ر سول الله .الدين والسنن التاريخية -سمير القريشي

Tue, 7 Feb 2012 الساعة : 10:22

من أول لحظات ولادة رسول الله محمد صلى الله عليه واله ..اتجهت المسيرة الإنسانية باتجاه غايتها النهائية ,بقوة ووعي وبصيرة تحث الخطى سعيا في الوصول إلى ما شاء الله أن تصل أليه ..ولدت والساعة بين يدي ..حديث لرسول الله ..
ولادة رسول الله وبعثته المباركة .هي ولادة لمرحلة جديدة في تاريخ المجتمع الإنساني بعد أن بلغت أوج كمالها ونضوجها بحسب السنن التاريخية وبحسب منطوق القران الكريم والذي يؤكد على هذه الحقيقة ,فخاتمته رسالات السماء بنبوة الخاتم الأمين وضعت لمسيرة الإنسان معالمها الواضحة بعد أن وضعت لها سبل النجاة والصلاح والهداية وحددت لها ماهية الغاية وهيئتها بالوقت الذي برهنت بعثته المباركة على صدق الرسالة الإسلامية ..فمنذ أكثر من أربعة عشر قرن لم تبعث السماء آي نبي أو رسول. ولم نجد من عامة الناس وخاصتهم من قال أو اعترف بنبوة بعد نبوة رسول الله صلى الله عليه واله .مع العلم أن التاريخ الذي سبق بعثته المباركة كان تاريخا ممتلئ بالنبوات ,ففي بعض المصادر أن الله سبحانه وتعالى قد بعث أكثر من 120 ألف نبي وفي البعض الأخر أكثر 360 ألف نبي. بل أن المجتمع الإنساني والى أن يقضي الله أمر كان مفعولا لن ولم يؤمن بأي نبوة بعد نبوة الخاتم الأمين لو جاء المدعي بآيات المشرق والمغرب ,لان الجميع امن سرا أو علنا بخاتميه الرسالة المحمدية ( وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ) أليس هذا دليلا على صدق الرسالة المحمدية ورسالتها ؟؟؟
يدعي المجتمع الغربي الحداثة ويؤمن أيمان مطلق بما تنطق به العقول ويقام عليه البرهان وتؤكده التجربة ..يؤمن بالرقي في كل مجالات الحياة بالوقت الذي ينبذ كل عمل أو فكر أو سلوك يخالف التقدم الحضاري ويبقي وسائل وأساليب ونمط التعاطي مع متغيرات الواقع جامدا قابعا قي مكانه لكن ذات المجتمع الغربي هذا يتعامل مع نواميس ومعتقدات بعيدة جدا عن روح الحضارة والتقدم والرقي وعن سيرة العقلاء ..أنا هنا لست بصدد أجراء مقارنة بين شرائع السماء المقدسة التي لم تنالها يد التحريف مع أنها نالت جل عقائد وشرائع الأديان الأخرى غير الإسلام كما يعتقدون هم بهذا التحريف قبل أن نعتقد نحن به. لكن أقول لماذا يقف المجتمع الغربي من رسالة الإسلام موقف الرافض ؟؟؟ لماذا تحاول حكومات الغرب القضاء على الإسلام عبر تلويثه بموسخ تكفيرية مجرمه لا تنمي إلى الإسلام لا من بعيد ولا حتى من قريب ؟؟ ما هو سبب هذا العداء التاريخي للإسلام أذا كان الحكم للعقل والحضارة والتقدم ومقارنة العقائد في ضوء البرهان والدليل ؟؟هل هو عداء شخصي لشخص الرسول العظيم محمد صلى الله عليه واله ؟؟ هل شرائع الإسلام المطابقة لمنطق العقل والمنزهة عن الخرافة والأساطير والشعوذة هي السبب في هذا العداء ؟؟..ثم لماذا يؤمن الغرب برسالات السماء التي سبقت نبوة عيسى وموسى عليهما السلام بينما يقف موقفا معاندا من نبوة الخاتم الأمين ؟؟هل الحداثة والرقي يتوقف في المفهوم الغربي على الأشياء المادية فقط بينما تترك الأمور الروحية جانبا على ما هي علية من تحريف واستخفاف وتخلف وجهل وخداع للعقول قبل القلوب ؟؟؟
اعتقد كما يعتقد الكثيرون أن المجتمع الغربي أذا ما ترك لشانه فأنة سيؤمن بالدين الإسلامي وبنوة الخاتم الأمين. لكن جهات الحقد والعداء والاستكبار أولك الذين يرون أنفسهم شعب الله المختار يقفون حائلا بين هذا الأيمان ..
نعم هناك مأخذ على أسلوب الدعوة الإسلامية في كفيه الطرح والدعوة مع أن الإسلام أكمل وأتم وأدوم واحدث وأرقى وأكمل. لكن الدعاة لم يستطيعوا أن يحققوا النتائج المتوقعة بضوء ما يحمل الإسلام من مفردات عظيمة ..والحقيقة أن الدعوة الإسلامية لم تطرح من قبل دعاة الإسلام الحقيقيون بقدر ما طرحت عبر مجموعات أسست لغايات وأهداف معروفة. والأعقد من ذلك أن هذه المجموعات تدعم سياسيا وفكريا وماليا وإعلاميا ودوليا وإقليميا ..
دعاة الإسلام الحقيقيون هم أولك الذي ينتهجون سبيل الرسول الأعظم محمد القائل ما بعث آلا لأتمم مكارم الأخلاق في أطار منظومة فكرية وأخلاقية وتشريعية وعقلية وفلسفية اكبر من أن تنالها عقول الرجال كما جاء في الحديث ولذلك وضعت السماء بعد خاتم الرسالات نمط آخر لمراقبة المسيرة الإنسانية في سير تكالمها حتى تراقب عملية الكمال وحتى تخرج أو تكشف ما خفي من مكنون الرسالة الإسلامية العميق..هذا النمط هو الإمامة فهي الحارس والأمين والمدافع والراعي والحافظ والمحامي عن الإسلام أذا يقوم الأمام مقام النبي بنص الهي بواسطة الرسول وكل ذلك من اجل أن تبقى هذه الرسالة حيه طرية ومتجددة ..في الحديث أن القران يسير سير الليل والنهار..ومع ضم أطروحة أن الإنسانية في أوج بلوغها وفي خط سيرها إلى غايتها المنشودة ..لا نستطيع أن نتعقل ترك عجلة هذا السير تمضي بدون حافظ منصب من الله تعالى قادر على أن يواكب كل لحظة من لحظات الزمن بما يحمل من قراءة قرآنية متغيره ..القران لا يتغير بتغير الإنسان بل الإنسان يتغير بتغير الزمان فتتسع مداركه فاهما القران فهما أخر غير الفهم السابق. والأمام وحده سلام الله عليه من له القدرة على وضع نسق التلاؤم بين حركة القران وحركة الإنسان في أطار المسيرة المتجهة إلى غايتها ..وعود إلى بدء. ووفق ما جاءنا من حقائق قرآنية. نقول أن المجتمع الغربي والشرقي وكل المجتمعات الإنسانية ستكون مجتمعات أسلامية ( أن الدين عند الله الإسلام ) والإرادة الإلهية متحققة شاء من شاء وأبى من أبى, لكن هذه الإرادة من حيث التطبيق خاضعة لسنن التاريخ فهي سنن وضعتها السماء لتكون قائما على مسيرة الإنسان ..
لقد توهم الفكر الأوربي بالتعارض بين سنن التاريخ وفكرة اختيار الإنسان وإرادته ..هذا التوهم الخاطئ الذي يقول بان فكرة سنن التاريخ لا يمكن أن تجتمع إلى جانب فكرة اختيار الإنسان لان سنن التاريخ هي التي تنظم مسار الإنسان وحياته ..أذان ما يبقى لإرادته ؟؟؟ ..هذا التوهم أدى ببعض المفكرين إلى أن يذهب في إعطاء الإنسان دور سلبي فقط حفاظا على سنن التاريخ وعلى موضوعية هذه السنن ..هذا البعض ضحى باختيار الإنسان من اجل الحافظ على سنن التاريخ . بينما ذهب البعض الأخر إلى التوافق بين فكرة السنن وفكرة اختيار الإنسان معبرا عن هذا التوافق بان سنن التاريخ وقوانينه تخضع للإنسان لأنها لا تضحي باختيار الإنسان ..ويذهب البعض الأخر إلى رفض سنن التاريخ محكما اختيار الإنسان وحده ..كل هذا الخلط في الفكر الأوربي نتج عن رؤية واحدة لمفهوم السنن .لكن السيد محمد باقر الصدر وضع لهذا العقدة الحلول المنطقية المستقاة من عبير القران الكريم. يقول رضوان الله عليه ما معناه أن هناك ثلاث مفاهيم لسنن التاريخ .. هناك سنة تاريخية تصاغ على شكل القضية الشرطية تربط بين حادثتين أو مجموعتين من الحوادث على الساحة التاريخية .هذا السنة تؤكد على العلاقة الموضوعية بين الشرط والجزاء .وتمتاز بالثبات فمنها تعرف القوانين والعلاقة بين الأشياء في عالم الطبيعة. والقسم الثاني من السنن يصاغ على هيئة القضية الشرطية وأكثر ما تكون هذه القضية في شرطها معبرة عن إرادة الإنسان ..فالشرط هنا هو فعل الإنسان واختياره 0..أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.. الشكل الثالث هو شكل اهتم به القران العظيم اهتماما بالغا هو السنة المصاغة على صورة اتجاه طبيعي في حركة التاريخ لا على صورة قانون صارم حدي.. فرق بين الاتجاه والقانون..القانون العلمي عبارة عن تلك السنة التي لا تقبل التحدي من قبل الإنسان لأنها قوانين الكون والطبيعة فلا يمكن للإنسان أن يتحدها ..يمكنه أن لا يصلي لان وجوب الصلاة حكم تشريعي وليس قانونا تكوينيا. يمكنه أن يشرب الخمر لأنه حرمة شرب الخمر قانون تشريعي لكنه لا يمكنه أن يتحدي القوانين الكونية والسنن الموضوعية , لا يمكنه أن يجعل الماء لا يغلي أذا توفرت شروط الغليان لا يستطيع أن يؤخر هذا الغليان لحظة واحده.. لكن الاتجاه التاريخي أو النوع الثالث من السنن التاريخية تقبل التحدي على الشوط القصير وان لم تقبله على الشوط الطويل. هناك أشياء يمكن أن تحديها دون أن يتحطم المتحدي. لكن هناك أشياء يمكن أن تتحدى على شوط قصير ولكن المتحدي يتحطم على يد هذا السنن ..هذه هي طبيعة الاتجاهات الموضوعية في حركة التاريخ ..هذه الاتجاه يقول أن طبيعة الإنسان وتركيبه وضع لها مسار محدد لا يمكن أن يتحداه على الشوط الطويل وان تحداه على شوطه القصير.. واهم مصداق يعرضه القران الكريم لهذا الشكل من السنن هو الدين ..القران يرى أن الدين سنة من سنن التاريخ ولهذا يعرضه على شكلين تارة بعرضه بوصفة تشريعا ,بوصفة إرادة تشريعية .وأخرى على انه قانونا داخلا في صميم تركيب الإنسان وفطرة الإنسان. ليس مجرد تشريع وقرار من أعلى وإنما فطره فطر عليها الناس و لا تبديل لخلق الله ..الدين كسنة أو اتجاه تاريخي في حياة الإنسان ليس سنة صارمة لا يقبل التحدي على الشوط القصير عن طريق الإلحاد أو عن طريق عدم الإقرار بنوة الخاتم الأمين ( أن الدين عند الله الإسلام ) ولكن هذا التحدي سينزل بالمتحدي اشد العقاب ..ليس العقاب هنا بمعنى العقاب الذي ينزل من اثر مخالفة شرعية على يد الملائكة يوم ألقيامه أو قبلها وإنما العقاب هنا ينزل من سنن التاريخ نفسها تفرض العقاب على كل امة تريد أن تبدل خلق الله تعالى ولا تبديل لخلق الله ..
المجتمعات الغير إسلامية تحدت سنن التاريخ لكن إلى أي مدى يمكنها أن تستمر بهذا التحدي ؟؟ فهي اليوم مع أنها تعيش أوج تقدمها الحضاري والصناعي ,لكنها تعيش في اعتم غربه روحية ومعنوية .أنها تعاني وتتألم من داخلها. أنها تغترب بعيدا عن هدفها المنشود كعقوبة أو كنتيجة لما تمارسه من تحدي لسنن التاريخ . وبالتالي لم ولن تجد من سبيل للنجاة من كل ذلك ألا باعتناق الإسلام والإيمان بنبوة محمد صلى الله عليه واله لان الأيمان به سنة تاريخية تقبل التحدي على الشوط القصر لكنها لا تقبل التحدي على الشوط الطويل.. ولان بعثته المباركة وولادته المقدسة هي نهاية المراحل التاريخية في حياة الإنسان فبعدها لا مراحل بل غاية وهدف

Share |