ثرثرة على الطريق/رزاق الخفاجي

Tue, 21 Feb 2012 الساعة : 16:41

تلمست الحافلة الصغيرة طريقها بعد خروجها من المرآب باتجاه البصرة , حمدل احد الركاب ’ بسمل آخر , وقرأ ثالث سورة الفاتحة تسهيلا للامور , السيارة تنهب الطريق بسرعة فائقة , في المقاعد الخلفية احد الركاب منشغل بتلبية طلبات ابنه الصغير ذو السنتين والتي لا تنتهي مما اثار امتعاض بعض الركاب ولامه البعض الاخر على اصطحابه له في هذه الرحلة , لكنه كان يتضرع بأسباب واهية مما اثار السخرية وقال احدهم متهكما ( ان هي الا اوامر الداخلية ) .. في هذه الآثناء طلب مسافر آخر من السائق ان يخفف من سرعة المركبة كي لا يقع في المحذور , طلب ذلك بعد ان انهى مكالمة على جواله كان يطاب خلالها بجد واهتمام كبيرين الأسراع في اخراج سيارة من مركز الشرطة , وقد حوقل مرات عديدة بعد المكالمة تلك مما اثار فضولنا , فسأله ذلك الذي يجلس الى جانبه عن الأمر , فلخص الرجل القضية بأن لديه سيارة (لوري) يقودها سائق من اقاربه قد اصطدمت مع حافلة للركاب على طيق السماوة فأودى الحادث الى وفاة شخصين وجرح آخرين فسجن السائق واحتجزت السيارة , الحادث كان بسبب الطريق الرديئة وكثرة المطبات فيها وقد زهقت بسبب ذلك ارواح العشرات من مستخدمي هذه الطريق .. فأبدى الركاب اسفهم عاى ما جرى وأنحوا باللائمة على الحكومة التي لا تكترث لأرواح الناس التي تزهق كل يوم بسبب الطرق ... تململ الرجل الذي يجلس في المقدمة في جلسته ومسح على صلعته وهو يردد (الى متى با عراق , الى متى المعاناة ) ثم التفت وقال ( والله ياجماعة الخير ليست القضية قضية طريق او بناء جسر او ماشابه ذلك انما هي مسألة ثقة فقدت من السياسيين وأرادة مسحت من قاموس القادة وباتوا لايعملون من اجل البلدبقدر ما يعملون من اجل مصالحهم , ماذنب الشعب العراقي كي يكون هكذا , لست بافضل منكم لكن مأساتي تفوق التصور , لقد عدت لتوي من الهند بعد ان اجريت عملية جراحية لولدي هناك حيث ازالوا ورما سرطانيا في دماغه بعد ان اجريتها في العراق وفشلت ودفعت في العمليتين الملايين وقد بعت كل شئ , لماذا ؟ لأن الناس تتقدم في كل شئ ونحن نعود الى الوراء , ومن الطريف في الأمر ان الطبيب الهندي الذي اجرى العملية اخبرني بأنه قد تتلمذ على يدالأطباء العراقيين في سبعينيات القرن الماضي , الا يدعو ذلك الى السخرية ) قال راكب وهو يداعب حبات مسبحته السوداء (هكذا هو بول البعير ) .. فخرج راكب في الستين من عمره من صمته وقال ( لقد اصبت كبد الحقيقة بوصفك للوضع ببول البعير , فقد كنت في اواخر الستينات طالبا في المرحلة المتوسطة وكنا ندخل الى المختبر حيث يقوم مدرس الأحياء بتشريح بعض الحيوانات كالأرانب ليرينا كيف تعمل اجهزتها كذلك مدرس الكيمياء والفيزياء , اما اليوم فقد باتت المختبرات صفوفا للدراسة النظرية فقط ولأستيعاب الأعداد الهائلة من الطلاب , وهكذا يتخرج الطالب من الكلية دون ان يرى تجربة في الكيمياء او الأحياء او الفيزياء ) ... تململ والد الطفل واعتدل في جلسته وقال ( على رسلكم ياجماعة لايمكن ان يتبدل كل شئ بين ليلة وضحاها لأن التركة ثقيلة جدا ولم يمر بلد في العالم مثلما مر به العراق فآثار الحروب وويلاتها والحصار المقيت وجراحه الدامية تظافرت جميعا لتجعل من البلد شيئا مختلفا, مات الألاف من ابناءه ودمرت بناه التحتية وتغيرت اخلاقه , فلاعجب ان تجد ونتيجة لهذه الظروف القاسيةفقدان الثقة بين السياسيين الحاليين فكانت الصراعات التي اوغرتها المصالح الأقليمية تلك الصراعات التي ادت الى ان يخوض العراق معركة وجوده وسوف ينتصر ويتغلب على تلك المعوقات ويلتفت الى بناء نفسه عندما يمسك الشرفاء زمام الأمور , فأما الزبد فيذهب جفاء واما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ) وهنا وجدت نفسي مناديا على السائق ان يتوقف لأني وصلت الى حي الخليج الذي اروم الوصول اليه ....

 

Share |