عقل الدولة -إبراهيم سبتي-الناصرية

Sat, 11 Feb 2012 الساعة : 13:30

الدولة الحديثة تبنى بطريقة العقل التنويري والوعي الراصد للأخطاء ، لان العبرة والحكمة ليست بترقيع الأشياء وعبور مرحلة بها ، بقدر ما هي لملمة جراحات ومحن والقفز بها نحو بر آمن خال من نفاق وبغض الإخوة الذين يرصدون القتل حسدا وطمعا .. فكل دولة لها خصائص حياتية لا تشبه دولة اخرى ولكن التجربة هي نفسها وان اختلفت طريقة التطبيق ولكل تجربة جوانب مثيرة من التسامي والتعالي على الأخطاء والمصائب مهما طالت او تعقدت .. العراق بعد سقوط التمثال ، دولة اخرى ليست هي التي كانت ، وليست هي التي عصفت بها الحروب والحصارات والموت .. انها دولة ببناء محدث واشواط متتابعة نحو البر الآخر الذي كنا نتمنى ان نصله يوما ولكن زمن الحروب هو زمن اهوج غير ميال الى التحضر او البناء على نحو انساني ، بل كان جوا مرعبا مميتا ميؤوسا منه الى حد الموت الذي صار مهنة يومية يتعاطى معها كل عراقي ، فهو مجرد رقم مسجل في قوائم المطاردة والاتهام .. بعد سقوط التمثال ، كل شيء انهار ودمر وانتهى اجله في البلاد .. كل شيء صار ترابا وعصفت به الريح العاتية .. أصبحت الدولة فارغة لا أسس فيها ولا مقومات بناء وانهالت عليها سيوف البغض والموت من كل جانب وابتليت بالدم المسفوك ظلما وصار موت العراقي متفننا به ومعمولا بطريقة معاصرة ، فتأخر الاحتفال بسقوط التمثال زمنا طويلا ..
بعد عقود من حروب غبية ، أنتجت ثكالى ويتامى ومعاقين وموتى دون حساب ، خلفت عقولا جامدة وسياسات مجحفة قاتلة فأنتجت دمارا وخرابا للمعامل والمصانع والبنى الانسانية .. انتجت ضميرا قاصرا لا يفكر الا بالموت والنار الهائجة دوما وآل المصير الى هذا النزع وهذا الفصل .. كل شيء يتأسى لكل شيء وكل موت صار ينتظر الموت وصار كل واحد على قيد الفناء حتى مطلع الموت قتلا او نسفا وحرقا .. انهم يميتون البشر بحجة الدفاع المقدس عن الحق والحدود والشرف .. انها لعبة أماتت الناس وخربت ما خربت .. ولكن لو لم يخض النظام حروبا كيف صار حال الدولة ؟
انه سؤال غريب ،هناك من يديم حياته وبقاءه بسفح الدم والاعتراك والاحتراب واللصوصية على مال الدولة ، لانها مسبب لجبروته لا يقدر مهما حاول ان يتجاوزها ، وها هو البلد يئن من وطأة كل شيء .. انه مخرب من الوريد الى الوريد ومعذبون اهله من الصدائد والشدائد .. وبعد !!
كيف حال الدولة بعد السقوط الآفل للنظام ؟
هل تحقق ما كان مرتجى ومنتظر ، او هل بدا كل شيء مقنعا حد السرور وزوال الكابوس ؟ وان وجد من تغيير فأنه لا يبدو للناظر او الملهوف ، لان حجم الدمار لا يوصف ، انه مهول حد الفزع والاكتئاب . اعمار وشغل لا يصل حد البهجة رغم ما صرف من اموال وما بيع من نفط ، فلو كانت نقطة الشروع الاولى اصلاح قطاع الكهرباء ، لما آل اليه وضعها المزري جدا .. انها مشكلة المشاكل .. فلو اصلحت اولا لكان كل شيء اصلح وصار مقبولا .. فليس من حياة في البلاد دون كهرباء وليس من امل دون كهرباء .. انها مصيبة ادمن العراقي عليها حد المرض والهوس حتى صارت جزءا من احزان وآلام الاسرة .. اليوم يوجد اتجاه ببناء مؤسسات ومدارس ومصانع وشق طرق ومبازل وهناك اخبار عن استقدام مستثمرين اجانب من شركات معروفة .. اعتقد ان الخراب الواصل حد الرعب يجعل هذه الاستثمارات يختصر المهمة باصلاح الكهرباء لانها مرتبطة نفسيا بالعراقي المبتلى ولانها اصبحت جزءا من المشكلة الكبرى في العراق .. فما حاجة للشارع المعبد والسياج المصبوغ بلون جميل ان لم ينعم المتعب بنسمة هواء عليلة في صيف ناري ، تأتيه الى بيته او يستضيء بنور مصباح الدولة ..
 

Share |