سلسلة غربلة القناعات 1 (( قدسية الزّي الدّيني ))-ابو تبارك الناصري-الناصرية
Sun, 4 Mar 2012 الساعة : 10:35

لا يخفى ما للمُتجلبب بالزي الديني من قداسة لدى عامة الناس خصوصا المناطق الريفية , فهم يرونه لا هوتاً بشرياً , ويرون هذه العمامة التي يرتديها ( سواء سوداء كانت ام بيضاء ) بانها امتداد لعمامة رسول الله وهذه الصاية التي يرتديها هي خيمة بخت , لا تقل قدسيتا عن الكساء الذي تغطى به النبي وال بيته ..
قال علي عليه السلام (( اعرف الحق تعرف اهله ))
هكذا علمنا امامنا , و وضع لنا القاعدة العامة , بان نعرف الحق ونبحث عنه , ومن ثم ننظر للأشخاص .. فاذا عرفنا الحق , من تبعه يكون من اهله
الوحيد المستثنى من هذه القاعدة هو علي نفسه
اذا قال رسول الله ( ص ) : علي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيثما دار .
كثير ما ينصدم الناس حين تبين حقيقة لدجال , كاذب , منافق , زنديق , مرتدي لهذا الزي ( العمة والصاية ) والسبب هو تصورهم المسبق بان هؤلاء الناس هم قديسون لا يأتيهم الباطل من بين ايدهم ولا من خلفهم , بالتالي تنعكس ردة فعلهم على شكل نفور من الدين , وحالة اشمئزاز من الدين , وهذا بسبب انهم عرفوا الدين على انه اشخاص قيمون عليه يحتكرونه بزيهم , فلا يؤخذ الا منهم , و لا تعطى الحقوق الا لهم .
وكثيرون هم اصحاب دعوة الباطل و المنحرفين الذين هم يرتدون هذا الزي في هذا الزمان , فهذا اياد جمال الدين الذي يدعوا الى العلمانية وهو يرتدي عمة رسول الله , وهذا احمد القبانجي الذي يدعو للسفور ورمي الحجاب وحتى لديه بعض الطروحات الالحادية ويمس في كثير من محاضراته الذات الالهية او ذات النبي او الوصي بكثير من الإساءة والكلام البذيء , كان هناك شخص يرتدي العمة ويدعي بانه اعظم مفسر للقران وهو لا يجيد وضع الحركات على الحروف ( الرميثي الحجازي ) وهذا عباس الخوئي الذي يتهجم على والده وكبار المراجع ويلصق بهم التهم الموبقة والمقززة , وكذا احمد الحسن المدعي بانه ابن الامام او صهره ويدعي النيابة او المهدوية ,, وكثيرة هي الحوادث والفضائح والافعال الا اخلاقية والا دينية التي يرتكبها وكلاء المراجع في المحافظات , لا اود الاكثار بسرد هذه الاسماء فليس هذا ما اروم بيانه .
لكن جميع هذه الصور المقززة التي كثرت في هذا العصر لأناس يرتدون الزي الديني , وفق المفهوم المقدس لرجل الدين بالعمة والصاية , راح تولد ردة فعل عكسية من الدين , لان هؤلاء الناس البسطاء والسذج عرفوا الدين على انه قارئ منبر او خطيب يسرف في تهييج الحس العاطفي للناس من اجل مزيد من الدموع على قضية الامام الحسين , فلا يتورع في نقل الخبر الضعيف او حتى الذي يكذبه كبار العلماء اذا كان يفي بغرضه , فأبرع الخطباء هو الاكثر بكاء تحت منبره , والافضل سرد لقصص خيالية يأتي بها على انها كرامات لا بيت النبوة , لتتحول بعد ذلك الى كرامة او معجزة للقارئ نفسه , فيأخذه الغرور و يتمادى بالبصاق على الناس ( لان بصاق المؤمن طاهر! ) لا باس بان يبصق على المنتحبين تحت منبره !!
وكثران ما استخدمت امثال هذه التصرفات , للهجوم على الدين , والاقلال من شانه , او عزله , لا سيما مذهب ال البيت , وتجد المثقف منا لا يدخر جهدا بالدفاع عن الدين والمذهب , باستخدام بعض الاحاديث الضعيفة التي ممكن ان تسعفه في تبرير مثل هكذا فعل على انه مباح . او انه شخصيا لا يؤمن بذلك ولكن لا ينكره على الاخرين . فتُؤخذ افعال هؤلاء على انهم هم القيمون على المذهب .
في احدى حوارياتي مع شخص تهجم على مذهب ال البيت اثر فديو منشور لعبد الحميد المهاجر , قلت له يا اخي عبد الحميد لا يمثل المذهب ورايه شخصي وانا لا اؤمن به , فأجابني وما هو مذهبكم اذا هذه الالوف المؤلفة تحت منبره تعلو اصواتها بالصلوات حين يقول لهم الزهراء جالسة بينكم , ها هي الزهراء انظروها !!
اجبته يا اخي هؤلاء ناس بسطاء الجهل يطغى عليهم .
فرد علي , ومن يعضهم اليس خطيبكم هذا !!
وكذا مع كثيرين امثال مجتبى الشيرازي وياسر الحبيب , والفضاء مفتوح للجميع , والمواقع تتناقل أي زلة هنا او هناك , والمتصيدون بالماء العكر , كثر....
اتذكر ذات مرة كنت اقراء بكتاب للدكتور المرحوم علي شريعتي (( دين ضد الدين )) فتهجت والدتي عنوان الكتاب ولحظت صورة علي شريعتي حالق الذقن والشنب . فقالت يمه ما تبطل من قرائه كتب الشيوعية !!
في عقليتنا لا يمكن ان يكون هناك عالم ديني افندي . او حتى باحث ديني , وان قبلناه كباحث , لا يمكن ان نتلقى منه راي او نقبل بنقد لظاهرة معينة , ونعتبر ذلك هو هجوم على الدين , وان انتقاده لظاهرة سلبية يمارسها الناس هي معول لهدم الدين , ونقبل جميع الدعوات والممارسات المنحرفة التي قد تصدر من اناس معممين بانها حرية الفكر الديني الواسعة التي يتمتع بها ديننا الحنيف , وهي ايضا مقدسة , وان لم نمارسها .
بالتالي أي زلة من هذا الانسان المعمم سيحسبها الاخرون على الدين , وستكون ثغرة منها ينفذ كل حاقد ومتصيد وينفذ منها اصحاب الفكر الالحادي , او اصحاب نظرية فصل الدين عن السياسة
هذا المفهوم الضيق للدين واحتكار الدين في اشخاص معينين ننصبهم نحن بجهلنا وفطرتنا وحبنا الفطري الدين , هي المعول الحقيقي الذي يهدم الدين , وهي الثغرة التي منها يهاجم الفكر الديني .
في حادثة تروى عن الامام الحكيم ( رض ) او مشابهة لها تروى عن السيد محمد الصدر ( رض ) حين اتوا له بأحد طلبة الحوزة وهو يسرق , وقالو له هذا رجل دين سارق , فانكر عليهم قولهم وقال : لا تقولوا رجل دين سارق , بل قولوا سارق تنكر بزي رجل دين .
هو يريد ان ينسف هذه القناعة وهذا التصور المقدس عمن يرتدي العمة , فهو رجل دين ان كان يدعو للدين , وهو يتنكر بزي يرجل الدين ان كان فعله او قوله يبتعد عن الدين .
وان كانت لي وقفة مع هذه التسمية التي انتقدها طبعاً فانا لا اؤمن بان في الدين الاسلامي رجال قيمون عليه ( لا وجود لرجل الدين ) وهي تسمية مستعارة من الديانات الاخرى , نحن كمسلمين ينبغي علينا جميعا ان نكون رجال دين , ومن ينفر ويتخصص بعلوم الشريعة والفقه والعقائد والدين هو (( عالم ديني )) , وليس رجل دين .
اذا صححنا هذه التسمية واقلنا عناها , اكيد سنتجنب الاثار السلبية المترتبة من تصرفات بعض الذين يرتدون الزي الديني , لانهم ليسوا رجال دين , ولا احد قيم على الدين , غير العلماء العاملين , وحفظ بيضة الدين هي واجب كفائي قد يكلف به جميع المسلمين ذكور او اناث , اذا ما اقتضت الضرورة , وقد يسقط بتصدي من هو كفء له .
هذه العمامة كانت هي الزي السائد في صدر الاسلام او حتى في الجاهلية , ابو جهل كان يرتدي العمامة , وابو لهب , وابو سفيان , ومعاوية , وجميع السلف الطالح من بني امية وبني العباس . جميعهم كانوا يرتدون هذا الزي ويرتقون المنابر , ويصلون بالناس الجمعة والجماعة , وبعضهم كان يقود الجيوش في حملات الجهاد والفتوحات الاسلامية .
اعتذر عن الاطالة : فقط وددت بان اختم بالتذكير بان السيد محمد الصدر ( رض ) كان قد دَرَسَ العرفان على يد احد كسبة النجف , ربما يرتدي دشداشة وحدرّية , او يرتدي بنطلون وقميص ..