 وهذه الصفة الرمزية كانت للمتظاهر العراقي اليد الطولى فيها بالرغم من تجاهل الكتاب ووسائل الاعلام لتجربة العراق.
ان التظاهرات التي شهدها العراق في العام المنصرم، كانت علامة فارقة في ايصال رسالة الشارع والرأي العام القادر على خلق المعارضة الجديدة التي لم تتحقق في داخل قبة البرلمان،وجعلت البرلماني والحكومي امام تحديات مسؤليته،وعلى ضوء ذلك شرعت مجموعة من التشريعات التي حملت نكهة المعارضة الخاصة بالراي العام، لقد نجحت التظاهرة في تحقيق السلوك الديمقراطي الفعلي،لكنها اخفقت لعوامل عديدة في ايجاد بلورة عمل وصياغة قانونية وشعبية تمد د من نفسها لتكون تجربة جديدة وواحدة من مؤسسات الضغط وصنع القرار، ولعل اهم اخفاقاتها هي:
عدم وضوح تنظيماتها وقياداتها الفاعلة،وكانت بعض تنظيماتها تحاول ان تستنسخ ما يعيشه المحيط العربي،وحاولت ان تجد في قنوات التواصل الاجتماعي كينونتها ووجودها،ولانها تناست ان التجارب المحيطة تحاول صنع الخطوة الاولى الا وهي (اسقاط النظام )،في حين ان الواقع العراقي قفز الى مرحلة ممارسة الديمقراطي وليس البحث عنها، لقدغاب عن التظاهرة الوجود الحقيقي والمؤثر لمنظمات المجتمع المدني وقد كشفت التظاهرات ان ثقافة وعمل منظمات المجتمع المدني تكاد تقترب من العدمية، وفي الوقت الذي حشدت التظاهرة للمطالب المشروعة،حاول الكثير من اعداء الديمقراطية والمتربصين بالتجربة العراقية تسويقها على انها ممثلة لخطهم المعارض للتجربة الديمقراطية في العراق، كماغاب المفكر والمثقف الفاعل الذي كان عليه أن يرسم صورة الحرية المتجسدة،واعطاء الصورة الاخرى للتجربة العراقية بعد ان كانت صورة الممارسة الانتخابية تتسيد المشهد العراقي وتلقي بتاثيرها الكبير العابر لحدود الوطن.
ان امتلاك المتربصين بالتجربة وهي تجربة التظاهر السلمي للوسائل الاعلامية وما يشهده المحيط العربي اخرجت الكثير من الراغبين في المشاركة في التظاهر،لذلك حملت في شق منها صورة الجانب السلبي الذي لايمت بصلة الى مناخ الديمقراطية ،فما لاحظناه من ممارسات حدثت اثناء التظاهرة،كان مؤسفا ً، وبالرغم من ذلك حققت التظاهرة الكثير من اهدافها كواحدة من اليات العمل الديمقراطي وقاعدة مهمة وفعالة لحالة الحراك الشعبي القادر على الضغط وتحقيق المطالب،والصورة المرتسمة ابدا للمعارضة في ذهنية الممارس للعمل التشريعي والحكومي.
ان ممارسة معارضة الرأي العام هي واحدة من اهم الادوات الفاعلة للقضاء على السلبيات التي رافقت العملية الانتخابية والخروج من التركة الثقيلة وتجاوز صورة المجتمع المهزوم وتعميق الشعور الديمقراطي فمن يبني الدولة لايمكن الا ان يكون (حاكما او محكوما ونخب اعلامية وثقافية وسياسية ) فعالة تبني الفرد في ممارسة بناء المجموع،وتبعث برسالة واضحة مفادها ان الاوضاع السلبية التي ترافق الممارسة الديمقراطية تكون عامل قوة وتماسك لو استطعنا الخروج منها ومعالجتها كحالة ظرفية اوجدتها راهنية التغيير الذي شهده العراق وارث قذر يشرعن ميكا فيلية الحاكم بمقابل المحكوم
ان القراءة والوقوف على ثمار تجربة الممارسة الديمقراطية بالتظاهر يلقي على عاتق البرلمان والحكومة ومؤسسات الدولة الاخرى ان تكون قريبة جدا من المواطن وعليها السعي حثيثا ً في نقله نحو الحياة الافضل ووضعه وجها لوجه امام ثمار ممارسته الديمقراطية وعليها تعزيز ممارسة الحقوق والحريات المكفولة دستوريا ً والعمل على تدعيمها تنظيميا عبر تشريعات وقوانين تنظم هذه الحريات والحقوق ومنها حرية التظاهر السلمي وان تكون عند تشريعها متلائمة مع روح المرحلة الجديدة مرحلة دولة المؤسسات وحقوق الانسان.