مشروع قانون لحماية المُعنفين -القاضي / ناصرعمران الموسوي

Thu, 26 May 2011 الساعة : 23:23

بعد التغيير الذي شهده العراق والانفتاح على العالم الخارجي واقتناء التقنيات الحديثة ,وحرية التعبير والتعددية التي حلت بديلا عن التفرد , ظهرت مفاهيم وسلوكيات معينه تستند إلى مناخات عديدة بعضها يتخذ من الموروث الشعبي والأعراف والعادات والتقاليد متنفسا ً له في الظهور والبعض الآخر يستند على طبيعة الأفكار التي يؤمن بها كسبيل تطبيقي لما يؤمن به ,فتتشابك وتتفاعل تلك المناخات والسلوكيات ,لتوجد كثيرا ً من التلاقح المؤدي إلى رسم صورة جديدة ايجابية , وبالمقابل وجد البعض منها تنافرا ً وعداءا ً ينتهي باللجوء إلى الصدام في فرض القناعات الشخصية على حسابات الحرية والقناعة بالآخر المشترك وتقبله على حالته والتعامل معه على ذات الأسس التي يُراد للآخرين أن يتعاملوا بها معه , وباليقين أن حالة التغيير السياسي , يتبعها تغيير في مختلف جوانب الحياة , فحين يتغير السلطان يتغير الزمان بحسب مقولة (ابن خلدون ) , ولان التغيير حدث بولادة قيصرية حملت معها المشرط واقترنت بثنائية ( الدم والألم ) ,فان هذه الولادة أنتجت على الساحة المجتمعية التي كانت تعيشها حالة من الإحباط والسكون والقهر والظلم والخوف , ً ,ووجدت نفسها أمام الجديد بكل ما حمله كما ذكرنا من رؤى فكرية ومعتقديه وسلوكية , ومن ضمن أهم نتاج حالة التغيير وإسقاطات الجوانب السلبية عليه ,هو ظهور العنف المستشري في جسد المجتمع , ابتدءا ً بحالة المعارضة للتغيير والتي آثر فيها المنتفعين من الزمن الغابر اعتناق العنف أسلوبا للعودة إلى الوراء باسم المعارضة السياسية وشكلت معارضتهم العنفيه تحالفا مع التنظيمات الإرهابية المتشددة من جانب وفسحت المجال لظهور تنظيمات تتخذ من العنف طريقا لتحقيق غاياتها من جانب آخر,
ومثل هكذا حالات انسجمت مع أرث عنفي تاريخي ,حيث شكل العراق بموقعه الوسطي بين مناطق النزاع للإمبراطوريات الكبيرة عبر التاريخ, ميدانا للحروب التي بالمحصلة النهائية كونت بيئة خصبة لظهور النزاعات والحروب لإثبات الوجود والتي لم تخل من تأسيس إمبراطوريات وممالك قائمة على المعارك والحروب المستمر ,وهو الشيء الذي يؤكد التسلسل المنطقي لظهور العراق كطرف في حرب طويلة شهدها العالم في القرن العشرين .
إن ذاكرة العنف الجمعي المتمثلة بالحروب والقتل والدمار ستشكل لاحقا ً ,سلوكا عنفيا ً يحتم على الدولة أن تضع له منظومة قانونية رادعة , وإذا كانت المجاميع الإرهابية التي تتخذ من القتل والتفجير أسلوبا تدخل ضمن نشاطات الجهات الأمنية التي تم تشكيلها بهدف تحقيق الأمن والاستقرار للمواطن والدولة ومنحت إدارة شانها للسلطة التنفيذية باعتباره خط المواجه الأقوى يساعدها في ذلك مجلس النواب كأداة تشريع ورقابة والقضاء كمحطة لتقييم السلوك ومدى صحة الاتهام الموجه للمتهم وفق مقاسات الدلائل والقرائن ومعطيات التوافق القانوني إجرائيا وقضائيا ,فأن ظهور حالات عنف من نوع خاص وان كانت تحكمها القواعد العامة العقابية وهي النافذة في الوقت الراهن ,فالضرورة تحتم وجود تشريع يشير إلى الحالة بالعقوبة والردع وقبلها إيجاد الحماية الكافية للضحية فبين المُعنف بفتح النون والمُعنف بكسرها ,علاقة بحاجة إلى تدخل تشريعي ,واهم الأمثلة التي ظهرت وأخذت صدى كبير,هي حالة العنف الذي تعرض لها (المثليين ) في عموم العراق وبخاصة العاصمة بغداد والتي لاقت رواجا كبيرا لدى منظمات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان وشهدت تنديدا ًكبيرا ً , وكان الفهم الخاطئ لسلوك هؤلاء والتعصب المستند على تقاليد وعادات خارجه عن الأطر الإنسانية مع ضعف ثقافي وديني وقانوني ,أوجد نوع من شرعنة استخدام العنف ضد هؤلاء الأمر الذي وصل إلى حد القتل , وبدوافع واهية لا تجد لها بكل المقاييس والمعايير والتعاليم والمعتقدات أي شرعنه , وكان على الدولة ان يكون لها موقف مهم في حمايتهم ووجود المؤسسات التي ترعاهم مؤمنه بطبيعتهم الخاص (بايلوجيا ً وسايكلوجيا ً) التي مرجعها إلى الخالق (عز وجل ) واحترام مشيئته أمر وجوبي و ملزم , كما ظهرت في الفترة الأخيرة حالات عنفيه مهمة من سلوكيات داخل الأسرة التي بمجموعها تكون المجتمع ,فصارت الأسرة مناخا لاستخدام العنف .وهو ما يسمى (بالعنف الأسري) كأحد أنواع العنف المستخدم .
والعنف كمفهوم :هو استخدام القوة المادية والمعنوية لإلحاق الأذى بآخر استخداما ً غير مشروع ,وقد عرفته اللجنة الأمريكية لدراسة أسباب العنف في عام 1980 بأنه (استخدام أو التهديد باستخدام القوة لضمان هدف خاص ضد إرادة شخص ) ويعرفه قانون العقوبات الفرنسي بأنه (كل ممارسة للقوة عمدا ً وجورا ً) والذي يفترض تفوق مادي لشخص ضد شخص آخر ,وقد وردت الإشارة إلى أعمال العنف في قانون العقوبات العراقي في المواد القانونية (41/3_4, 264 /2 ,266 ,267 ,365 ، 481 ) وبالرغم من أن قانون العقوبات العراقي تطرق في الفصل الرابع إلى الجرائم التي تمس الأسرة في المواد(376 وحتى 280) من قانون العقوبات الحالي رقم 111لسنة 1969 المعدل ,وفي الفصل الخامس تناول أيضا ًالجرائم المتعلقة بالبنوة ورعاية القاصر وتعريض الصغار والعجزة للخطر وهجر العائلة وقد تناولتها المواد القانونية العقابية من المادة (381 حتى385 ) فأن الملاحظ على هذه المواد القانونية ,إنها غير قادرة على استيعاب الحالات الجديدة ولم تتطرق إلى العنف الذي يستخدمه الزوج ضد الزوجة أو الزوجة ضد الزوج أو العنف المستخدم ضد الابن والبنت والأخ والأخت والشقيق والشقيقة وضد الأب وإلام وغيرهم من أشخاص ينتمون إلى كيان الأسرة وهؤلاء هم ضحايا العنف ,و يقسم العنف إلى نوعين هما : العنف المادي ومثاله (الإيذاء الجسدي الذي يصل حد القتل والاعتداءات الجنسية وا فضعها الاغتصاب ) والعنف المعنوي الحسي ومثاله (الإيذاء اللفظي والحبس المنزلي أو الطرد من المنزل مع الضغط وانتقاص الحريات ) وكما للعنف أنواع فان له دوافع أهمها :
الدوافع الذاتية التي ربما تكون نتيجة سلوكيات مخالفة انعكست منذ الطفولة ويدخل فيها العامل الوراثي او تلك التي تنتج نتيجة ظروف معينة كالإهمال وسوء المعاملة أو دوافع اقتصادية تنتج عنها أو تقترن كأثر لها غير قابل للتجزئة وهناك دوافع اجتماعية ترتكز بدرجة كبيرة على الثقافة السائدة للمجتمع وطبيعة ثقافته ووعيه ومدى تأثير العادات والتقاليد على الأفراد الذين بعضهم قد لا يكون مؤمنا ً بالعادات والتقاليد لكنه يضطر إلى ذلك بفعل قوة التأثير المجتمعي .
والدوافع الاقتصادية والتي تنعكس من خلال الأوضاع الاقتصادية للعائلة , والتي تتحمل احباطاتها وانكساراتها الشخصية المعنفة داخل الأسرة و تكون في الأعم الأغلب المرأة ,و هناك دوافع اجتماعية أهمها الأعراف الاجتماعية التي تكرس ذكورية المجتمع وتمنح الرجل قدر كبير من الهيمنة يتمخض عنها استخدام العنف ,والحقيقة إن الدوافع الاجتماعية ترتبط ارتباطا وثيقا ًبثقافة ووعي الأسرة والمجتمع فكلما كان المجتمع والأسرة يعيشان مناخات الثقافة الراقية كلما تضائل العامل أو الدافع الاجتماعي لاستخدام العنف والعكس بالعكس في المجتمعات الأقل ثقافة ً وتحضرا ً,
وللعنف نتائج وآثار كارثية ,تتخذ صور متعددة ليست بعيدة عن لحاظ المتمعن أهمها :
انهيار البني الأسرية وتمزق النسيج المجتمعي عند بروز ثنائية العنف التي لا تتوقف عند حدود الثنائية العنفية بل تتسع لتشمل ضمن مديات اتساعها وتأثيرها معظم أفراد الأسرة ,وتكون مرتعا ً خصبا لظهور العقد النفسية التي تتحول إلى أمراض مستعصية ,حيث ينصب استخدام العنف على أهدار لمعاني الكرامة الإنسانية ومسخ للشخصية الآدمية التي تناولتها بالرعاية والاهتمام عناية الخالق الجليل .
أن ظاهرة العنف تستدعي سن تشريع للوقاية والحماية الضرورية للمعنفين وإعطاء الأمر خصوصية معينه فالعنف الأسري بحاجة ملحة وضرورية , وذلك لما تعانيه المرأة والرجل على حد سواء .وتشهد ساحات التحقيق القضائي ,والمحاكم المختصة نسب مُطردة في الزيادة ,باستخدام العنف ضد الزوجة والبنت والأخت وحتى الآباء والأبناء وبنسب متفاوتة تصل في حدود عديدة منها إلى القتل ,وان قانون العقوبات العراقي النافذ رقم 111 لسنة 1969 المعدل ,صار يعاني الكثير من القصور حيث نجد نصوصه العقابية تقف أمام جرائم ذات خطر كبير وتأثير يستوجب ردع حازم نراه يتعامل بمنطقه ألزماني السابق الذي عفا عليه الزمن , وبالمقابل نجده حازما ً وشديدا ً أمام حالات صارت اقرب إلى وصف المخالفات البسيطة منها إلى العقوبات الشديدة مثل الجنح والجنايات . ونرى ضرورة الأخذ بنظر الاعتبار إصدار تشريع بذلك يتم فيه ,تعريف شامل لمفهوم العنف وتحديد القضايا التي يتم التعامل معها وتدخل ضمن اختصاصه قضايا العنف الأسري كواحدة من أهم القضايا الأكثر شيوعا وكذلك قضايا التمييز بحسب الجنس (الجندر ) إضافة إلى استخدام العنف ضد بعض الحالات التي لا تخل منها المجتمعات ألا وهي ظاهر (الجنس الثالث ) او المثليين كما يطلق عليهم , ووجود مؤسسات على قدر كبير من التأهيل الأكاديمي المتخصص اجتماعيا ونفسيا وصحيا ً, وتحدد لقضايا العنف محكمة مختصة لها كادر خاص وترتبط بعملها مؤسسات تساعد وتقي وتحمي المُعنفين وتتلقى شكاواهم وتعمل على توفير الحماية الكافية لهم, ولحساسية تلك القضايا وأهميتها كونها إحدى العلل التي تنخر بمجتمعنا , وتأثر بشكل كبير على التعايش وتماسك وصلابة النسيج المجتمعي ,و مثل هذا التشريع يجب أن يكون متزامنا ً مع منظومة إعلامية وثقافية تؤكد على أهمية الحقوق القانونية لضحايا العنف وتشجعهم على الاتصال عبر المنافذ القانونية التي يوضحها القانون والمؤسسات الوقائية لحماية الضحايا واتخاذ الإجراءات القانونية العاجلة والسريعة بحق المتهمين ,إضافة إلى التعريف بالعنف ومظاهره وأنواعه وأسبابه وأثاره المدمرة ,كما ويتم التوسع في عقد الندوات وورش العمل وتحرك فعال وقوي لمنظمات المجتمع المدني بحيث يكون التشريع القانوني وعمل المؤسسات المدنية له الدور الثقافي والإعلامي كمنظومة متجانسة للحد من ظاهرة العنف ومحاربتها وحماية ضحاياها ,وكلنا أمل أن يكون هذا المشروع محط اهتمام السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية ودور مهم وحيوي لمنظمات المجتمع المدني الدولية والوطنية و يعزز بناء مجتمعات صحية سليمة ,يرتكز عليها البناء المؤسسي للدولة ,
 

 

Share |