تركيا ..ازدواجية الموقف وسياسية التخبط /سمير القريشي-العراق

Sun, 29 Jan 2012 الساعة : 7:28

بدء الرئيس الأمريكي اوباما ولايته الحالية بزيارة إلى الشرق الأوسط .وكانت تركيا المحطة الأولى من هذه الزيارة ..حينها لم يكن للربيع العربي أي بوادر ظاهرة على السطح لا من قريب ولا من بعيد.
وضعت زيارة الرئيس الأمريكي حينها في إطار محاولة تغير موازين القوى في الشرق الأوسط عبر سحب البساط من تحت إقدام المملكة العربية السعودية والتي سجلت أرقام خالية في قمع الحريات وانتهاك حقوق الإنسان وحفلات الإعدام الجماعية فظلا عن أعالتها لمجاميع إرهابية شاركت في عمليات داخل الولايات المتحدة وأوربا والشرق الأوسط بطبيعة الحال. الوضع الذي اضطر الولايات المتحدة وبضغط خارجي وداخلي إلى اختيار تركيا بديلا عن المارد البترولي ..هكذا قيل آنذاك ...وقد بدا أن هذه الزيارة تسير بهذا الاتجاه.. فكل شيء يوحي بهذا التغير. وإذا ما أضيف أليها محاولة قص أظافر إيران الطويلة في الشرق الأوسط عبر محورية تركيا وجعلها الممثل الأعلى للدول الإسلامية .فان احد لم يكن يتوقع شيء غير ذلك من هذه الزيارة .. لكن مجريات الإحداث بعد تلك الزيارة كشفت أن مخطط كبير يدار في أقبية الدوائر الكبرى..
لم يتوقع احد أن تكون زيارة اوباما إلى الشرق الأوسط بداية لعهد جديد وضعت تركيا فيه لاعبا أساسيا مع قطر ودولة إسرائيل كما كشفت بعض التقارير السرية عن ذلك .. فالمتغيرات في هذا المنطقة تدفع وبشكل كبير إلى أحداث انقلاب نوعي في النخب السياسية الحاكمة لتجنب مضاعفات ترى فيها القوى الكبرى خطرا على نفوذها الاقتصادي والسياسي وعلى ذلك حاولت وضع تركيا على سدة الزعامة الإسلامية في محاولة للالتفاف على القوى الإسلامية في المنطقة بما فيها القوى المتطرفة التي يعول عليها الغرب كثيرا في تحريك أجيج الثورات ..
هناك اتجاه يضع الربيع العربي في إطار التحولات المالية والاقتصادية التي تعصف في الولايات المتحدة والغرب ولهذا الاتجاه الكثير من المؤيدات التي تؤيد إلى ما يذهب أليه ولعل توقيت قتل أسامة ابن لادن يأتي في مقدمة ما يقدم هذه الاتجاه من مؤيدات .. في مقابل الاتجاه أخر يؤكد على أن الثورات العربية ما تفجرت آلا بفعل الجماهير المضطهدة والمعذبة من سوط أنظمة الجور والدكتاتورية. لكن هذا الاتجاه يصمت عن الكلام في مستقبل الثورات. فهي وكما يقول الاتجاه الأول وان انبثقت بفعل الجماهير المعذبة لكنها سرقت تحت يافطات الطائفية والمساومات الخليجية وما نتائج الانتخابات في مصر وما الاضطرابات في ليبيا وما التعثر التونسي وما التدخل السعودي المباشر في اليمن والبحرين آلا دليل على ذلك
على كل حال في كلى الاتجاهين وضع لتركيا دور في مسرحية الربيع العربي
تركيا بقيادة حزب العدالة والتنمية خطت خطوات كبيرة في طريق عودة الدولة العثمانية إلى الوجود ..هذه حقيقية لا يمكن التغاضي عنها . فمن أعادة كتابة الدستور والذي كتب في ثمانينيات القرن الماضي إلى إقصاء المؤسسة العسكرية من الحياة السياسية وهي التي كانت الحارس الأول للديمقراطية العلمانية في تركيا ..إلى عمليات أكثر قسوة واضطهاد وقمع ضد الأكراد بصورة خاصة والأقليات بصوره عامة ..إلى التدخل المباشر في اغلب الشؤون الداخلية لدول الشرق الأوسط والدول العربية. وكل عمليات التحول هذه تمت دون أن تمس معاهدة الصداقة التركية الاسرائليه بأي مس وعلى مرائ ومسمع الولايات المتحدة !!.
.تعد تركيا من أول البلدان التي اعترفت بالدولة اليهودية المحتلة منذ عام 1948 أذا عقدت معها اتفاقية صداقة في العام التالي لاحتلال فلسطين وتحديدا عام 1949 وعززت هذه المعاهدة باتفاقية الدفاع المشترك عام1991.. لكن النظام التركي والذي يعد اليوم من أكثر أنظمة العالم خداع ونفاق والتفاف على حقوق الشعوب الإسلامية ..هذه هي الدولة العثمانية ..لم يبدي بأي عمل جدي معارض لسياسية الدولة العبرية في فلسطين .. الشيء الذي يدل وبصورة لا لبس فيها على مضي النظام التركي في تعزيز العلاقة مع إسرائيل باعتبارها الحليف الأكبر لتركيا في الشرق الأوسط ..
لم تقدم حكومة أنقرة للقضية الفلسطينية أكثر من شعارات في محاولة لكسب ود الشعوب العربية والإسلامية ..شعارات لا تغنى من فقر ولا تسمن من جوع .فالشعوب العربية شعوب تحتفظ بحزين عاطفي وانفعالي كبير وتنظر إلى الأمور من هذه الزاوية التي تختزل الحقائق بين طياتها مع الأسف الشديد . هذا السلوك الانفعالي في الشعوب العربية استطاع اردوغان القادم من المدرسة الأكثر تشددا من بين المدارس الإسلامية أن يلعب عليه لكسب ود وتعاطف الشعوب العربية والإسلامية.. ففي مؤتمر دافوس انسحب من المؤتمر الصحفي اعتراضا على رئيس الوزراء اليهودي.. وفي حادثة سفينة المساعدات التركية إلى فلسطين والتي تعرضت إلى اعتداء استطاع اردوغان أن يوظف الزخم الإعلامي في هذه القضية لزيادة رصيده العاطفي . لكن سياسية مسك العصى من وسطها لم تستمر طويلا فالهزات الأرضية التي ضربت تركيا مؤخرا يبدو أنها هزت اردوغان وكشفت عن حقيقته المظلمة.. فمن الغريب إن تستغيث تركيا بالدولة العبرية أول استغاثتها من اثر الهزات ..أليست هذه مفارقة تستحق الوقوف عليها طويلا !!!
المشكلة في تركيا كما يقول التاريخ أنها بدون هوية . بدون ذات لا تستطيع أن تجد ذاتها لا في الشرق بين محيطها العربي والإسلامي ولا في الغرب عبر الانضمام إلى الاتحاد الأوربي فما زالت وبعد أكثر من ثلاثون عاما من المفاوضات مع أوربا عضو مراقب
لكنها وفي ظل حكومة حزب التنمية والعدالة وجدت ذاتها من خلال وجودها كعضو محوري في صناعة الربيع العربي كما يطلق عليه ..هذا المحور الثلاثي حسب ما أوردت بعض التقارير السرية مكون من إسرائيل وقطر وتركيا
كيف لعبت تركيا دورها في مسرحية الربيع العربي؟؟ سؤال يتضمن فضح لنمط السياسية المخجل والمعروف لأنقرة التي ما لبثت تكيل الأمور بازدواجية في الموقف .وتقديم قدم وتأخير أخرى ويد مع المعارضة وأخرى مع النظام .وتصريح بلسان خارجيتها يناقض تصريح رئيس وزرائها ..سياسية غير واضحة المعالم كما يعتقد صناعها في أنقرة لكنها واضحة للغير لان السياسية التركية شانها النفاق والخداع والكذب ..في ليبيا وقف النظام التركي مع القذاقي إلى حد وجد فيه استحالة إنقاذ ألقذافي لينقلب بعد ذلك إلى الوقوف مع الشعب الليبي المظلوم!! ..هذه الازدواجية في التعاطي مع الثورة في ليبيا كان من المؤشرات التي أخذتها المعارضة الليبية على تركيا بكثير من الغضب والسخط . وفعلت ذات الموقف مع مصر وكيف أنها تلاعبت بعواطف ومصير أكثر من مئة مليون مصري .. بينما نجدها تلتزم الصمت المطبق بخصوص اليمن والبحرين .أما موقفها مع سوريا فقد تجاوز كل الحدود ليبرهن كم أن هذا النظام لا يملك أي معاير أخلاقية وسياسية بقدر ما يملك سياسية منافقة لا ترى ابعد من انفها ..قبل اقل من عامين وفي زيارة اردوغان إلى دمشق عقد فيها اتفاقية ثنائية مع دمشق تضمنت التعاون في الكثير من المجالات وتشكيل لجنة مشتركة لحل القضايا العالقة بين البلدين بعد صراعات سياسية بين البلدين وصلت في أحيان إلى مستوى القتال المسلح ..حينها استبشر بعض الجهات خير بهذا التعاون وعد بداية لحقبة جديدة من التعاون العربي التركي على أرضية تدعم بالاحترام المتبادل والمصالح المشتركة .لكن من استبشر الخير أصيب بخيبة أمل كبيرة وهو يرى ما تقدمه أنقرة من أداء طائفي في الملف السوري ..هذا القول ليس دفاعا عن نظام بشار الأسد لكنه يكشف زيف وخداع النظام التركي
أخر فصول تركيا التدخل السافر في الشأن العراقي والذي استخدمت فيه أقبح الأوراق وأشدها حقارة ..ورقة الطائفية كمبرر للتدخل في الشأن العراقي وهذا وأن تدل فانه يدل بأنها تعيش أسوء أوضعها السياسية .. الكل يتفهم هذا التدخل فهو يأتي في ظل إعادة ترتيب موازين القوى في المنطقة لكن ما زلنا لا نتفهم صمت الشعب التركي الشقيق على هذه السياسية!!
أن كل المؤشرات التاريخية والحالية تؤكد على حقيقية لا يريد الأتراك الرضوخ أليها وهي أن تركيا لا يمكن لها أن تعود إلى واجهة الحدث الإسلامي عبر أي بوابة ومنها بوابة الربيع العربي.. ومن هنا على الشعب التركي الشقيق أن يعي أن بقاء حزب العدالة والتنمية بالسير في هذه السياسية المتخبطة لا يزيد تركيا آلا ابتعاد عن ساحتها الإقليمية والجغرافية وسوف تزداد تركيا غربة وابتعاد وفقر ودكتاتورية

Share |