الحقول المشتركة.. إيران تنتج 68 الف برميل يوميا منفردة والعراق يطمئن بأن ذلك مجرد زوبعة إعلامية

Sat, 18 Feb 2012 الساعة : 9:51

وكالات:

يمثل ملف الحقول النفطية المشتركة بين العراق وايران إحدى صور التعقيد في العلاقة بين الطرفين التي لم تأخذ جانبا وديا منذ مطلع القرن العشرين.. لكن استمرار الازمات في هذا الملف حتى إلى ما بعد سقوط نظام صدام يشير بحسب مراقبين إلى مسألة عدم توازن في العلاقة بين البلدين خاصة مع وصول أصدقاء لطهران الى السلطة في العراق منذ العام 2003.

وتحاول الحكومة العراقية منذ التغيير في العراق حل المسائل العالقة مع الجوار ومنها الحقول المشتركة عبر الحوار واللجان الفنية المشتركة وفقا للأعراف الدولية، إلا ان هذه اللجان غالبا ما يكون عملها معطلا أو مؤجلا أو تكون تقاريرها كما يؤكد سياسيون ومراقبون عرضة لمواقف سياسية حكومية، تكون قاسية وغير مرنة إذا تعلق الأمر بالسعودية أو الكويت، و"مجاملة جدا وغير واضحة" حينما تتعلق بإيران، التي تجاهر علنا بأنها تنتج النفط من الحقول المشتركة مع العراق بمعدل 130 الف برميل يوميا وتحاول انتاج المزيد منه، وتؤكد في الوقت نفسه أنها لا تحاول سبق العراق على نفط هذه الحقول، باعتبار أن العراق لم يستطع حتى الآن تطوير الكثير من تلك الحقول وجعلها منتجة.

ويعتبر هؤلاء أن سياسة المجاملة التي تتبعها الحكومة تشجع إيران على الاستمرار بسياسة عدم التوازن في العلاقة مع العراق، و"تشرعن" تجاوزاتها وغيرها من تجاوزات الدول المجاورة، مؤكدين أنه حتى سقوط النظام السابق لم يكن يسمع عن "حقول نفطية مشتركة" مع دول الجوار.

الحقول مشتركه "بدعة" جديدة لشرعنة التجاوز على العراق
وتلقى فكرة تقاسم الثروات في الحقول المشتركة مع دول الجوار رفضا قاطعا من قبل بعض النواب الذي يعتبرون تسمية الحقول المشتركة "بدعة" ابتدعتها الكويت وإيران لفرض سياسة الامر الواقع على العراق والاستحواذ على خزينه النفطي في الحقول الممتدة على طول الحدود.

وتقول النائبة عن القائمة العراقية عالية نصيف جاسم في حديث لـ"السومرية نيوز" ان "ثقافة الابار المشتركة تعد ثقافة جديدة لم يسمع بها ابناء الشعب العراقي من قبل سواء مع ايران او الكويت او السعودية".

وتوضح نصيف بالقول "تسمية الحقول المشتركة ظهرت بعد سقوط نظام صدام حسين نتيجة التمدد الخارجي داخل العراق واستحواذه على بعض المناطق الحدودية ومن ضمنها حقول النفط"، وتبين ان "دعوة ايران للحوار بشأن الحقول المشتركة مع العراق وترسيم الحدود هي محاولة لإعطاء الشرعية لهذا الاستحواذ".

وتعترف إيران عبر تصريحات يطلقها مسؤولوها النفطيون أن أنتاجها من الحقول النفطية المشتركة مع العراق يبلغ حاليا اكثر من 130 الف برميل يوميا، وتؤكد أن 68 الف منها يتم انتاجه في حقول لم يتمكن العراق من تطويرها حتى الآن، وتلفت إلى أنها تستعد لتنفيذ المزيد من أعمال الحفر في تلك الآبار خلال الفترة القليلة المقبلة، لكنها تؤكد وتطمئن بأنها لا تريد سبق العراق من خلال استثماراتها.   

وتعلق النائبة نصيف على المشاريع الإيرانية بالقول "على الحكومة العراقية عدم اعطاء شرعية لهذه القضية من خلال رفض اي الية لاستثمار الدول المجاورة في هذه الحقول"، وتضيف أنه بخلاف ذلك فإن الأمر يعني "سرقة شرعية للنفط العراقي".

نواب: الحكومة لا تمتلك استراتيجية ولا تخطيطا
وبالنسبة للجنة الطاقة البرلمانية فإن عدم حسم موضوع الحقول المشتركة واستثمارها من قبل دول الجوار يتعلق أيضا بأسباب تقنية تتمثل بغياب الاستراتيجية والتخطيط لدى الحكومة العراقية والتعتيم على المعلومات من قبل وزارة النفط.

ويقول عضو لجنة الطاقة الغاز عدي عواد إن "الحكومة لا تمتلك حتى الآن استراتيجية واضحة بشأن استثمار وحسم موضوع الحقول المشتركة مع دول الجوار"، ويوضح أن "غياب الإستراتيجية وانعدام التخطيط يشجع البلدان التي لدينا حقول مشتركة معها على استثمارها، فهي لا يمكن أن تنتظر".

ويلفت عواد في حديث لـ"السومرية نيوز" إلى أن غياب الاستراتيجية لا يتعلق فقط بمصير الحقول المشتركة مع ايران إنما "ايضا مع الكويت والبلدان المجاورة الأخرى"، ويبين أن المشاكل مع ايران "لسيت كبيرة لوجود لجان مشتركة"، مؤكدا أن "المشكلة أكبر مع الكويت التي استثمرت هذه الحقول وبدأت بالحفر المائل".

ويعترف عواد أن لجنة الطاقة البرلمانية "تعاني من صعوبة الحصول على المعلومات من وزارة النفط، بشأن قضايا الحقول المشتركة"، ويصفها بـ"الوزارة المغلقة"، داعيا الحكومة الى "إحصاء" هذه الحقول و"التفاوض" مع الدول المجاورة بشأنها.

ويؤيد التحالف الكردستاني ما ذهبت اليه لجنة الطاقة البرلمانية بشأن افتقار العراق لاستراتيجية واضحة لإدارة هذا الملف، ويؤكد ضرورة "ايجاد بروتوكولات" لتحديد حصة العراق من الحقول المشتركة.

ويقول القيادي في التحالف محمود عثمان في حديث لـ"السومرية نيوز" إن "ايجاد مثل هذا البرتكولات سواء مع ايران او الكويت سيساهم بحل مشكلة الحقول المشتركة بشكل دقيق ويحدد آلية اقتسام النفط وكيفية استثمارها"، لكنه يضيف أن "الحكومة مقصرة في هذا المجال"، محملا إياها "مسؤولية التأخير" في حل هذه القضية المثارة منذ سنوات.

النفط: لن نقبل بالتجاوز على حقولنا وسنحلها وفقا للأعراف الدولية
وتؤكد وزارة النفط العراقية أنها لن تتساهل مع أي تجاوز على العراق، وتشدد على ضرورة حل مسألة الحقول المشتركة "وفقاً للأعراف الدولية"، معتبرة أن حفر واستثمار تلك الحقول من طرف واحد له أضرار كبيرة.

ويقول الناطق باسم الوزارة عاصم جهاد إن "اللجان العراقية الإيرانية المشتركة تجري اجتماعات دورية وتوصلت إلى نتائج متقدمة بخصوص الاستثمار الأمثل للحقول"، ويوضح أن "ذلك سيكون عن طريق إما اختيار شركة مشتركة أو طرف ثالث لاختيار شركة تقوم بعملية الاستثمار واستخراج النفط"، مشيراً إلى أن "الحصص النفطية من الحقول ستوزع بالتساوي وحسب امتدادات الحقل في أراضي كل دولة".

ويعتبر جهاد أن "لجوء أي بلد بصورة انفرادية لحفر آبار في أي حقل مشترك وبشكل تنافسي سيؤدي إلى حدوث نوع من الانخفاض بالضغط في الحقل وبالتالي سيتضرر البلدان"، لافتاً إلى أن"الحل الأمثل هو الاستثمار المشترك للحقول وبالشكل الذي يضمن عدم التجاوز".

ويؤكد جهاد  أن "العراق لا يقبل بالتجاوز على ثرواته النفطية ولو ببرميل نفط واحد، كما أن الطرف الأخر لا يقبل التجاوز أيضا على ثرواته".

الحكومة: استثمارات إيران في الحقول المشتركة إعلامية
وتقلل الحكومة العراقية من المخاوف المتعلقة باستثمار الحقول النفطية المشتركة من قبل دول الجوار وخاصة إيران، وتعتبر ان الموضوع برمته إثارة إعلامية، مؤكدة أن العراق لا يملك أي معلومات بشأن استثمار إيران لواحد من الحقول النفطية المشتركة.

ويقول المتحدث باسم الحكومة علي الدباغ في حديث لـ"السومرية نيوز"، إن "العراق لا يملك معلومات فنية مؤكدة تشير إلى أن إيران تستثمر واحد من الحقول النفطية المشتركة".

وكانت شركة الهندسة والتنمية النفطية التابعة لشركة النفط الوطنية الإيرانية أعلنت أنها وقعت، في (7 شباط 2012)، عقداً بنحو ربع مليار دولار مع شركة دانة للبترول المحلية لتطوير حقل شنغلي النفطي المشترك مع العراق، وذكرت وكالات رسمية إيرانية أن إيران تنتج نحو 68 ألف برميل من النفط الخام في اليوم في أربعة حقول مشتركة مع العراق، هي دهلران ونفط شهر وبيدر غرب وأبان، ونقلت تلك الوكالات عن المدير التنفيذي لشركة النفط للمناطق المركزية الايرانية مهدي فكور قوله إن عمليات الحفر جارية حالياً في ثمانية مواقع ضمن عدد من الحقول المشتركة بين إيران والعراق، وإن النتائج مرضية.

ويعلق الدباغ على الاستثمارات الإيرانية قائلا "هذا الموضوع يتداوله الإعلام فقط"، ويؤكد أن "العراق يتبادل المعلومات بشأن هذه الحقول باستمرار مع الجانبين الإيراني والكويتي"، مشددا على انه "لا يمكن لأي دولة الاستثمار بتلك الحقول بشكل منفرد، كون هذا الأمر يعد شرعة دولية".

وبحسب دراسة أجرتها شركة النفط الوطنية الإيرانية في اواخر تموز من العام 2011 فإن احتياطي الحقول النفطية المشتركة مع العراق يبلغ نحو 95 مليار برميل، وسبق لوزير النفط الإيراني رستم قاسمي أن طالب في تموز 2011 حكومته بوضع خطط لتطوير الحقول النفطية على الحدود مع العراق، وبين أن البنى التحتية لتلك الحقول تحتاج إلى أكثر من 50 مليار دولار لتحقيق خطة إيران الاقتصادية للسنوات العشرين المقبلة، كما شدد على ضرورة رفع إنتاج بلاده النفطي في الحقول المشتركة مع العراق إلى 5.2 مليون برميل يومياً مع نهاية خطة التطوير الخامسة عام 2015.

ويدعو المتحدث باسم الحكومة إلى استثمار الحقول المشتركة "عبر توقيع اتفاقية" بين الدول المشتركة بالحقول النفطية تسمى بـ"اتفاقية التوحيد"، لافتا إلى أن "وزارة النفط لديها خطة بهذا المجال لكن تنفيذها مرتبط بالاطراف الأخرى".

ويوضح الدباغ ان "الحكومة تنتظر موافقة الأطراف تلك على الجلوس والاتفاق للاستثمار المشترك في تلك الحقول"، مبينا أن "العراق طالب في وقت سابق بضرورة حل مسألة استثمار تلك الحقول بصورة مشتركة، لأنه حريص على حفظ مصالحه ومصالح شعبه".

مراقبون: سياسة إيران مضرة جدا والحكومة تتسامح مع التجاوزات
لكن توجه الحكومة العراقية للتقليل من المخاوف بشأن ضخ إيران لنفط العراق من الحقول المشتركة واعتبار الموضوع مجرد إثارة إعلامية، لا يمكن بحسب مراقبين إلا ان يوضع في خانة سياسة "التسامح" التي تمارسها الحكومة العراقية تجاه "التدخلات والتجاوزات الايرانية" في العراق وعلى جميع الأصعدة.

 ويقول الكاتب والمحلل السياسي ضياء الشكرجي ان "الحكومة العراقية منذ سنوات متسامحة مع التدخلات والتجاوزات الايرانية على جميع الأصعدة ان كان فيما يتعلق بحقول النفط او المياه وغيرها من الملفات".

ويضيف الشكرجي في حديث لـ"السومرية نيوز" "لدى ايران ممارسات كثيرة مضرة على عملية التحول الديمقراطي وعلى الاقتصاد والامن العراقي وهذا واضح جدا"، ويتابع منتقدا "فقدنا الثقة بتصريحات الحكومة العراقية لأن بعضها ينطلق من دوافع غير وطنية ذات صبغة طائفية او حزبية على حساب مصلحة الوطن".

ويتابع الشكرجي "إننا نشكك بتصريحات الحكومة بشأن قضية إيران وغيرها خصوصا ان مصلحة الشيعة او إيران او الحزب تكاد تطغى على مصلحة العراق".

ويلفت الشكرجي إلى ان موقف الحكومة العراقية "ينطبق على مؤيديها من الاحزاب الشيعية وعلى  معارضيها من القوى السنية فالاولى تتسامح مع ايران والاخرى ترفض وتتسامح مع السعودية"، ويؤكد ان "هذه الجهات غير مؤهلة لبناء الدولة"، معتبرا ان تصرفات تلك الجهات تدل على "تخلف سياسي".

مختصون: العراق الوحيد الذي لم يعالج مسألة حقوله المشتركة
ويدعو خبراء ومختصون في الشأن النفطي الى التحرك السريع لحل هذه قضية الحقول المشتركة ويعتبرون أن موقف الحكومة منها لايزال دون مستوى الطموح.

ويقول وزير النفط السابق ابراهيم بحر العلوم وهو خبير في المجال ان "العراق هو البلد الوحيد الذي لم يعالج لحد الآن مشاكل الحقول النفطية المشتركة بشكل جدي يتناسب مع الاعراف الدولية في الصناعة النفطية".

ويضيف بحر العلوم في حديث لـ"السومرية نيوز" أن "معظم الدول التي تمتلك حقول نفطية مشتركة، تسعى اليوم ومن خلال الاستعانة بطرف ثالث لادارة هذه الحقول بما يحقق مصالحها"، ويضيف انه بخلاف ذلك فإن المشكلة "ستستمر"، موضحا ان "وزارة النفط شكلت منذ زمن لجان فنينة لمعاجة هذه الملفات العالقة، لكن لحد الان لم يظهر شيء مهم بهذا الصدد".

ويؤكد بحر العلوم أن "التوصل الى اتفاقيات مشتركة أصبح ليس بالأمر العسير"، ويؤكد أن كل ما تحتاجه تلك الاتفاقيات "هو الاهتمام من الطرفين".

ويدعو بحر العلوم الحكومة العراقية الى ان "تضع قضية الحقول المشتركة ضمن اولوياتها بدلا من لوم دول الجوار على استثمارها بشكل منفرد"، مشددا على أنه "ليس هناك مبرر لعدم تطوير الحقول المشتركة من الجانب العراقي".

من جانبه، يقول أستاذ هندسة النفط في جامعة بغداد محمد صالح الجواد ان "استغلال اي طرف للنفط بشكل منفرد في الحقول المشتركة سيؤثر على الطرف الآخر" مبينا ان "استغلال إيران للحقول النفطية ستحرم العراق من النفط الموجود في هذه الحقول".

ويضيف الجواد في حديث لـ"السومرية نيوز" أن "القانون الدولي لا يسمح لأي دولة باستغلال الطرف الاخر ولكنه بنفس الوقت لا يمنع أي دولة لديها حقول مشتركة مع دول اخرى من استغلال ثرواتها الطبيعية".

 ويعتبر الجواد أن "الحل الوحيد لمشكلة الحقول النفطية هو باتفاق الطرفين مع طرف ثالث يتمثل بإحدى الشركات العالمية المختصة لتقييم الحقل وتحديد حصة كل طرف وفقا لآليات دقيقة".

ويوجد في العراق 24 حقلاً نفطياً مشتركاً مع إيران والكويت وسوريا، من بينها 15 حقلاً منتجاً والأخرى غير مستغلة، وأبرز تلك الحقول سفوان والرميلة والزبير مع الكويت، ومجنون وأبو غرب وبزركان والفكه ونفط خانه مع إيران.

وكشفت عمليات التنقيب التي قامت بها شركة النفط الوطنية الايرانية أن العراق يمتلكان 12 حقلاً مشتركاً تحوي احتياطيا يصل إلى أكثر من 95 مليار برميل وهو أكبر احتياطي للمواد الهيدروكربونية في موقع واحد بالشرق الأوسط ، وتؤكد الشركة أنها تقوم حالياً باستخراج نحو 130 ألف برميل يومياً من النفط من هذه الحقول، 68 الف برميل منها تستخرج من حقول لم يطورها العراق حتى الآن.

ويؤكد خبراء نفطيون أن مساحات بسيطة نسبياً من تلك الحقول تقع خارج الأراضي العراقية، لكن العراق أضعف من جيرانه تكنولوجيا ومالياً في استغلال المكامن النفطية المشتركة، خاصة وأنه لم يتوصل حتى الآن إلى عقد اتفاقيات مشتركة مع إيران والكويت بشأن استغلال تلك المكامن، لأسباب منها عدم حسم مشاكل ترسيم الحدود معهما.

المصدر:السومرية نيوز

Share |