قراءة في مناخ العربي القادم ..مصطفى العمري

Wed, 22 Feb 2012 الساعة : 10:26

تحتاج الثورة عادةً الى فلسفة خاصة بها لكي تقنن حركتها وتدير شؤونها وتلبي بعضاً من مطالب الجماهير الغاضبة وتصّعد من هتافاتهم اللاهبة , الثورة تحتاج الى فكرة  ومفكر لكي يقود لجام الجماهير المحتشدة و المنتشرة في جغرافية ونطاق الثورة لئلا تخرج تلك الجماهير غير الواعية في بعض الاحيان عن السلوكيات و النظم المقررة لها , فتحتاج الى مرشد فلسفي واقعي في قيادتها , ولذلك يقول ( جوستاف لوبون ) الجماهير في حالة احتشادها وانفعالها واندفاعها وغضبها بأنها "أبعد ما تكون عن التفكير العقلاني المنطقي وكما أن روح الفرد تخضع لتحريضات المنوم المغناطيسي الذي يجعل شخصا ما يغطس في النوم فإن روح الجماهير تخضع لتحريضات وإيعازات أحد المحركين أو القادة الذي يعرف كيف يفرض إرادته عليها .  هنا نرجع قليلاً الى بداية الربيع العربي و الذي انبثق من تونس هل كان ذلك الربيع أو تلك الثورة على نهج أو فلسفة واضحة ؟ وقيادة ميدانية تعالج و تتعامل مع الثائرين ؟ هل كانت فكرة الثورة مبنية على قواعد وأساسات لكي تنطلق في الوقت المحدد لها ؟

أم أنها أتت عفوية وببساطة بعد حرق البوعزيزي لنفسه ؟ أسئلة ربما يستطيع المتابع للأحداث أن يجيب عليها .

انني أود التركيز على ثلاث نقاط في هذا الموضوع ومن هذه النقاط ما رأيناه ومنها ما لم نره بعد ولا اريد ان أكون عرافاً بقدر أن أكون قارئا ً للحدث من خلال مجريات سبقته واحداث و وقائع شابهته  .

1 – انقلاب الربيع العربي من السلم الى السلاح :

البداية كانت بهتافات وصيحات و صرخات إستنكار لما حصل مع البو عزيزي , فتجمعت الناس تعاطفا ً مع الحادثة و متنفسا ً لضغط كبل كل حركة التونسيين فهاجت الجماهير دون أن تطلق رصاصة .

 

ثم تحركت الانتفاضة المصرية و بسواعد الشباب حافظوا على قدر كبير من الامن و ممتلكات الدولة , على الرغم ان ما اريد للمصرين ان يقوموا به هو الحرب فيما بينهم حرب الدين و المذهب , و لأن الشباب هم من قاد تلك الانتفاضة فداس على تلك الشعارات التي تدعوا للقتل و للتفرقة ومضى حثيثا ً الى حيث الرئيس فأسقطه .

 

المشهد الليبي اختلف اختلافا ً جذرياً فولدت انتفاضته وهي تحمل مدفع وتنجب صاروخ و تزغرد طلقات لتنفجر في عز الانفجار , فتحول الربيع العربي الى لهب ونيران وطائرات فتغير الخط العام للربيع من كونه سلمي مسالم يعتمد الهتافات و الخطابات انحرف الى حرب بكل معنى كلمة الحرب . بالتأكيد بدأ العالم يخطط للربيع العربي منذ انطلاقته لكن في ليبيا كانت الخطوات مدروسة بجد و الامور مهيئة بعناية , ساعد على ذلك دهماء العامة من الليبيين , لأغراض سيجنى قطافها فيما بعد بعض دول العالم .

 

2- سيطرة الإسلاميين :

تخفت بعض القوى الاسلامية في بداية مرحلة الانتفاضة , فيما ذهب بعض الاسلاميين المتشددين الى الوقوف مع الحاكم كما حصل في مصر , لكنهم ما أن رأوا الاطاحة بتلك الزعامات الرئاسية حتى غيروا بوصلة الدعاء و أحاديث الثناء لصالح المنتفضين ! ولأن الشارع العربي متعطش بالفطرة الى الدين دون أن يعرف شيئا ً عنه ,  صار ينجذب وبقوة الى تلك الزعامات المتلبسة بلبوس الدين , والمتمظهرة بكل أناقة الرجل المتدين ما قبل التأريخ من حيث اللحية الطويلة والثوب القصير والحرص على عدم النظر الى مذيعة تلتقي أحدهم فلم يرمقها بعينه لأنه يرى ذلك حراماً بالوقت الذي يريد ان يخرج من على شاشة التلفاز لكي يمسرح نفسه أمام الدهماء من الناس , ويقف اخر ليؤذن بمجلس الشعب وامام البرلمانيين و الاعلاميين والناس اجمعين ويحتج بكل وقاحة على من قاطعه وهو يؤدي السيناريو والحوار بشكل آذان ! . بهذه الطريقة حاول الاسلاميون جحفلة الناس العوام وسحبهم الى خنادق مظلمة متعفنة و سينبئنا القادم بما هو أمر  . في هذه المرحلة غاب دور الشباب المحرض الاساسي للانتفاضة واضمحل نشاطهم في توعية الامة وتثقيفها , فتغيرت معالم الانتفاضة             

من شباب متحمس متطلع الى غدٍ افضل لسياسة ليس فيها اقصاء و إدناء تغيرت الى مظاهر للحى وخطابات تعود الى عهد قريش .

 

3- حكم الاسلاميين :

أعتقد ان العالم الغربي اليوم راغب في استلام الاسلاميين الحكم في البلاد العربية لأن الغربيين درسوا المجتمعات العربية فوجدوها دائماً ما تبحث عن الممنوع وبما ان الحركات الاسلامية كانت ممنوعة من ممارسة نشاطاتها توجهت لها انظار الناس على أنها الممثل الحقيقي لشرع الله في الارض , أيقنت الدول العظمى ان الشارع العربي يحتقن غضبا ً من هؤلاء الرؤساء , ويريد الاسلاميين وهو سيلبي لهم هذا المطلب , وسيكون الاسلاميون هم الزعماء القادمين , لكن الدول العظمى تعلم علم اليقين أن بإستلام الاسلاميين السلطة ستحدث كوارث و معارك و تسونوميات تهز المنطقة العربية بالكامل , وسيبقى الحال الى سنوات عدة بعدها سينكشف زيف المزيفين لكنه سينكشف بعدما تزهق الارواح و تحرق الديار وتتغير ديمغرافية البلاد .

أعتقد أن الاسلام السياسي سيفشل فشلا ً ذريعا ً وسيفقد خواصه و المقربين منه لأنه لا يريد أن يجاري الحاضر بل يريد ان يدفع بالحاضر الى الماضي , لا يملك الاسلام السياسي اي قواعد و أساسات لمرحلة قيادة الدولة , لكنه يملك الخطابات التي تهيج الناس على الدولة , وبما اننا مسلمون نرى ان الاسلام الدولة إنتقاصا ً من الاسلام الدين وعبئا ً عليه , لأن الإسلام كما امر الله دين وعقيدة وليس حكماً وسيفاً وقتلاً .

ونعيد السؤال ذاته الذي سأله المغدور فرج فودة ( ما داموا قد رفعوا شعار الدولة الإسلامية وانتشر أنصارهم بين الاحزاب السياسية يدعون لدولة دينية يحكمها الإسلام , فلماذا لا يقدموا الينا برنامجاً سياسياً للحكم ؟)

 

سيُحرن الإسلام السياسي عند نصوص تأريخية لا يستطيع أن يفلت من هيمنتها وستجره تلك النصوص الى حيث المحذور منه من تجريم الناس وظلم الرعية , وبما أننا نملك اكثر من مدرسة لتخريج النصوص فستكون الكارثية القادمة أكثر إيلاما ً , وستندلع الفتن بين أصحاب تلك النصوص لأن كل مذهب يدعي أنه الأولى بالحق من غيره , فتنفجر النصوص الدينية لتمزق أجساد الأبرياء وتشرد الفقراء .

 

الخلاصة :

 

لم يسمح العالم الغربي للإسلاميين أن يحكموا إلا لأنه على يقين أن الإسلاميين ليس لديهم رؤيا نحو المستقبل , بالوقت الذي أيقن أن الشارع العام راغبٌ بحكم الإسلاميين , وبما أن هذا الشارع هو من الدهماء العامة لن يستفيق إلا بعد جلده الف جلدة ليدرك أن قراره كان خاطئاً في إختياره , أوعز العقل الغربي للإسلاميين أن يحكموا , وبالفعل هم قادمون بكل قوة للحكم لكنهم سيشعلونها حرباً بين المذاهب والأديان والقوميات حرباً ستحرق الشيعة بالسنة والاكراد بالعرب والمسيحيين بالمسلمين والمثقفين بالجهلاء . أخشى أن يتحول هذا الربيع الذي تعاملنا معه بكل صدق ودعونا له بإخلاص وراقبنا أحداثه بكل تفاصيلها  أن يتحول الى خريف يسقط كل أوراق الأمل ويقتلع كل أشجار التضحية التي قدمها الشباب الواعي ويمنع كل منافذ الأوكسجين الإلهي أن يصل الى الناس حتى يموتوا خنقا ً وكمدا ً والعياذ بالله  .

 

مصطفى العمري

[email protected]  

Share |