القصب مقدس في الاساطير-نافذه على ثقافة الهور-عبدالباري مايح الحمداني- اوكرانيا
Mon, 30 May 2011 الساعة : 10:35

الابداع هو ان تاتي بفكره او شئ غير معروف او مألوف من عدة اشياء مألوفة لكن الاخرين لايتوصلون الى ايجاد العلاقات بينها كما يستطيع المبدع-ويعتمد الابداع على عاملين الانسان باعتباره خلاقا مبدعا والبيئة او المحيط باعتبارها مادة الابداع والمحرك الاساسي له-وتبقى الحاجه هي الوجه الظاهري للابداع وكما يشاع من ان (الحاجة ام الاختراع) . ويشاع بين عموم الناس ان الابداع يرتبط بالاختراعات الكبيره والعظيمة الى انه باللغة العلمية يرتبط بابتداع ما هو جديد اعتمادا على اعادة تركيب وتفكيك عناصر البيئة والمحيط في الذهن البشري، ولعل الابداع يقارن ويقاس وفق متغيري المكان والزمان- ولعل الفترة التي عاشها سكان الاهوار والمكان الذي نموا فيه ونمت معه ذهنيتهم وتصوراتهم لم تكن بمعزل عن هذين المتغيرين(المكان-الزمان) واللذان هما اساس تشكل الحركة والمعاني، وقد تمكن سكان الاهوار من التكيف لبيئة قاسية وشاقة في تفاصيلها الداخلية رغم انها بيئة جميلة وغنية بموارد العيش وتعدد مصادره الطبيعية. ويعتبر القصب المادة الاساسية المرتبطة بالامن النفسي لسكان الهور(فهو مادة بناء البيوت) وتاتي اهميته لاسباب تتعلق بالسكن والاستقرار والشعور بالاستقلال الاجتماعي والاحساس بالقبول في وجود مسكن خاص بكل رجل وعائلته،ولعل تمكن الرجل من حصاد القصب وكيفية تهيئته ليكون مادة جاهزة لبناء البيوت يرتبط برجولته ولعله لاشعوريا يرتبط بدوافع جنسية وهكذا يعد امتلاك مهارة بناء البيت (الكوخ) والصريفة والكبر(الكبر وحده سكنية تستخدم كدار للضيافه تلحق بالبيت الذي عادة ما يتكون من عدة صرائف وكوخ) والكبر يستخدمه الناس الغير ميسوري الحال لانه بديل عن المضيف الذي يستدعي بناءه استعداد صاحبة للايفاء بمتطلباته من استقبال الضيوف وعابري السبيل في اي وقت ومن اعداد دوري للقهوه(وفق قانون النوبه-حيث تتعدد ايام عمل القهوة بحسبب عدد المضايف-والذي يصادف ان يكون مشغولا عليه ان يخبر من تقع علية النوبه من بعده ليكون مستعد لعمل القهوه ويكون صوت هاون القهوة هو الاشارة التي يهتدي بها المسايرية(الناس) الى المضيف المقصود)- ولعل القصب من الاهمية بمكان بحيث انه ارتبط بوعي سكان الاهوار ودليل ذلك انهم اعطوه مسميات محلية متعدده وبحسب ارتباطه الوظيفي في حياتهم،فهو عندما يكون جذرا منعمسا في الطين ومغمورا في الماء –يسمونه( الخنجر-الخنير بالعاميه)-وتلك التسمية جاءت من باب انه يشبه في شكله وفعله الخنجر لانه يمتاز بالصلابه والحده وغالبا مايتجنبوه لانه جارج ويودي الى اضرار- ولان جذر القصب يعد الماده الاساسية لغذاء الطيور وبالاخص طائر الماء الاسود( دجاج الماي) والخضيري وهو طائر يشبه البط المحلي- لان جذر القصب يتكون من مادة سكرية عالية وبروتين ويشبه طعمه وتركيبه جذر بنجر وقصب السكر-فقد استخدمه سكان الاهوار لصيد هذا النوع من الطيور حيث يقومون بتقطيع الجذر الى اقسام تشبه في اطوالها العقد –ويشقون كل واحدة منها ويضعون مادة الزهر بعد طحنها وخلطها بالعجين- ولعل تلك الطريقة بالاضافة الى انها شيقه الا انها توفر اللحم الطازج والذي يعتمدونه في طهي الاكله المشهوره والمعروفة محليا عندهم(السوط) ونعتمد في طهي لحم الطير مع التمن العتبر اعتمادا على الدهون الموجوده في انسجته وييتناولته مع دهن الحر- وبعد فترة يتحول الجذر (الخنير) الى طور من النمو تبرز فيه سيقانه المميزه بلونها الاخضر المزرق فوق سطح الماء لتعطي رونقا وجمالية لبيئة الهور(ويسمونها محليا العنجر-العنكر) ومنظره من بعيد عباره عن بساط اخضر يفترش مساحات متفرقة من سطح الماء مشكلا لوحة فنية رائعة-وقد يحدث ان تبقى اجزاء من قصب العام الماضي وتكون متقرنه وقوية وتشكل حزمة صغيره( يسمونها محليا - الجنداله) تنمو في داخلها العنجره لتكون مميزه بخضارها وسط حزمة ميته لتعطي معنا اخر مفاده ان الحياة مستمره وان الاجيال لاتنقطع(ولعل من الطريف ان في العادات الشعبية لاهل الهور واثناء الزفاف غالبا مايرددون اغاني خاصة بهم-حيث يشبهن الزافوفات( مجموعة من النساء يرافقن العروس- يشبهن خد العروس بالعنجره الخضراء وسط حزمة ميته( الجنداله) ابرازا لجمال العروس ولعل الاهزوجه النسائية المشهوره(خدج عنجره بجنداله) اي ان خد العروس اشبه بالعنجره لتميزه- ولعل من العادات الشعبية ان يقدم الشاي لصعار السن بطريقة طريفه يسمونها ايظا(خد العروس) وهي تعتمد على قاعدة فيزياويه بسيطة تمنع امتزاج الماء بالشاي ليكون الاستكان مقسوم الى لونيين او قسمين الاعلى الشاي والاسفل الماء(تعتمد طريقته بملئ نصف الاستكان بالماء ثم تمسك الملعقة وتوضع بشكل افقي بحيث تكون نهايتها من الاعلى تماما فوق فتحة الاستكان ثم يسكب الشاي على الملعقة بهدوء داخل الاستكان ليتكون مايسمونه بخد العروس)- ولو تاملنا المثالين لوجدا ان تلك العادات والطقوس لم تاتي بشكل عفوي انما هي منعكسات للوعي الجماعي بالمكان وظهوره في تجليات العادات والسلوك- وعودا على بدأ يشكل القصب في مرحلة تكون السيقان(العنجر) مادة علف اساسية تتزامن فترة نموه مع البرد القارص(الازرق والجله) في شهر شباط حيث تقل موارد العلف الاخرى ويرتفع ثمنها-وبتقادم نمو القصب ومع بداية الربيع تتفرع القصبة وتتكون الاوراق حيث تكون محطا للعديد من الطيور المختلفة الالوان والتي لها مسميات محلية ايظا- ويذكر بعض المعمرين من تلك الحقبه انهم كانوا يمسكون بطيور توجد في ارجلها حلقات مكتوب عليها (بالانجليزي) فيقومون باطلاقها- وكان السبب من وراء ذلك امرين خوفهم من انها تكون محقونه بماده سامة او انها مهمة لمن وضع تلك الحلقات في ارجلها-ثم تتمو الزهره في القصب (يسمونها محليا العذبه-وجمعها عذب) ولعل الاسماء التي يحملها بعضهم من الجيل السابق( عنجر-عذب-جندال) تتعلق بتلك المسميات- المهم بعد تطاير الزهره يتحول القصب الى اشباح يابسه وطويله بيعث صوره لتكتلات من الاشباح الواقفة خصوصا وقت المغرب-ولعل الحكايات الشعبية المتجذره في وعي ابناء الهور والتي كانت مادة التسلية في وقت لاتوجد فيه التلفزيونات-لعلها من ايحاءات تلك المناظر- يقوم الاهالي بقصة بعمليه يسمونها( جراد القصب)، استعدادا لاستخدامه في بناء ما تهرأ من البوت في الشتاء او ترميم(تلحيف بحسب للغة الهور) المكانات التضرره بسبب الامطار والرياح- وفي فترة الصيف- ثم يقومون بكري الممرات المائية الضيقة لتكون مهيأة لمرور السفن عند التنقل وتسهم تلك الممرات كذاك في اعادة ترسيم الحدود بين قفص واخر(القفص الاسم المحلي لعابة القصب الخاصة بكل بيت)-وللقصب فوائد في صنع البواري وهي مهارة يتطلب تعلمها وتتطلب نوعية خاصة من القصب-ويستخدم القصب كذلك في الاعمدة المستخدمة لنصب شباك الصيد(الشجايخ في اللعة المحلية)-كما يستخدم في عمل مردود الفاله وهي اداة اخرى للصيد –تثبت على قصبة قوية ومستقيمة- كما يستخدم القصب كمادة لحفظ الوثائق الهامة كالمكاتبات وعقود البيع والشراء والسنن والقوانين العشائرية(بطريقة يسمونها المفصل- وهي قصية عريضة يتم استخراج لحائها الداخلي دون الاضرار بها-لتشكل اسطوانه جوفاء تحفظ فيها الوثائق بطريقة الطي) ومن الظريف ان ضرب الافعى في قصبة يابسه يودي الى موتها بسرعة ولعل المثل المعروف(حية مضروبه(مطكوكه) بقصبه(بقكصبه) مثال على الانسان المجهد المتعب-واخيرا فقد استخدم اهل الهور القصب في ازمان عابره بعمل_( الطريده والشريده) والطريده هي نوع من البواري (باريه) تصنع خصيصا لحفظ الشلب اما الشريده فهي حزمة من القصب يلف بها الميت لنقلة وحمله لمثواه الاخير نظرا لعدم وجود توابيت ولقلة عدد الموتى لان متوسط عمر سكان الفرد فيالاهوار قد وصل الى 70 سنة بدايات السبعيتيات من القرن الماضي(وقد سجلت حلات عمر فيها نساء ورجال الى اكثر من 100 سنه)-دون تدني لقدراتهم العقلية او ملاحظة لحالات خرف الشيخوخه