إن ذهبت أخلاقهم ذهبوا (قوة الأخلاق ونكران الذات) -ظاهر صالح الخرسان
Fri, 3 Feb 2012 الساعة : 10:29

إن ما يمتاز به الإنسان على سائر الموجودات هو الإدراك الذي يعرف به شخصيته ،وشخصية كل انسان مرتبطة بصفاته الاخلاقية الايجابية المغروسة في نفسه عن طريق مايسمونه التوارث والتربية والتي تتجلى وتنعكس في أعماله وتصرفاته وقال الإمام علي عليه السلام ((قيمة كل امرئ ما يحسنه )) ا ي إن السلوك يمثل شخصية الإنسان
وأحد العلماء الحكماء عندما كتب كتابا عن الأخلاق أول ما خطّت أنامله سؤالا عن الأخلاق فقال (ما الأخلاق وما معنى أن يكون هذا الفعل أو ذاك أخلاقيا).
يبدو السؤال للناظر في أول المواجهة له سؤالا ساذجا وتتيسر الإجابة عنه بسهولة.. إلا أنه في الحقيقة إن هذا السؤال ليس صعبا فحسب بل هو من اشدُّ المشاكل الفلسفية التي واجهها الإنسان منذ آلاف السنين، ولم تتفق آراء الفلاسفة في العالم على ذلك.. أفلاطون أعطى رأيه في الأخلاق وكذلك أرسطو وأبيقور والغزّالي مرورا بفلاسفة أوروبا في العصر الحديث، كلٌ أدلى بدلوه.. والقائمة طويلة وعريضة.
إن بعض أفعال الإنسان أفعال أخلاقية مقابل الأفعال الطبيعية والفرق بين الفعل الأخلاقي والطبيعي أن الأول قابل للثناء والمدح ويُضفي الناس عليه قيمة ولكن ليست قيمة مادية كالتي يُعامل بها المهندس أو العامل وإنما حقيقة قيمة لا يستوعبها الذهن البشري.. علي ابن أبي طالب له بيتان من الشعر يحدد فيهما فعلا أخلاقيا:
وذي سفه يواجهني بجهل
أكره أن أكون له مجيبا
يزيد سفاهة وأزيد حلما
كعود زاده الاحراق طيبا
هذا الفعل الأخلاقي الذي يحدده الإمام عليه السلام من أروع الأفعال الأخلاقية التي بقيت تفوح بشذاها على مدى الدهر..
لم يكن في عصر من العصور السالفة على امتداد التأريخ البشري بحاجة الى نهضة اخلاقية، كما يحتاج هذا الزمان إلى هذه النهضة لأن تأريخ البشرية لم يصل الى هذا المستوى العلمي الذي وصلوا اليه في هذا الزمان، وان الخلافات السياسية والتناقضات الموجودة بين القوى التي تهيمن على مصير الأمة كفيلة بترك التعامل الأخلاقي وتركه جانبا من أجل الوصول الى غاياتها بشتى السبل الملتوية..واستخدام الأساليب الديماغوجية مع الشعوب لتضليل الناس وخداعهم، إن الأخلاق بوسعها أن تمنح حياة الإنسان الانضباط والدقة وتخلصه من الاضطراب وعدم الانتظام وأنها بوسعها أن تجعل الإنسان كالجبل الأشم لا يتزعزع..
فكل ثراء مادي أو معنوي بوسعه أن يجعل الإنسان سعيدا اذا كان مشفوعا بالثراء الأخلاقي والفقراء باستطاعتهم أن يشعروا بعدم الحاجة إذا كان لديهم هذا الثراء..
والأخلاق يتعلمها الناس من قادتهم وزعمائهم وكما يُقال (ان تأريخ العالم العام هو تأريخ رجاله العظماء الخاص)، فكانت أخلاق العظماء من مصلحي الإنسانية وقادة السماء أمثال الأنبياء موسى وعيسى (عليهما السلام) ونبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وزعماء الأخلاق أمثال غاندي مفخرة الهند ودانتي المصلح الايطالي ووشنكتي النموذج الأمريكي العارف بالمسؤولية وكونفشيوس معلم الصين الكبير..
فكل مجتمع اليوم هو بحاجة إلى مثل أعلى في الأخلاق ليربيهم وليضيء لهم من أجل سعادة الروح وخلق المحبة بين أفراده وكثيرا وما أحوج القوى السياسية التي تدير دفة الحكم للبلاد هم بحاجة إلى مثل أعلى في الأخلاق لينظروا إلى تصرفاتهم والى أنانيتهم التي خلّفت من ورائهم مسير البلاد إلى المجهول فنجد ان السياسي في لقاءاته الصحفية وأحاديثه المتلفزة يتحدثون عن أحاديث كأنما تصدر من ملائكة جاءوا لتحقيق السلام والعدل لكن عند العمل والتطبيق لا اثر لكلماتهم تلك ابدا ،
ان غريزة الأنانية وحبّ الذات من أهم الغرائز والطباع البشرية ولو أنعمنا النظر في أغلب المفاسد والجرائم والصفات اللااخلاقية التي يتعامل بها البعض يوميا من رعية ومسؤولين ان منشأها حب الذات والانانية فهذه الصفة عدوة الاخلاق ومن المستحيل ان يندرج الفرد مدارج الكمال دون ان يضع رقابة او حضراً على هذه الغريزة فالرقابة عليها تعني استئصال المعايب الأخلاقية واعداد الفرد لاكتساب الفضائل الأخلاقية ومكارمها ، لكن أي تكمن المشكلة هي معرفة الانا لدي كفرد لانها مختلطة مع النفس الواقعية بشكل عجيب كما ورد في الحديث الشريف((ان الشيطان ليجري من بن ادم مجرى الدم ...))فأغلب الإعمال هي وهمية وخاضعة لعناوين برّاقة ،لان الباطل لا يظهر الا بقناع الحق وتحت ستار هذه العناوين الجميلة ،وهكذا الانا لانها لو ظهرت للإنسان على حقيقتها من دون غطاء عنواني لما قبلها الفرد ولرفضها لانه مفطور على حب الكمال والحق وبغض الباطل فنجد معظم الدول الحكومات الظالمة لشعبها تسعى الى الظهور بمظهر انساني لأسباغ الشرعية على سلوكياتها وتغطية اعمالها بقناع خدمة الشعب والوطن والحرية والمساواة وغيرها ،فاذا كنتُ جاهلا فما الذي يمنعني من قبول هذا الواقع ؟ انها النفس الوهمية فأعترافي بجهلي امام الآخرين ربما سيفقدني عنواناً او لقباً طالما سعيت لتحقيقه والظهور به امام الناس وستفتقد الانا لدي احد ابنائها الموجودين في نفسي وهذه النفس القشرية لا تفرض سلطتها علي فحسب بل تحاول الحكم على الاخرين من منظارها وإخضاعهم للتعامل معهم بالقوانين الوهمية التي وضعتها ،فتراني انفعل عندما ينصحني شخصا مع علمي بسلامة طويته لانه جرّدني عنواني الذي خلقته لي الانا ، وقد اتخذ الاسلام منهجا وخطة متكاملة من اجل مكافحة حب الذات والأنانية وايجاد الفضائل والصفات الأخلاقية وغالبا ما يتشبث المسلمون برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي ضرب أروع الأمثلة في الأخلاق لكن هذه المُثل التي أرساها الرسول بجهده وقطع شوط كبير في التربية السماوية تكون على المحك عند المسلم إذا ما تعارضت مع أهوائه وطموحاته، مع علمه أن تعاليم الرسول هي التي توصله إلى آفاق القيم الإنسانية والى الكمال المنشود، وبهذا يتجسّد قول الله تعالى الرحمة الإلهية للرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) للمؤمن والكافر على السواء