ركائز الاستقلال القضائي -القاضي ناصر عمران الموسوي
Sun, 12 Feb 2012 الساعة : 13:41

المتمعن في نصوص دستور جمهورية العراق وفي الفصل الثالث منه والذي حمل عنوان (السلطة القضائية ) مبتدئا من نص المادة (87) والتي تصدرتها وحسب نص المادة عبارة :(السلطة القضائية مستقلة ،.............) ثم تلتها المادة (88) لتؤكد الاستقلالية ولكن من وجه َاخرى حيث نصت المادة على أن: (القضاة مستقلون ، لاسلطان عليهم في قضائهم لغير القانون ،ولا يجوز لأية سلطة التدخل في القضاء أو في شؤون العدالة ) والحقيقة يحدث هناك خلط احيانا ًبين استقلالية القضاء كسلطة واستقلالية القاضي كعمل ، بقدر التلازم بين استقلاليتهما في النظرة كاستقلالية (كليانية) وكاستقلالية مترادفة مكملة ومنفردة في النظرة من جانب آخر، فمبدأ استقلالية القضاء هو مبدأ تناولته القوانين والمواثيق الدولية واعتمدته كأساس مهم وحيوي في ضمان الحريات وحقوق الانسان واهم تلك المواثيق والتي تعتبر المرجع الدولي بشأن استقلال القضاء المواثيق الصادرة عن الامم المتحدة عام 1985 وكذلك الاعلان العالمي لحقوق الانسان في المادة (10) وبذات المعنى والمفهوم اشارت المادة (14) من العهد الدولي لحقوق الانسان وكلها كانت تؤكدعلى توفير الحاضنة المهمة للعدالة وهي (استقلال القضاء) والتي تتأتى عبر توفير مبدأ الشرعية واحترام حقوق الانسان وتحقيق احترام سيادة القانون ، القانون الذي خرج من رحم العقد الاجتماعي بين الحاكم والمحكوم ،والذي الغى مراحل طويلة من مسيرة الانسانية نحو الانعتاق والتحرر والنظرة الى الانسان كقيمة عليا.
ان القضاء السلطة المتمثلة بالمؤسسات القضائية لايمكن لها ان تكون بتماهي مع الحقيقة القضائية الحاسمة الا حينما تكون مستقلة عن عمل سلطة التشريع والتنفيذ ،والاستقلالية كمؤسسة وسلطة لا نعني به الجدار الاسمنتي بين عمل هذه السلطة والسلطتين التنفيذية والتشريعية وانما أن تكون السلطة القضائية احدى الركائز الاساسية التي تعتمد عليها الدولة ومحصلة عملها القضائي هو الصورة التطبيقية للعمل التشريعي للسلطة التشريعية والذي تجد صورته التطبيقية واضحة من خلال عمل السلطة التنفيذية اي التعاون الفعال في بناء الدولة لذلك ينص الدستور العراقي في المادة (47) وهو يشير الى تشكيل سلطات الدولة على ما يلي :( تتكون السلطات الاتحادية ،من السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية ،تمارس اختصاصها ومهماتها على اساس الفصل بين السلطات ) فحين تكون السلطة مستقلة عن تأثير السلطات الاخرى فهذا يعني تحقيقها لآلية العمل الدستوري المؤسسي ،فاستقلالية السلطة القضائية هو حرية عملها وادارتها بدون تاثير او تدخل السلطتين التنفيذية والتشريعية ،وقد عانى القضاء في مرحلة النظام السابق من هيمنة السلطة التنفيذية فالقضاء في ظل النظام السابق كان جزءاً من المنظومة التنفيذية ومجلس العدل تابع لوزارة العدل والقضاء وظيفة تنفيذية ،ولكن بعد التغيير استطاع القضاء وبفعل المناخات الجديدة الدولية والعابرة للقارات والدول المتشحة بعبق الديمقراطية وحقوق الانسان ودولة المؤسسات التي تشكل فيها السلطة القضائية ضمانة مهمة للدولة ومؤسساتها ،ضمن المبدأ المهم الذي يوفر للسلطات العاملة التي تشكل اسس بناء الدولة استقلاليتها في (مبدأ الفصل بين السلطات )وهو ما اقره الدستور العراقي في المادة المذكورة ، فانبثق تشكيل مجلس القضاء الاعلى بالامر المرقم (35) في 18/9/2003 الذي اوجد استقلالية السلطة القضائية واخرجها عن هيمنة السلطة التنفيذية لتكون المهنة القضائية سلطة بعد ان كانت وظيفة وشكل ذلك احدى اهم ضمانات استقلال القضاة في عملهم كونهم ادارياً يخضعون لادارة السلطة القضائية فالمادة (91 ) من الدستور وفي باب صلاحيات مجلس القضاء الاعلى تنص على أن : (ادارة شؤون القضاء والاشراف على القضاء الاتحادي) من اهم اعمال وصلاحيات المجلس ومن البديهي فان وجود هرم اداري مستقل يوفر استقلالية لافراده لكن الدستور،ومن خلال هذه النقطة المفصلية نجد ه يردف استقلالية القضاء باستقلالية القضاة الذي اعتبر استقلاليتهم في عملهم القضائي لا سلطان عليهم الا للقانون عند ممارستهم لعمل السلطة القضائية وهو: فض المنازعات التي تعرض على القضاء والاعمال الاخرى المرتبطة بالاجراءات والاعمال القضائية دون اي تاثير وسلطة حتى من السلطة القضائية التي يتبعون لها اداريا ً.
كما نص الدستور في المادة (97) على :( القضاة غير قابلين للعزل الا في حالات التي يحددها القانون ، كما يحدد القانون ، الاحكام الخاصة بهم ، وينظم مساءلتهم تأديبيا ) وهو مبدأ مهم يعطي للقاضي قوة تساعده على الحفاظ على الاستقلالية التي منحها له الدستور ، وفي الوقت الذي منح الدستورالقاضي ميزات الاستقلالية عن طريق الجانب الايجابي فانه حضر عليه في المادة (98) (أولا ً_الجمع بين الوظيفة القضائية ،والوظيفتين التشريعية والتنفيذية
ثانيا ً_ الانتماء الى اي حزب أو منظمة سياسية ،او العمل في اي نشاط سياسي ) واذا كان للسلطة القضائية نظامها الاداري عبر قانون تنظيم القضائي رقم 160 لسنة 1979 وقانون الادعاء العام رقم 79 لسنة 1979 المعدل بعد التعديل الاخير رقم (10) لسنة 2006 والذي نص:(المادة (1) يعد اعضاء الادعاء العام المستمرون في الخدمة (قضاة )وفق الدرجات والصنوف والاقدمية والمناصب التي هم عليها عند صدور هذا القانون .وتسري عليهم الاحكام التي تسري على (القضاة) ويتمتعون بجميع حقوق القضاة وامتيازاتهم .) و قانون رواتب القضاة واعضاء الادعاء العام رقم 27 لسنة 2008 فان كل تلك الضمانات تشكل حلقات متصلة في تشكيلة الاستقلالية القضائية ولعل استقلالية السلطة القضائية تتطلع الى التعديل الدستوري الذي لا يجعل المناصب القضائية العليا رهنا ً بموافقة السلطة التشريعية وهو ما نص عليه الدستور في (ثانيا /من المادة 91) بعد ان تحقق لها استقلاليتها عن السلطة التنفيذية كذلك استقلالها المالي ،ونرى بان الامر بقدر مايتعلق بأستجابة الجميع وخضوعهم لمبدأ استقلالية القضاء والقضاة ،فان على مجلس القضاء الاعلى ان يعمل وفق متطلبات المرحلة الجديدة التي تقتضي منه وحسب مانراه مايلي :
1_ ان يناقش امور واوضاع الهيئة القضائية وفق مؤتمرات قضائية سنوية تضمن للقضاء القوة والانسجام والمحافظة على وحدته وان يعتمد في ادارته على صلاحياته الدستورية والقانونية التي يخضع لها الجميع ،والتي تتحقق بالاضافة الى المؤتمرات القضائية بوجود آليات ديمقراطية لادارة شؤونه وان يبادر بعملية اصلاح قانوني وقضائي
2_ان يقوم بتفعيل مهم لدوره الاعلامي يبدأ بخلق منظومة اعلامية تمتلك ثنائية قضائية واعلامية قادرة على مواجهت التحديات التي نرى وبالرغم من خطورتها ، بانها طبيعية في خضم عملية المخاض الديمقراطي التي يمر بها العراق ،وان الاصوات التي تخرج وتحاول النيل من استقلالية القضاء لا يمكن مواجهتها بالتبريرات ومحاولات الاقناع والركون الى صورة العمل القضائي وهي( الاحكام ) كفيصل مهم في المواجه ،ان الحملة الكبيرة يجب ان تكون بتفعيل الاليات القانونية فالتجاوز على القضاء والقضاة يمكن الرد عليه بتشكيل هيئة في رئاسة الادعاء العام تتولى اقامة الدعاوى التي تنال من القضاء والعمل القضائي واستقلاليته وبخاصة ان النيل من القضاء ومحاولات الضغط عليه يشكل تهديدا ً واضحا ً وصريحا ً للنظام الديمقراطي الاتحادي والتجاوز على اسسه ومفاهيمه وذلك يدخل بالدرجة الاساس من اهم مبادىء واهداف قانون الادعاء العام والذي يفرض القانون عليه حماية النظام الديمقراطي ، اما في الجانب الاعلامي فان الحاجة ضرورية وملحة الى ايجاد ثقافة ناهضة وحملة مدروسة وموضوعية وفاعله تتبناها كوادر كفؤة وفق برنامج اعلامي فعال يضع الخطاب القضائي الاعلامي بتماس مباشر مع المجتمع وبمواجهة قوية وفاعلة ازاء السلطات الاخرى وكل ذلك في مناخات بناء اسس الدولة ومؤسساتها الدستورية .
3_ العمل على ربط القضاء العراقي بمنظومة المؤسسات القضائية العالمية وقد حققت الاتفاقية القضائية بين مجلس القضاء والاتحاد الاوربي نجاحا كبيرا على المستوى الشخصي للقضاة وعلى المستوى القضائي عن طريق ايفاد الكثير من القضاة الى الدول الاوربية والتلاقح البناء بين الرؤية القانونية والقضائية العراقية ومثيلتها الاوربية.
4_الاهتمام بالمؤسسات القضائية والكوادر العاملة بها من المنتسبين بالشكل الذي يحقق هيبة المؤسسة القضائية ويرتقي بواقعهم المعاشي والمهني.
5_ المساهمة الكبيرة والفاعلة بتشريع القوانين المهمة والضرورية والتي تتلاءم مع وضع العراق الجديد عبر التنسيق مع مجلس النواب ،وعلى رأس القوانين قانون السلطة القضائية وان لا يترك ذلك للمجادلة السياسية والمجلس قادر على ممارسة الضغط عن طريق الاليات الديمقراطية المتاحة .
6_ العمل على تشريع قانون موحد لتنظيم عمل السلطة القضائية يأخذ بنظر الاعتبار طبيعة العراق الجديد ويتضمن علاقة القضاء الاتحادي بقضاء الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة باقليم وينظم مفاصل مجلس القضاء الاعلى .
7_ الاهتمام بالقاضي العراقي بشكل يوفر له ولاسرته الحماية الامنية الكافية والارتقاء بواقعه المعاشي بشكل يتلاءم وقدسية وخطورة المهنة التي يؤديها.
لقد كانت معاناة القضاء كبيرة في النظام السابق وهو يحمل في ضميره وفكره روح العدالة ولانه نتاج هذا المجتمع فقد تحمل ما تحمل ،وعطر مسيرته القضائية بكوكبة مهمة من الشهداء .
وليس ادل على ذلك من عبارات رئيس مجلس القضاء الاعلى السيد مدحت المحمود حيث يقول :( كانت معاناة القضاة في اداء مهامهم كبيرة تدور ما بين التنقلات غير المبررة والاحالة على الوظائف المدنية والعزل والحرمان من ممارسة مهنة المحاماة والسجن وسد المنافذ على الطاقات القضائية الفاعلة والحيلولة دون وصول اصحابها الى المناصب القضائية المهمة لأنها لا تحمل هوية نظام الحكم وانتماءاتها ، وخلال تلك الفترة ايضا ً فتح الباب واسعا ً امام عناصر غير مؤهلة للدخول الى سلك القضاء لأنها تحمل هوية الحكم وافكاره وانتماءاته ، وفي ظل هذه المعاناة انحسر دور القضاء في تحقيق اهدافه في مجال العدالة و سيادة القانون ..) واليوم وبتواصل مسيرة شهداء السلطة القضائية فان القضاء امام تحد كبير هو محاولة تسييس القضاء ونزع استقلاليته عبرجره الى ميادين النزاعات والصراعات السياسية ،وعلى القضاء ان يعلن كدأبه ان ميدانه الحقيقي وانتماءه المهم هو للعدالة التي يحملها هاجسا ومنارا ً ويسعى ان تكون قبسا ينير الطريق لدولة الحقوق والحريات وملاذا ً أمينا ًوحاميا ً لطلاب الحق والحقيقة وحسب القضاء قوة ً انه جزء لا يتجزء من واقع المواطن العراقي يعيش معه تحديات الراهن واليومي وكغيره من ابناء الوطن تضرج بدم الشهادة والكرامة والحرية ليكون العراق مثلما يراه ويحلم به عزيزا ً خالدا ً.