مدخل علمي لبناء التحالفات-صلاح هادي مهاوش
Thu, 1 Mar 2012 الساعة : 12:39

منذ بدء الخليقة واجه الإنسان التحديات تلو التحديات بعضها استطاع الفرد بمواجهتها بمفرده ولكن في الغالب كان يتوجب عليه أن يضم قواه وموارده إلى غيره من بني جنسه ليتمكن من مواجهة تلك التحديات .وهنا يبرز دور بناء التحالفات . فما المقصود ببناء التحالفات وماهية أهمية بناء أي تحالف وما هي الايجابيات والسلبيات من بناء أي تحالف .كل هذا وغيره اعرضه في ترجمتي لمقالة براد سبانكلر عن بناء التحالف .
ما هو التحالف ؟
التحالف هو اتحاد مؤقت أو شراكة بين مجموعات من اجل تحقيق هدف مشترك أو الانخراط في عمل مشترك .فبناء التحالفات هو العملية التي من خلالها تقوم أطراف (أفراد أو منظمات أو دول ) تتشابه بالقيم والمصالح والهدف المشترك بالاجتماع مع بعضها البعض لتشكيل تحالف لكي تتمكن من توحيد موارد قوتها وتصبح أكثر قوة مقارنة فيما لو عمل كل طرف بمفرده
ما هي أهمية بناء التحالف ؟
القدرة على بناء التحالفات هو المهارة الأساسية لأولئك الراغبين في الحفاظ أو تطوير قدراتهم .وبتعبير أخر بناء التحالف يمكن الأطراف الضعيفة من تطوير إمكانياتها وبالتالي تحسين قدرتها على الدفاع عن مصالحها.ويمكن بناء التحالفات على جميع المستويات وحول أي قضية ابتداء من الحي السكني وانتهاء بالنزاعات الدولية .
ويمكن لبناء التحالف من تغيير موازين القوى وتغيير مسار الصراع القائم .فالأطراف الذين يوحدون جهودهم وموارد قوتهم ويعملون سوية يكونون أكثر قدرة وإمكانية على تحقيق أهدافهم, من أولئك الذين يفضلون العمل الفردي.فالمتحالفون يتمكنون من التصدي إلى التهديدات التي تهدد مصالحهم وفي أحيان كثيرة قد يتمكنون من تكوين تهديد لأطراف أخرى.وعلى وجه العموم فأن الأطراف الضعيفة المتحالف ستكون أكثر قوة في التصدي إلى التهديدات التي تواجهها مما لو عمل كل طرف على حده في مواجهة التهديد المشترك أو انشغلت الأطراف الضعيفة في الصراع فيما بينها.
وابسط مثال قائم لتوضيح صورة قوة وأهمية بناء التحالفات هو تجربة المجاميع المدافعة عن البيئة في الولايات المتحدة الأمريكية .فلقد استطاعت هذه المجاميع المتعددة والضعيفة من التصدي إلى سلطة ونفوذ العملاق الصناعي من خلال فهمها العميق إلى قوة التحالف .فاستطاعت المجاميع البيئية من بناء تحالف تصدت من خلاله إلى القوى الصناعية في صناديق الاقتراع ,.لقد نجحت المجاميع البيئية من انتخاب المرشحين المدافعين عن البيئة وتمرير عدة قوانين وتشريعات بيئية .لو لم تعمل تلك المجاميع البيئية سوية لم تتمكن من التصدي إلى العملاق الصناعي الأمريكي .
كيف تتشكل التحالفات الناجحة ؟
بناء التحالفات الناجحة ينطوي على مجموعة من الخطوات .أول تلك الخطوات إدراك الأطراف للمصالح المشتركة التي تجمعهم.في بعض الأحيان يكون الإدراك عفويا وسهلا .ولكن في أحيان كثيرة وخاصة في التحالفات المعقدة يحتاج الطرف القائم على بناء تحالف إلى انتهاج أسلوب الإقناع لكي يقنع باقي الأطراف بأن بناء التحالف سيكون له فوائد أكثر من عدم وجود التحالف .وللقيام بهذا العمل سوف يتوجب عليه توضيح النقاط التالية .
1- أن الأهداف التي تسعى إليها الأطراف المتعددة متشابهه ومتطابقة .
2-إن العمل سوية سيعزز إمكانيات جميع الأطراف للوصول إلى الهدف المشترك.
3- إن الفائدة التي ستنتج من التحالف ستكون اكبر قدرا من تكاليف التحالف.
النقطة الثالثة يمكن توضيحها بأحد الأسلوبين .
أ- التحفيز :من خلال توضيح المكاسب التي يمكن الحصول عليها في حال الانضمام إلى التحالف .
ب-العقاب .الذي قد يكون على شكل تهديد من مغبة عواقب عدم الانضمام إلى التحالف.
وعلى سبيل المثال في سنة 2003 تقدمت الولايات المتحدة الأمريكية بكم هائل من المغريات المادية على شكل مساعدات وكذلك دعم سياسي للبلدان التي انضمت إلى تحالفها ضد العراق بينما سياستها كانت مختلفة إزاء البلدان التي ترددت في ألانضمام إلى التحالف حيث انتهجت الولايات المتحدة سياسة تهديد سلبي غير مباشر. أما بالنسبة إلى الدول التي انضمت إلى جانب النظام السياسي العراقي فأن لهجت الولايات المتحدة كانت ذات طابع تهديد واضح ومكشوف.وهنالك طريقة أخرى لإقناع الأطراف الأخرى للأنضمام إلى التحالف أكثر قبولا وذلك من خلال إزالة أو التخلص من أي بدائل تحول دون الانضمام إلى التحالف .فغالبا ما ينضم البعض إلى التحالفات من دون الرغبة بالتحالف بحد ذاته إنما لشعورهم بان موقفهم بدون تحالف يكون ضعيفا وقد يتعرضون إلى الخطر .وبالرغم من كل ما تقدم فغالبا ما يفضل الأشخاص والمنظمات التزام الحياد بدلا من المخاطرة باتخاذ القرارات . فإذا ما خيروا بين الانضمام إلى تحالف ما أو التخلف عن الانضمام فأنهم غالبا ما يفضلون التزام الحياد.
وأخيرا هنالك تقليد شائع في بناء التحالفات وهو أن يعول الكثير من بناة التحالفات على تحالفاتهم السابقة كعنصر مؤثر في تحالفاتهم الجديدة . فاغلب الأشخاص والبلدان يميلون بشدة إلى الالتزام أو الثبات على تحالفاتهم السابقة .هذا يعني بأن الدول تستطيع الضغط على حلفائها السابقين للتحالف معهم في أي تحالف جديد. هكذا نوع من التكتيك غير موفق دائما وخاصة حينما يكون واضح جليا بأن مصالح الطرف الأخر تكون عرضة للخطر في حال التحالف.فعلى سبيل المثال فأن فرنسا لم تكن راغبة في الانضمام إلى التحالف الأمريكي ضد العراق في سنة 2003 على الرغم من التاريخ الطويل من العلاقات الستراتيجية بين الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا .
ما هي فوائد بناء التحالف ؟
أن الفوائد التي تتحقق من بناء التحالفات لاتنحصر فقط في تعظيم جانب القوة في مواجهة الخصوم أو الأعداء بل أنها تتعدى هذا البعد بالكثير .فبناء التحالف يمتد أيضا إلى ذات الحلفاء فهو يطور الإمكانيات الذاتية لكل حليف مما يدفع بكل طرف إلى أن يكون أكثر فعالية في الميادين التنافسية. وفيما يلي بعض الفوائد الرئيسة التي يمكن أن تتحقق من بناء التحالف.
تحالف المنظمات قد يؤدي إلى نتائج ايجابية على مالجديدة وخاصة وفرص النجاح في عدة ميادين أكثر من النتائج التي يمكن التي يمكن أن تحققها كل منظمة فيما لو عملت على انفراد .
التحالف سوف يستقدم العديد من الخبرات والموارد الجديدة وخاصة في المسائل المعقدة .حيث أن الموارد التقنية والبشرية في أي منظمة منفردة غير كافية.
التحالف سينتج قيادة جديدة .فمثلما لكل مجموعة في التحالف قيادة فأن التحالف كذلك سيكون بحاجة إلى قيادة مما يفتح الباب أمام المتحالفين لإيجاد قيادة تقود التحالف .قيادة التحالف والتي هي بالطبع من داخل المجاميع المتحالفة سوف تعزز الجانب التنظيمي للمجاميع على المستويات الفردية والجماعية .
التحالف سوف يطور ويعزز من إمكانيات كل حليف. فألأرتباط في تحالف له معنى أخر وهو إن أعداد الأفراد الذين يتفهمون مفاهيمك وأفكارك قد ازداد وبالتالي ازداد عدد المدافعين عن موقفك .
التحالف سوف ينمي ويطور الموارد المتوفرة . ليست فقط الموارد الطبيعية والمالية سوف تنمو وتتطور ولكن الأمر سيمتد إلى تطور جانب المواصلات والعلاقات المهنية والعلاقات العامة.
التحالف سوف يسلط الأضواء على الحلفاء ويوسع مجال التغطية الإعلامية أكثر مما لو لم يكن هنالك تحالف
التحالف قد يشكل قاعدة قوية للتغيير .فالمجموعة المنضوية ضمن تحالف تستطيع المضي قدما في مشاريعها التغيرية مستمدة القوة من باقي مجاميع التحالف .
التحالفات الناجحة هي التي تنتج من تحالف أطراف لم يسبق لهم العمل سوية من قبل .لديهم خلفيات متنوعة ووجهات نظر مختلفة .لكنهم يجيدون فن التعامل فيما بينهم من خلال احترام اختلافات بعضهم البعض والسعي لإنجاز هدف مشترك.يعتمدون على إستراتيجية بناء الرأي لبناء رأي موحد اتجاه القضايا الخلافية فيما بينهم مما يجنبهم نقاط الخلاف التي تشتت إمكانياتهم .
سلبيات العمل في تحالف .
قد يندهش بعض أطراف التحالف من أفعال وتصرفات احد الأطراف وفي حالة حدوث مثل هذا الأمر فأنه سوف يدفع بجهود بناء التحالف إلى أن تكون اقل فعالية وقد يكون العمل برمته هشا.
وربما يرتكز التحالف على اضعف رابط يربط بين أطراف التحالف.فكل طرف في التحالف سيكون لديه مستويات مختلفة من الموارد الاقتصادية والتجارب إضافة إلى مشاكل داخلية مختلفة.فالأطراف التي تمتاز بقدرة عالية من الموارد والمهارات القيادية قد تصاب بالإحباط اتجاه عيوب الأطراف الأخرى.
وللحفاظ على التحالف, فأنه غالبا يتوجب على القائمين على التحالف الاهتمام بطرف ما أكثر من باقي الأطراف وعلى وجه الخصوص في مرحلة التفاوض.ولكنه قد يرافق هذه العملية الشعور بالغبن لدى الأطراف القوية أو ذات الموارد العالية وفي نفس الوقت فأن الأطراف الضعيفة قد تستشعر حاله من الضعف إزاء القوية ويبرز أمامها تحد أخر وهو عدم إمكانية مجاراة الأطراف القوية مما يزيد من حدة الصراع ويضعف الأمل في التوصل إلى اتفاق .
لذا فان ألنظام الديمقراطي المبني على أساس لكل طرف صوت قد لايون دائما مقبولا من قبل الأطراف ذات الموارد العالية.لذا يتحتم على التحالف أن يوضح بعناية طبيعة العلاقة التي تربط بين الأطراف القوية والضعيفة .ومن جانب أخر فان أطراف التحالف التي لا تحصل على ما يكفي من الضمانات لمساهمتها في التحالف قد يولد لديها شعور الشريك الخاسر .لذا فأن اتخاذ القرار بالانضمام إلى أي تحالف هو قرار عقلاني وانفعالي على حد سواء.الجانب العقلي يكمن في تقدير مدى الفائدة المرجوة من التحالف . وماهية الأضرار المتوقعة في حالة الانضمام إلى التحالف والعكس صحيح . أما بالنسبة للجانب الانفعالي .فأن المرء يجب آن يقرر فيما إذا كان راغبا بالتحالف مع شخص أو مجموعة ما وهل سيكون من السهل التعامل المستقبلي أوان المتاعب ستكون أكثر من الفائدة المتحققة.فعادة عندما يرغب شخصان أو مجموعتان في عقد تحالف ما فأن الهدف من وراء ذلك هو تحقيق مصالح الطرفين ولكن مستويات الفهم للمصالح والأساليب المتبعة في تحقيق المصالح والثقافة وطبيعة العلاقة يجب أن تؤخذ بنظر الاعتبار قبل القيام بأي خطوة.