المشهد السوري والتجاذبات المختلفة-ناصرعمران الموسوي

Sun, 5 Feb 2012 الساعة : 9:12

لم تكن سوريا بعيد عن مايشهده المحيط العربي فاصابها الرشح ،وحسبت بادىء ذي بدء ان الأمر لايعدو ان يكون حضانه عابرة حلت بفعل العدوى العربية ،الا ان التأثير أخذ يتضخم لتكون سوريا موضوعا ًمهما ًلسيناريو تغييري لم تتضح معالمه ،فالنظام السوري اعلن ان المرحلة ليست بالضرورة ان تشهد تغييرا ً كما حدث في تونس ومصر او دمويا كما حدث في ليبيا وانما يمكن المعالجة بالاصلاحات والرؤية الجديدة المعتمدة على فرضية السلة الانتخابية بادارة الدولة والتعدد الحزبي ومناخات مهمه ديمقراطية تبلور الحريات وحقوق الانسان ،وآن الأوان للشعب السوري ان يعيش حالة تغيير كما تعيشها المنطقة ولكن باصلاحات ورؤيةحكومية ، مستشهدة بالطبيعة السورية المتمثله اولا ً كونها خط المواجهة العربية مع اسرائيل وتداعيات القضية الفلسطينية و(سوريا قلب العروبة النابض ) كما يرى الزعيم (جمال عبد الناصر ) من جهة ودولة العلمانية من جانب ومن جانب اخر المحور المقاوم المتمثل بالحاضنة والداعم المهم للحركات الجهادية الفلسطينية وبخاصة حماس وهي خط التحالف الاستراتيجي الايراني بمقابل التحالف الامريكي الاسرائيلي ،ولعل سوريا آخر قلاع القومية العربية وجدت نفسها بمواجهة معارضة وسيناريو تغييري برداء عربي تمثل بالجامعة العربية وهي العضو المؤسس فيها وبتاثير خليجي واضح متحالف مع موقف تركي غير مسبوق ولامبرر في الضغط والمعارضة وصل الى حد امكانية التدخل العسكري التركي في سوريا ،بعد ان تضخمت الدولة الاوردكانية في تركيا وتجربتها المازجة بين الاسلام والليبرالية ،ومحاولة تصديرها للربيع العربي كما اطلق عليه ،فوجدت سوريا نفسها في مأزق اخذ يتضح بعده الطائفي داخليا في المناطق التي تشهد اضطرابات ومواجهات عسكرية تجد صوتها في حاضنه دولية امريكية واوربية مع ضغط تركي ومواجهة غير مسبوقة لقرارات الجامعة العربية التي فرضت الحصار على سوريا لاسقاط نظامها ،وفي منظومة اعلامية جندت للحدث التغييري ونجحت في مصر وتونس وليبيا وخفتت في اليمن لتعلن موتها في احداث البحرين ،وبالرغم من ان الموقف الروسي والصيني افشل المخطط الدولي عن طريق مجلس الامن بادانة النظام السوري عن طريق (النقض المزدوج ) في مجلس الامن الا ان التعاظم الكبير للجامعة العربية التي خطفت زعامتها في خضم التداعيات الدول الخليجية وبخاصة قطر ، وبعد تجاذبات عديدة عربية ودولية كان للعراق التأثير الكبير وافقت الحكومة السورية على لجنة المراقبين العرب وذلك بالاتفاق على البروتيكول الموقع بين الجامعة العربية والحكومة السورية ،وما ان وافقت سوريا على ذلك بدأت الاصوات تتعالى بالتزامن مع بعثة الجامعة العربية وتطالب بتدويل القضية السورية قبل واثناء بعثة المراقبين ،الامر الذي سبقه موقف روسي لمشروع يخص سوريا يشير فيه الى ان الذي يحدث في سوريا ليست احتجاجات سلمية اصلاحية بل هي مواجهات مسلحة و العنف المتبادل بين هذه الجماعات والحكومة يسقط نتيجتها الضحايا من المواطنين ،وهو ذات التصور الذي قدمه رئيس البعثة الدابي للجامعة العربية ،وما كاد الدابي ان ينهي مؤتمره ويحصل على تمديد لبعثته في سوريا وبدعم لوجستي من الامم المتحدة ،حتى اتخذت الجامعة العربية قرارها الذي منحت فيه الرئيس الاسد مدة شهر لتشكيل حكومة وطنية تجمع المعارضة في طياتها ويتخلى عن مسؤلياته لنائبه فاروق الشرع وهي المبادرة التي اعتبرتها سوريا تدخلا في الشأن السوري ، بعدها وجدنا وزير خارجية قطر وامين عام الجامعة العربية في نييورك للتمهيد باتخاذ قرار دولي ضد سوريا بعد ان اتخذت الكثير من العقوبات الاقتصادية من الدول الاوربية اضافة للعقوبات العربية ، ويبدو ان الموقف الروسي وبتماهي مع الموقف الصيني مصر هذه المرة ان يكون له الدور الكبير في نقض القرارات المتخذة في مجلس الامن ضد سوريا ولعله ارسل برسالة واضحة عندما عبرت سفنه الحربية الى ميناء طرطوس ،وهو امر قرأته الدول الاوربية والولايات المتحدة الامريكية في اشارة الى انه سيعارض السناريو الذي تم اتخاذه في العراق بعد فشل الولايات المتحدة الامريكية وبريطانية في الحصول على قرار دولي باجتياح العراق واسقاط نظام صدام حسين ،أن الموقف الروسي عازم على ان تكون سوريا خارج سياقات واجندات الرؤية الشرق اوسطية التي تنفذها قطر في المنطقة ،ولعل هناك علامة استفهام كبيرة حول الموقف الروسي المعارض وبشدة في الشأن السوري بالرغم من انه كان على امتداد مواقفه معارض يكون بموقف جامد هذه المرة على الرغم من حساسية المشهد الداخلي الروسي الذي شهد اضطرابات اتهمت بوتين بتزوير الانتخابات وهو الامر الذي من المفترض ان تستغله السياسة الامريكية وحلفائها في الضغط على روسيا ..؟ وفعلا تحقق ذلك في اعلان روسيا وصالصين(الفيتو) في مجلس الامن ضد القرار الذي قدمته المغرب وبدعم امين عام الجامعة العربية ووزير خارجية قطر.!
ربما يعتقد البعض بان روسيا تحاول ان تحتفظ بحلفاء شرق اوسطيين وتربطها بسوريا علاقات كبيرة وكثيرة على كل المستويات ،وهذا صحيح لكن الامر الذي لايظهرعلى السطح هو ان سوريا هذه المرة تمثل نقطة جوهرية وحساسه تتعلق بالاقتصاد الروسي ، حيث كماهو معروف بان روسيا المصدر المهم والقوي للغاز والوقود الى اوربا والذي يشتد الطلب عليه كلما امتد صقيع القارة العجوز وهو الامر الذي كثيرا ًما تلجأاليه روسيا في الضغط على الدول الاوربية بالاضافة الى ان الاقتصاد الروسي يعتمد بدرجة كبيرة على تصديره الى اوربا ،ومنذ فترة طويله تبحث اوربا عن بدائل لها ،وبالرغم من انها وجدت في ايران شيئا ً من ذلك الا ان الوضع الايراني والمشكلة الخاصة بالبرنامج النووي الايراني والسياسات المتشنجة بين الاتحاد الاوربي وايران جعل تلك الدول تبحث عن البديل الذي وجدت في دولة قطر عبر انبوب يمر بسوريا باتجاه اوربا مروراً بتركيا بديل جيد ومطمئن للدول الاوربية التي ستحصل على الوقود وبخاصة الغاز وباسعاروكميات خاضعة في الكثير منها الى مواقف سياسية يتمثل بالتهديد الايراني الذي تستشعره الدول الخليجية من الجارة القوية ايران والذي يمثل موقعها على رأس الخليج وعلى مضيق هرمز عامل ضغط كبير اضافة الى خوفها من اندلاع حرب بين ايران واسرائيل وامريكا ،وما يتبعه من تاثر الاقتصاد وتصدير النفط ،هذا الامر رفضته سوريا وبتاثير روسي مما وضع سوريا في حلقة الضغط الاوربي الذي سيكون التغيير السوري لمصلحتها وتركيا البلد الذي يعتمد بالدرجة الاساس في اقتصاده على حجم التبادل التجاري ومرور انابيب الوقود عبر ارضه سيحقق له موردا َ كبيرا هي في امس الحاجة اليه ،ولذلك تجد الموقف التركي متشنجا ً باتجاه سوريا وبخاصة انها لعبت دورا كبيرا باقناع سوريا بذلك لكنها فشلت ، لذلك فالمشهد السوري دخل منعطف خارج سياقات الربيع العربي واخذ منحى دولي وتماهت الصين التي تحاول ان يمتد عنفوان تنينها الاحمر ليكون له موقع مهم ورئيسي في منطقة تشكل عصب الاقتصاد العالمي، والمستقبل في قادم الايام سيتضح متوقفا على قوة وموقف الاضداد باتجاه بعضهم وليس بعيدا ً عن الداخل والمحيط السوري الذي سيكون فرس الرهان الذي يحدد السيناريو التغييري لسوريا .
 

Share |