لماذا يكره العراقيون نوابهم ولا يبالون بالقمة العربية المقبلة؟-عاطف العزي

Sun, 4 Mar 2012 الساعة : 11:44

غضب العراقيون عندما اطلعوا على موافقة مجلس النواب بتخصيص ملايين الدولارات لشراء سيارات مصفحة لهم تقيهم من التفجيرات والأعمال الارهابية .  قد يبدوا الأمر غريبا لغير العراقيين ، فالمفروض أن يحافظ الشعب على نوابه لأنه هو الذى انتخبهم لينوبوا عنه ويطالب بحقوقه ويحافظ على أمنه ويشرعوا القوانين لصالحه .
معظم أعضاء المجلس الحالي كانوا أعضاء فى المجلس السابق وقد أعيد انتخابهم بالدرجة الأولى لعدم وجود بديل يثقون به .  فانتخبوهم على قاعدة : (شين التعرفه أحسن من زين المتعرفه).  والسبب الآخر هو سبب طائفي لا يمكن تجاهله ،  فانتخب السني سنيا وان لم يعجبه ، وانتخب الشيعي شيعيا وان لم يعرف عنه شيئا ، فانعدمت او كادت الثقة بين الطائفتين .  وهذا التصرف اللاعقلاني مرده الى أمور كثيرة ، منها تدخل ايران لصالح الشيعة وتدخل البلدان العربية لصالح السنة . الارهابيون مثل دولة العراق الاسلامية وجيش الراشدين وجيش السنة والقاعدة ركزوا هجماتهم الانتحارية على الشيعة ، وفى نفس الوقت كانوا يغتالون قادة الصحوة وأتباعهم من أبناء السنة الذين أخذتهم الغيرة على أبناء شعبهم فكفوا الأذى عنهم وإن كانوا على غير مذهبهم ، ولولاهم لكان العراق فى أسوأ حال مما هو عليه اليوم .
كانت الانتخابات فى العهد الملكي يشوبها التزوير ، ولكن الطائفية كانت شبه معدومة فى اختيار المرشح .  ولكن فى المقابل كان شيوخ العشائر هم الفائزون فى مناطقهم دائما ولا أحد يجرأ أو يفكر بمزاحمتهم .  أما غالبية سكان المدن فكانوا يختارون نوابهم من أبناء المحلة من الموسرين أو العوائل المعروفة أو من كبار الموظفين بعد أن يقيموا للناخبين الولائم ويعدونهم بتوظيف أبنائهم ، أما عن السياسة الخارجية والاعمار والتعليم وغيرها من الأمور الحيوية للبلد فلم تكن تخطر لهم ببال ، وكلما كان الطعام (أدسم) يزيد حظ المرشح بالفوز ، أما صلاحية المرشح او درجة ثقافته او كفاءته فذلك أمر بعيد عن فكر الأغلبية الساحقة للناخبين الأميين ،  ولذلك كانت الأغلبية هى من النواب الأميين وأشباه المتعلمين . واشتهرت فى وقتها كلمة (موافج) وتعنى (موافق) التى أطلقها الناس على نوابهم ، إذ غالبا ما كان النائب يغط بالنوم أثناء الجلسة ، وعند انتهائها يوقظه الفراشون فينتفض قائلا (موافج) لظنه بأن تصويتا قد جرى وهم يسألونه عن موقفه .
هكذا كان حال الناخبين والمرشحين فى تلك الأيام ،  فهل تحسن الوضع اليوم كثيرا عما كان عليه بالأمس؟ قطعا لا ، عدا زيادة خيالية بالرواتب والمخصصات للنواب ، وتخصيص حوالى فرقة عسكرية مسلحة كاملة لحراستهم ، وسيارات فارهة تحت تصرفهم وتصرف عوائلهم وجيرانهم ، وأعطوهم مخصصات الحج والعمرة ، والجوازات الدبلوماسية لهم ولعوائلهم ، وزودوهم ببطاقات (تذاكر) السفر بالطائرات فى الدرجة الأولى ، وخصصوا لهم أجود الأراضى على ضفاف دجلة لبناء قصورهم الفخمة ، بينما لا يحضر البعض منهم جلسات المجلس أكثر من 3 او 4 مرات فى السنة ، ولكنهم لا يتوانون عن استلام رواتبهم ومخصصاتهم بالتمام والكمال .
وليزيدوا الطين بلة فقد صوت قبل يومين أكثر من 200 نائب يمثلون أغلب الكتل السياسية لصالح شراء سيارات مدرعة (مصفحة) تحميهم فى حلهم وترحالهم ، ولكنهم فوجئوا بغضب العراقيين العارم على صرف 50 مليونا من الدولارات لهذا الغرض ، بينما شعبهم يعانى من شظف العيش وشحة الخدمات ، فذعروا وسارعوا للإعراب عن رفضهم للمصفحات أمام وسائل الاعلام فى انقلاب مدهش عجيب ، وكل منهم يلقى التبعة واللوم على خصمه ومنافسه .  كل هذا وأكثر ، فهل يلوم أحد العراقيين على كراهيتهم لنوابهم ؟
والأمر الآخر الذى يشغل بال العراقيين فى هذه الأيام وهو الحماس الشديد الذى تبديه الكتل السياسية والحكومة لاجتماع القمة العربية المقرر أن يعقد فى نهاية آذار/مارت الحالى فى بغداد . لا ريب أن الجميع يدركون أن هذا المؤتمر لن يخرج بشيء فيه خير للعراق مطلقا ، وكيف يأتيهم الخير من ملوك ورؤساء معظمهم عارضوا العملية السياسية فى العراق منذ يوم ولادتها ، فبعثوا الينا بالانتحاريين يفجرون أنفسهم بيننا فقتلوا ودمروا وخربوا ما شاؤوا ، وألبوا بعضنا على البعض الآخر؟  
المضحك المبكى أن يستقبل رئيس جمهوريتنا المنتخب رؤساء دول معظمهم دكتاتوريين يحكمون بلدانهم بالحديد والنار ، ولم يساهموا فى مشروع إلغاء الديون على العراق الذى تبنته أمريكا والدول الأوروبية ، وأصروا على استيفاء الديون كاملة مضافا اليها الفوائد ، وما هى فى حقيقتها ديون وانما معظمها أعطوه لصدام حسين مساعدة لحمايتهم من ايران الذى شن الحرب عليها وخسر العراقيون مئات الآلاف من خيرة أبنائهم فى تلك الحرب الحمقاء  التى اكتوى بها العراق لمدة 8 سنوات عجاف .
العراقيون غاضبون على تخصيص 50 مليون دولار للمصفحات ، فكيف سيكون شعورهم عندما يعرفون أن ما خصص لهذا الاجتماع يزيد على عشرة أضعاف ما خصص للمصفحات ؟ أضف الى ذلك مصاريف سفر وأجور الاقامة فى فنادق الدرجة الاولى لعدد من الوزراء العراقيين الموفدين الى الملوك والرؤساء لاستجداء عطفهم شخصيا للمجىء الى بغداد ، وبعض من هؤلاء الزعماء كانوا قد ذهبوا سابقا الى اسرائيل لتقديم فروض الطاعة واقامة العلاقات الطيبة معها بينما نحن نتوسل اليهم أن يتكرموا بزيارتنا ، اليست هذه إهانة لنا ؟  مبلغ ال500 مليون دولار بدلا من انفاقه على قمة لا جدوى منها كان يمكن ان نبنى بها عشرة آلاف بيت (كلفة البيت الواحد 50 ألف دولار) لإسكان 50 ألف عراقي يعيشون حاليا فى بيوت من طين وصفيح .  بالاضافة الى تشغيل آلاف العمال العاطلين فى البناء وما يتبعه ،أليس كذلك يا قادتنا الأفذاذ ؟
ترى مالذى تتوقعه الحكومة والكتل النيابية من هذا الاجتماع ؟  هل سيتنازلون عن ديونهم لنا؟ هل سيساعدوننا على اعادة اعمار بلدنا؟  ومتى برهن أبناء اخوتنا العرب عن اهتمامهم بمعاناتنا فى العراق والتى يشكلون هم انفسهم أهم أسبابها ؟  قبل بضعة أيام طلب مسئول اسلامي مصري من العراق أن يدفع تعويضا للعمال المصريين يزيد على المليار دولار، قائلا بأن ميزانية العراق الجديدة تزيد على مئة مليار فلماذا لايدفع لهم مليارا واحد فقط منها ؟!  وكان العراق قد وافق على دفع 400 مليون دولار ،  وحتى هذه ال400 مليون دولار أكثرها ديون ملفقة ، قام بعض المصريون بمساعدة محامين مصريين وأجانب برفع شكوى للأمم المتحدة على العراق لتعويضهم عن أعمالهم التى خسروها فى العراق والكويت نتيجة لغزو صدام لها ، ونسبة كبيرة منهم لم ير فى حياته لا العراق ولا الكويت ولم يغادر بلده مصر ابدا .  ونفس الشيء ينطبق على الفلسطينيين الذين لا يكفون عن الاحتفال بميلاد صدام وإقامة الفواتح على روحه الأثيمة ، ويسمحون لعائلته بالحلول بينهم (ضيوفا) ومعهم المليارات التى سرقوها من شعب العراق .  العراق ساعد الجميع فى الماضى ، وفى أيام محنته الحالية تراهم ينقضون عليه وينهشونه نهشا بدون حياء ولا رحمة ولا خجل .
عمل العراق الكثير للأخوة العرب فى السابق ، ومنها تشغيل 5 ملايين مصرى فيه كانوا يبعثون الى مصر مليارات الدولارات كل سنة ، وكان يدفع للأردن (شرق الأردن آنذاك) فى العهد الملكي مبالغ كبيرة سنويا كمنحة لمساعدته على دفع رواتب الموظفين ، وعلى عهد المقبور صدام كان صدام يزودهم بالنفط بنصف سعره العالمي ، وكان الطلبة الاردنيون/الفلسطينيون بصورة خاصة والعرب بصورة عامة يأتون للدراسة فى الجامعات العراقية بالمجان ويستلمون الرواتب والمخصصات واعتبروها وكأنها مكرمة من جيب صدام وليست من أموال شعب العراق ، ولما سقط صدام ناصبوا الشعب العراقي العداء ، وتناسوا أن قوات غزو العراق مرتين (1991 و 2003) انطلقت من بلدانهم فى الخليج العربي .  
عاطف العزي فى 1/3/2012

 

Share |