أنا وراديو اليابان الدولي – ج 13-سليم السراي

Tue, 14 Feb 2012 الساعة : 12:33

إذا رأيتك تضحك سأشعر أنا أيضا بالرغبة في الضحك
إذا رأيتك تبكي أنا أيضا سأبكي
ألا يمكن أن نضع الوجه العابس والكلام الصعب جانبا
ونضحك
اللغة المشتركة في هذا العالم
ليست في رأيي الانجليزية وإنما الوجه الباسم
لا فرق في ذلك بين الصغار والكبار
أو بين الرجال والنساء
هل أنت مستمتع في هذه اللحظة ؟
هل تستطيع بكل ثقة أن تقول إنك سعيد ؟
هذا هو كل ما يهم في هذه الدنيا
وكل ما يهمني وأنا أغني بجانبك هذه الأغنية
( فوكوواراي " الضحكة التي تجلب السعادة " كلمات يو تاكاهاشي )
تعتبر مدينة كيتاكيوشو من المدن الكبيرة والمهمة ضمن مقاطعة فوكوكا اليابانية التي تظم خمسة مدن والتي تقع في جزيرة كيوشو , والتي تقع إلى جانب مدينة شيمونوسيكي . وللمدينة أهمية تاريخية كبيرة بالنسبة لليابان , فهي المدينة الوحيدة التي كانت ترتبط بالعالم الخارجي , أبان أنعزال اليابان بشكل عام عن العالم بأسره , لذا شهدت المدينة تطورا كبيرا في المجال الصناعي , وخصوصا في مجال صناعة الصلب مع وجود معمل ضخم لصناعة الأسلحة أثناء الحرب العالمية الثانية , ويعزي اليابانيين سبب دخول التطور في اليابان إلى هذه المدينة المجاورة للبحر .
حدثتني الأستاذة ماريكو اينو عن تاريخ المدينة , وأشارت إلى إن المدينة كانت هدفا لقنبلة البليتونيوم أبان الحرب العالمية الثانية , لكن الغيوم الكثيفة منعت سرب الطائرات الأمريكية من إلقاء غضبها عليها , مما أدى إلى تغيير جهة القصف الذري إلى مدينة ناكازاكي في التاسع من آب عام 1945 , الذي ذهب بسببه أكثر من 100,000 ضحية .
كان حديث الأستاذة اليابانية مغمور بأحاسيس خاصة , فهل كانت مسرورة لذلك ؟ ام إن الألم هو ذاته حينما يكون القصف الذري في هذه المدينة أو غيرها ؟ .
ومراعاة للمشاعر لم أسأل عن ذلك الاستفهام الذي ملئ حديثها , وهي تؤكد بإشارة من أنامل يديها إلى الأرض التي نقف عليها وقت إذ ,فخوفي من السؤال والجواب , آثرت أن أترك ناري في وعاء , يحاصرها الألم والحزن على تلك المرحلة التاريخية الغير سعيدة , فلم يكن للألم الذي عصر به كياني ألم , ولم يكن لدمعي شواهد في عيني , فكانت لحظات تذوقت معها مرارة الذكريات التي طفت على محياي , فمن أين أبدأ من الحرب الثمان , أم من سنوات الحصار والعنف الدموي الذي كان يتعرض له أبناء الشعب , أم ما بعد دخول قوات التحالف الأجنبي وإسقاط النظام وما رافقه من مشاهد قتل على الهوية , لذا تركت الأمر طلبا للسلامة من رياح المشاعر الإنسانية المشتركة والتي جمعتنا معا في الألم وفداحة المصيبة .
سؤال يملئ الفم مرارة , كيف قضى الشعب الياباني في مدينة ناكازاكي ذلك اليوم العاصف بالغبار والغيوم النووية , التي جعلت من لون السماء يختفي , ولون الأرض يتغير , وانبعاث رائحة شواء لحوم البشر , إنها ذكريات صعبه تملئ صدور أولئك الذي عاشوا تلك المأساة , فيما لا يبرح الألم مشاعر أبناء هؤلاء القوم , الذين تصدوا للفاجعة بروح فارغة من الصبر , وإرادة مستسلمة للقدر حيث ذاقت مرارة الموت قبل إن تفارق الروح البدن .
لقد أمست القنبلة النووية تاريخا ملئ بطون آلاف الكتب بالبطولة والإرادة التي لا تماثلها أي إرادة ظهرت في الدنيا , تاريخ يقسم حضارة اليابان إلى قسمين , لا يخلو الأول من المجد , فيما خلدت الإرادة اليابانية المجد والتقدم بأروع صوره في القسم الثاني , فليس هنا قراءة للاستسلام لدى تلك الإرادة التي أبهرت جميع شعوب العالم .
لعل المقارنة أفضل مقياس بين إرادة الشعوب , ومدى قدرتها على التطور والتكيف أثناء الملمات الصعبة , لقد كانت بغداد وغيرها من عواصم الدول العربية عامرة خلال الحرب العالمية الثانية , فيما كانت ناكازاكي وهيروشيما تحترق تحت الغبار النووي , فكيف هو حال بغداد وأخواتها العربيات اليوم , من تلك التي أحترق جسدها بالكامل ؟ .
أول مدينة تم زيارتها في مقاطعة كيتاكيوشو هي مدينة موجي , حيث زرنا محطة القطار القديمة , التي يناهز عمرها أكثر من 120 عام , وتعتبر أكبر محطة للسكك الحديد في جنوب اليابان , حيث ترتبط بشبكة للقطارات تظم جميع المقاطعات القريبة ومنها مقاطعة هيروشيما , والمحطة ما زالت محتفظة بطراز بنائها والذي يتألف من الخشب , ومن الصعب على المرء أن يتخيل مدى الاهتمام البالغ من قبل اليابانيين بالمباني القديمة , بالرغم من تاريخ إنشائها القديم واحتفاظها على ملامحها الأصلية من دون ملاحظة أي إضافات عصرية , وان دل هذا على شيء , فانه يدل الحب والانتماء والولاء للوطن .
أمام بوابة محطة القطار توجد ساحة دائرية , رصت أرضيتها بالحجر وتتوسطها نافورة جميلة , تجذب إليها الأنظار , وعلى الزوار الانتباه إليها , فمن الممكن أن تصيبهم النافورة بوابل كبير من مياهها .
هناك اهتمام كبير من قبل الهيئة المشرفة على السياحة , وهذا الاهتمام يتمثل بتوزيع النشرات السياحية على الزائرين والوافدين إلى المنطقة , ومن أجل إضافة لمسة فنية من روح التراث الشعبي القديم , فقد تواجد عدد من اليابانيين وهم يرتدون اللباس الياباني التقليدي ( الكيمو ) , ولعل هؤلاء موظفين ضمن هيئة السياحة , للترحيب بالزائرين , ولم يتوقف المشهد إلى هذا الحد , وإنما تجاوز والى توفر عربة تقليدية تسع لشخصين , وهناك شخص يقوم بمهمة جر العربة , انه مشهد تاريخي يعود إلى حقبة زمنية اندثرت مع وجود روح العصر الجديد .
أخذنا سيارة أجرة واتجهت نحو ناحية من المدينة , وهي منطقة جبلية ذات جمال طبيعي وسحر بديع , وقد وظفت المدينة إمكانيات كبيرة في خدمة السياحة , فهناك الاسيجة الحديدة والأشجار الملونه , والطرق الواسعة وهي تقطع الجبل بشكل ملتوي وبسيط , وكان الهدف من ذلك هو البحث عن مطعم لتناول وجبة الغداء , لكن المفاجئة إننا لم نجد أي رائحة للطعام هناك , وقد قطعنا بعض المسافات مشيا على الأقدام بعد أن تركنا سائق التاكسي .
توقفنا قليلا عند جسر كمبو والذي يربط بين مدينة كيوشو و مدينة هونشو , ويبلغ طول الجسر حوالي 1000 متر , وحدثني الأستاذ عادل الدسوقي عن ذلك المشهد قائلا : ( إن الناس هنا يطلقون على هذه المنطقة اسم استانبول اليابان , لوجه الشبه الكبير بين جسر استانبول الكبير والمصغر في هذه المنطقة , فهي تعتبر التوءم الثاني لذلك المشهد , من حيث المضيق والجسر ) , ثم استطرد الأستاذ قائلا ( إن هذا الجسر له إمكانية ميكانيكية خلال ارتفاعه للسماح للسفن الكبيرة بالمرور , ويعتبر ميناء موزي هو السادس الأكبر في اليابان , وان هذه المنطقة يقصدها من السياح سنويا حوالي مليون سائح من مختلف بلدان العالم , ويتصل بالميناء مضيق كمبو والذي يفصل بين الجزيرتين حيث تبلغ اقل مسافة يفصلهما حوالي 600 متر ) .
 

Share |