يا حبيبنه يا بلديّات .. حديثٌ في المهجر ـ عقيل الموسوي-المانيا

Thu, 9 Feb 2012 الساعة : 11:39

هاي .. ورحمة الله وبركاته .. لم يكن قرار الهجرة قراراً اعتيادياً كما أنه لم يكن لدى الأغلبية قراراً ارادياً .. أذ أنّ الظروف التي أحاطت بالبلد حينها أضافةً الى المظلومية التي تجاوزت كل مديات المقاييس جعلت الجميع يرتل الاية الكريمة ( قَالُواْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ ) بصوتٍ لا يخلو من نبرة الحزن والخوف من المستقبل المجهول .. كما راح البعض يردد ابيات الشعر
تَغَرَّبْ عَنِ الأَوْطَانِ فِيْ طَلَبِ العُلَى وسافِرْ ففي الأَسْفَارِ خَمْسُ فَوَائِـد
تَفَرُّجُ هَـمٍّ، واكتِسَـابُ مَعِيْشَـةٍ وَعِلْمٌ ، وآدابٌ، وصُحْبَـةُ مَاجِـدِ
فإن قيلَ في الأَسفـارِ ذُلٌّ ومِحْنَـةٌ وَقَطْعُ الفيافي وارتكـاب الشَّدائِـدِ
فَمَوْتُ الفتـى خيْـرٌ له مِنْ قِيامِـهِ بِدَارِ هَـوَانٍ بيـن واشٍ وَحَاسِـدِ
في وقتٍ راح الامل يحدو الجميع بالوصول الى مستقر الامان ليسعد في رغيد العيش وهدوء الاستقرار رغم صعوبة الطريق وكثرة عمليات النصب والاحتيال التي قام بها تجار وأكلة لحوم البشر ( المهربين ) وتكرُّر مأساة اكثر من تايتانك حتى لوّنت اغلب البحار والمحيطات نفسها بدماءٍ من اضاحٍ عراقية , وحين تبادل الكثير كلمة الحمد لله على سلامة الوصول وهم يمسحون دمعةً حفرت اثاراً في النفس قبل الوجنة باقية ما بقي بين الاضلاع قلبٌ ينبض ونفَسٌ يصعد تارةً وينزل اخرى فقد ظنّ الكثير من ذلك الكثير انها الحياة الابدية والسعادة السرمدية لذا راح يتسابق بين زواجٍ وانجابٍ وتفاخرٍ بينهم وتكاثر في الأموال والاولاد بين نهارٍ ثقيلٍ يقضيه في ساحات العمل وليلٍ أثقل يعود فيه منهكاً يحاول التقاط انفاسه بعيدا عن الابناء الذين وجدوا ضالّتهم بين الحاسوب والتلفاز والواجبات المدرسية والالعاب .. وكل ذلك يحصل في بضع امتارٍ مربعةٍ تدور فيها رحى الحياة وما تحمل في كنفها من صراعٍ بينهم وضحكاتٍ قليلة تتقاطع مع صرخات بكاءٍ كثيرةٍ لترتسم في نفس تلك الامتار المربعة علاماتُ الحزن والفرح ممتزجة مع بعضها ضمن صورةٍ مشوّهةٍ لحياةٍ فاق فيها الجفاف على ما تحمل من رتابةٍ لتصبح الجدران التي تفصل غرف المنزل الواحد اكثر بعداً من الوطن عن بلاد الغربة , وحين انشبت بنا الغربةُ انيابها رحنا نفتّش عن ابداعات نطيّب بها خواطرنا المكسورة ونطبّب بها نفوسنا المنخورة فوجد البعض في اقامة المآتم الحسينية تعبيرا أخذ يسلّط الأضواء على حيثياته ليقنع نفسه والاخرين بأنه صاحب فكرٍ ورسالةٍ يجب نشرها والعمل على تطبيق شعار كل يوم عاشوراء وكل ارض كربلاء فلا يحق له التراجع عن موطن الغربة الذي من خلاله سيتمكن من نشر هذه الافكار وأن كانت على حساب ضياعات اخرى متناسيا بذلك أنه لم يفعل شيئاً جديداً بقدر ما نقل شعيرةً اعتاد ممارستها كما نقل غيره احتفالية النوروز مثلاً او احتفالية المولد النبوي الشريف او كما نقل الاخرون بعضاً من عقائدهم وعاداتهم , معتبراً ذلك عماداً للحياة متناسياً أن للأولاد صفحاتٍ اخرى لابد من ملئها بالمفيد واشباعها بالمزيد .. فالصداقة وعلاقات القربى والتثقيف بالعادات والتقاليد والاعراف والاندماج ضمن المجتمع المماثل له كلها وغيرها بدأت تأخذ مأخذها من ابناء الجيل الاول الذي تاهت خطواته بين محاولات الاندماج ضمن مجتمعات لازالت تلفظه بشكل او بآخر وبين شعور بالنقص كان سببه ركائز الشخصية المختلفة عن تلك المجتمعات جملة وتفصيلاً لذا راح الكثير من أبناء هذا الجيل الى أرهاق نفسه وميزانيته في محاولةٍ لتعويض الشعور بذلك النقص التكويني قبل ان يكون حالة مرضيّةً ولتقليص الهوّة بينه وبين أقرانه من ابناء البلد المضيف , دون الوصول الى نتيجةٍ طيبةٍ أو قناعاتٍ شخصيةٍ على اقل تقدير , لذا اصبح لزاما علينا مصارحة أنفسنا ومكاشفتها بصوتٍ يحتاج الى الجرأة والشجاعة بقدر ما يحتاج الى الصدق والصراحة لمناقشة جدوى بقائنا في بلاد المهجر وبشكلٍ منطقي يعتمد على لغة الحوار العلمي التي تأخذ بنظر الاعتبار حسابات الربح والخسارة المعنوية قبل المادية خصوصا بعد أن أصبح وطننا في ظرفٍ يختلف عن الظرف الذي أضطرّ الكثير منا الى الهجرة , فهل تمكنّا ياترى من اقناع عددٍ من الناس في الدول المضيفة لأعتناق الاسلام بنفس عدد اولادنا الذين خسرناهم بعد ان جرفتهم التيارات المختلفة في تلك البلدان ؟؟ وهل استطعنا أن نُدخل الى بلدنا من المادّيّات بقدر ما فقده وسيفقده البلد على نفس الصعيد ؟؟ , وهنا دعوني أذكر مقولةً يُقال أن موظفاً دانماركياً قالها لعراقي بما معناها .. نحن نعلم بأنكم تشترون بيوتا بأموال المساعدات التي تحصلون عليها من بلدنا ولكننا لانحزن على ذلك لأننا على يقين بأن أولادكم سيذهبون لبيعها وأعادة تلك الاموال الينا من جديد !!! أقول ولو علم ذلك الموظف أن قطعة الارض التي اشتراها المهاجر بألف دولار قد أصبح سعرها أكثر من ماْئة الف لأستبشر واطمأنّ أكثر وأكثر , فضلاً عن المليارات التي هرّبها ( قادة العراق وسياسيوه وبرلمانيوه ) لضمان مستقبلهم المجهول في ( بلدهم ) , لست بصدد اعداد دراسة اكاديمية رغم اني أدعو الاكاديميين الى البحث في هذا المجال الخصب بالمعلومات والغزير بالفوائد مع ضرورة التعريج على اسباب الاستمرار في الاستيطان في بلاد المهجر !! , وهنا قد يذهب البعض الى اعتبار الحكومة شماعة او سببا لأنها لم تحتضن المغتربين ولم توفر الدعم الكافي وفرص العمل لهم والبدائل لأبنائهم .. وهنا أقول .. يجب الأعتماد على النفس ودعوا الحكومة جانبا فلها مشاغلها ومشاكلها التي ندعو الله ان يساعدها على حملها فبينما لازالت ساهرةً ومستنفرةً كل امكاناتها من اجل توفير وظيفة الى الرفيق علاوي واذا بها تواجه مشكلة اخرى سوف تستنزف الكثير من طاقاتها وهي مشكلة الزي الموحد للموظفات واصطدامها بلوائح حقوق الانسان !!! لذا لا تنتظروا من الحكومة حتى أغنية تساهم في تشجيع المغتربين على العودة مثل اغنية نادية مصطفي التي اشعلت المغتربين المصريين حماساً للعودة الى بلادهم .. الاّ اللهم اذا ما أناطوا تلك المهمة بالسيدة الدملوجي لتصدح بصوتها الشجي .. سلامات .. سلامات .. سلامات .. ياحبيبنه يا محافظات

Share |