ثارت دكتاتوريات.... فمن يثور على هذه الشعوب.؟-انس محمود الشيخ مظهر – دهوك
Sun, 26 Feb 2012 الساعة : 13:57

لم يشهد العالم في تاريخه المدون (على الاقل) ثورات مثلما شهدها العالم العربي باستثناء الثورة الفرنسية والى حد ما ثورة الشعب الايراني على الشاه , وقد اعقبت الثورة الفرنسية فوضى مشابهة تماما لما نشهد بوادرها في الدول العربية بعد نجاح ثوراتها في بعض الدول وما يتخوف منها في الدول التي لازالت ثوراتها قائمة .
ان التخوف من نتائج الثورات العربية هي تخوفات تكون مبالغ فيها احيانا ومفتعلة مع سبق اصرار وترصد في احيان اخرى , ومن الطبيعي ان تمر ثورات كهذه في فوضى متباينة بعد نجاحها فيما اذا اخذنا بنظر الاعتبار الظروف الزمانية والمكانية التي تفجرت فيها هذه الثورات .
نعم يجب الاعتراف بان هناك افكار ضبابية في الشارع العربي وافكار متطرفة دينية تهدد برجوع دكتاتوريات جمعية من نوع جديد للسلطة , وهناك تخوفات من صراع طائفي قد يجتاح المنطقة لعقود من الزمن , وايضا هناك تخوفات من ان تستغل هذه الثورات من قبل دول عظمى و تحرفها عن مسارها الى مسارات اخرى مرفوضة اساسا .
للرد على هذه التخوفات .......يجب علينا بداية ان نعترف ان الصراع الطائفي السياسي هو موجود في الشارع العربي سواء كان الصراع هذا ظاهرا على السطح ام متواريا بسبب سيطرة احد اطراف الصراع على مقاليد الحكم في دولة او الاخرى , ومحاولة اخفاء الصراع وعدم الاعتراف به لا يعني انه غير موجود . ومنذ نشوء الصراع الشيعي – السني (بشقيه الديني والسياسي) سواء كان هذا الصراع خافيا ام ظاهرا فقد كان من الاسباب الرئيسية في شق الصف الاسلامي والقومي بالنسبة للقوميات التي تتشارك فيه الطائفتين , واثبت التاريخ ان الانتماء الروحي العقائدي الديني او المذهبي هو اقوى من الانتماء القومي او الانتماء لأفكار علمانية .
وعندما يكون هناك فريقين لا يستطيعان ان يتقاربا طوال اربع عشر قرنا رغم كل محاولات التقارب بينهما فلا اتصور انهما قادران على التقارب في هكذا ظروف متوترة من الاستقطاب الطائفي في المنطقة . وهنا لا ضير من تبني فكرة الفوضى الخلاقة التي طالما تبنتها امريكا لمصالح تؤمن بها وعكسها على الوضع السياسي في منطقتنا وجعل الصراع الطائفي هذا طافيا على السطح والاستعجال به للوصول الى نتائج معينه أيا ما كانت هذه النتائج ولصالح من تكون للتخلص من هذا المستنقع الراكد الذي وقع فيه المسلمين لمئات من السنين وتسببت في استنزاف قوتهم والتعسكر حول هذه الانتماءات ,وعلى الرغم من ان هكذا صراع سوف يؤدي الى وقوع ضحايا كثيرة لكنها بالمؤكد سوف تصل لنتيجة لن تكون اكثر سوءا من لو فيما اذا بقي هذا الصراع خفيا ولم يحصل تصادم حقيقي بين المجموعتين بما ان التقارب بين هذين الفكرين اصبح شيئا اشبه بالمستحيل , وهنا يمكن ان ينتقدني الكثيرين باعتباري ادعو للصراع هذا ولكن لا بد مما ليس منه بد ويجب الانتهاء من الدوران في الحلقة المفرغة هذه فان كان الصدام فلنسارع الخطى اليه لاختزال فترة الفوضى والركود . ومن هذا المنطلق فلا داعي للبكاء على اطلال الانظمة العربية الدكتاتورية والتشبث بها بحجة ان القادم يعني صدام مذهبي معين .
اما انتقاد الثورات هذه ووصفها بالعمالة لاستنجادها بدول خارجية ومحاولة تخوينها ......فهي انتقادات غير منصفة كون ان الثورة الوحيدة التي استعانت بالغرب هي الثورة الليبية وهذا حصل بعد ان استعمل نظام القذافي ضدها شتى انواع الاسلحة والتي لم تجعل للشعب الاعزل الليبي أي مجال الا ان يختار بين ابادته وبين ان يستنجد بقوى خارج ليبيا ولم يكن لديه خيار سوى الاستعانة بدول غربية كون الدول العربية وجامعتها غير قادرتين على القيام بهكذا دور , ومن المتوقع ان يتكرر السيناريو الليبي في سوريا ايضا , وعلى الرغم من ذلك فالثورة التونسية والمصرية واليمنية بقيت سلمية غير مسلحة , فان كانت العمالة هو بان تستنجد بجيوش اجنبية من اجل ان لا تباد كشعب فنعم العمالة هذه . اضافة الى ان لا احد يستطيع ان ينكر بان الحكومات الدكتاتورية التي جثمت على صدور شعوبها طوال هذه العقود لم تكن لتصمد امام شعوبها لو لم تكن ضالعة هي نفسها في العمالة لهذه الدولة او تلك وحقيقة من المضحك ان يصف نظام نشأ على العمالة للغير شعبا بكامله بانه عميل لهذه الدولة او تلك .
والتخوف الثالث متعلق باستثمار هذه الثورات من قبل حركات اسلامية متطرفة من الممكن ان تسيطر على الحكم وتؤسس لنوعية جديدة من الدكتاتوريات...... وهي تخوفات يمكن تفهمها ولها ما يبررها , حيث ان قمع الانظمة الدكتاتورية السابقة قد نتج عنه افكار متطرفة كرد فعل طبيعي على ممارسات هذه الانظمة لان الظروف الغير صحية تكون الولادات فيها غير طبيعية ومشوهة وبذلك ولدت افكار سياسية مشوهة , والمشكلة ان بعض هذه الحركات تطرفت بشكل من الصعب كثيرا لها ان تمتزج وبسلاسة مع الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المحيطة بالدول العربية هذه , فمعظم الحركات السلفية الحالية لا تؤمن بالديمقراطية كمبدأ لها في ادارة شئون الدولة وتتخذ من الديمقراطية سبيلا الى ان تصل للسلطة فقط وبعد ذلك فلا اسهل من ان تضرب بكل العملية السياسية عرض الحائط وتتربع على السلطة مبررين هذا التصرف كونها اوامر الهية باعتبار (ان الحكم الا لله) , ومثلما قلت قد يكون هذا التخوف حقيقيا ولكن اذا حصل هذا الامر فلن يطول كثيرا , فالتعامل السياسي الفعلي مع قوانين سياسية موجودة في العالم اليوم يختلف عن التعامل معها بشكل نظري عندما تكون في المعارضة ولا اشك بان هذه الحركات السلفية التي تتخذ مواقف متطرفة في الكثير من القضايا حاليا سوف تصقلها التجربة السياسية في السلطة وسيندمجون تماما فيما يسمى بفقه ( الواقع) حتى لو اقتضى هذا التغير سنين عديدة او ضحايا بشكل او باخر .
اخيرا اريد القول بان محاولات البعض من التقليل من شان هذه الثورات لن تصل لغاياتها كما يأملون منها لان حتى وان كانت هذه التخوفات بحسن نية فيجب علينا ان لا ننسى ان الثورات الحالية يحميها شعوب وقفوا بوجه طغاة لم يعرف التاريخ شبيها لهم وهم قادرين على حماية هذه الثورات وبشكل يمنع ان تلكؤ او أي انحراف في مسيرة الثورات هذه .
انس محمود الشيخ مظهر – دهوك
24 –2 -2012
كردستان العراق – دهوك
[email protected]