قراءة نقدية في ديوان ( رمال غير متحركة)-كاظم حمود الحصيني

Wed, 25 May 2011 الساعة : 14:36

قراءة في ديوان ( كريم خلف جبر ) – ( رمال غير متحركة ) الصادر عن دار تموز – رند 2011
في البدء ما هوالمطلوب من الشعر ؟ اعتقد إننا نمر بعصر اختلف فيه الناس كثيرا واللغة العربية الفصحى تقرأ في بلدان عديدة مختلفة الظرف والثقافة والمرجعية الأيدلوجية إضافة إلى ما أسبغه الحكام على بلدانهم من نعمة طرد المثقفين فمن يوم ما قاله صاحب الخطبة البتراء ( اذبح سعد فقد هلك سعيد ) وهذه حال المثقفين العرب الذين لجأ أكثرهم إلى الغرب فوجد هناك نعمة جديدة وهموم أخرى فاخذوا يصبون اهتمامهم باللغة ويرفعون أصابعهم تحذيرا لمن يشكو من جراحة ولمن لم يشبع من رؤية وجه امة القروية لأنه أما يطوف السجون أو جبهات القتال ، ضمن هذا ماذا يفعل أستاذ الرياضيات وكما ورد في تعريف نفسه ( وأنا اعرفه شخصيا ) وهو مشدود للحرب يتنشق غبار الطباشير وتجري منه دمعة خلسة على مراهق لا يهتم بدروسه فيتصور تنين الحرب يلتهم الجسد الطري ، ألا يحق له أن يصرخ من الم جراحة ؟ وعليه أن ينتقي حركة اللغة بعيدا عن وجوه طلابه ، أنا اشد على يد الشاعر فأولئك الخائفين من الموقف معتقدين بأنه يكبل الكلمة اعتقد إن أيديهم مستعدة لتقبل القيود ماداموا يتحدثون عن شيء لا يعرفون ملامحه فيعتقدون أنهم أكثر مني ومن كريم خلف وأمي وأمه الفلاحات ثقافة وحضارة ، لا أود الإسهاب ولكن احد الأدباء الألمان قال ( نحن في العالم الرأسمالي نعلم تماما إن الحليب الذي يشربه أطفالنا هو من عصارة دم الإفريقيين ولكننا غير مستعدين أن نترك أطفالنا بدون حليب ) فهل يستوي صوت كريم خلف وصوت ذاك ؟ أي الضحية والجلاد ؟
الهموم واضحة لدى كريم خلف واعتقد إن القصائد الموجودة في الديوان لم تسع همومه لذا كنت أفضل لو ألحق مقدمة بخط يده ، لربما أباح لنا بخيوط أخرى لازال يخفيها وإذا طالعنا قصائد الديوان نرى في قصيدة ( أمي ) وجوه عديدة هي الأم التي ورثها الفلكلور العراقي آلهة رحيمة كما عند السومريين والأشوريين وهي المحزونة بالحرب بملح عجينها ، بدمع عينيها كما في ص14 من الديوان :
( أمي التي تقطر من دموعها
ملحا في عجينها سر الدروب المهلكة )
ولكف هذه الأم ، لازال الزحف ألذكوري يخيم عليها ، نأكل خبزها المملح بدموعها ونشير إلى رجولة أبينا :
( أمي التي لم تنتصر مثل أبي عند اشتداد المعركة ) ص14 من الديوان
ويأتي الإخفاء في القصيدة في الأبيات الأخيرة ص16 – 17حين يسال كريم خلف عن سر تسميته :
(لمحتها مرتبكة
قالت:
تيمنا بقاسم مشترك بيننا
إني به مشتركة )
من هذا المقطع يظهر اعتزاز العائلة العراقية بالزعيم الوطني عبد الكريم قاسم ، وفي قصيدة (اعترافات ص34) فكلما قرأتها واعدتها خلصت إلى شاعر يعاني من اجل وطنه غير آبه بمن يصرخ في وجهه حيث يقول في بدء القصيدة وبصورة تعكس إليك ما يعانيه الفرد العراقي من يوم ولادته:
(أرضعتني الآهَ أمي والأنين
فحبوت فوق أشفار الخناجر)
وفي (ص37) يعرف بوطنه حيث يقول:
(حسنُ الصيت واني
من بلاد أرضها أمست مقابر)
قد يقول البعض إنها واقعية شديدة ولا تصلح للشعر ولكن أقول هذا موقف للتاريخ فبدل أن نطارد الأشباح علينا أن نرسم وصمة العار على جبين الفاعل ، وأي صورة للمأساة يرسمها الشاعر في قصيدة (لبن العصفور) ص40 حين يقول:
(فقأوا عين السماء
حين خرَّ الطيرُ في وضحِ النهار
يتلوى00يلعقُ الجرحَ ولكن
ليسَ في الجرحِ دماء)
وإذا جاز لنا أن نفسر موقف أبي العلاء المعري بالعبث فيبدو إن الإنسان حين يمر بالحروب والقهر والجوع يتبين له عبث الحياة ، إن ذلك الموقف السوداوي الذي هو عكس واجب الإنسان في إدامة الجنس البشري ، ونرى ذلك لدى الشاعر في قصيدة ( اللعبة)ص78 إذ يقول:
(حسون 00يا ولدي المحزون
ما كنت أن تكون لولا أبٍ مجنون)
لقد أرغمت تصرفات الحكام الإنسان على موقف ضد إنسانيته، ولو قارنا قصيدة (المعلم في حلته الجديدة) بقصيدة (المعلم) للشاعر المرحوم يوسف الصائغ لاتضح لنا الهم العراقي واحد فبرغم الاختلاف في الايدولوجيا بين الشاعرين إلا إن كلاهما اظهر إن الطالب الجالس على مقاعد الدراسة لا يريد إن يتعلم الوطنية إذ يقول كريم خلف مخاطبا معلمه :
(قلت لنا في يومها
هناك في السجون
في سرنا المدفون
صيادهم يصطاد) ص87
أما يوسف الصائغ يتذكر معلمه حين يكتب على السبورة كلمة (وطن) تسيل دموعه فيخلع نظارتيه ليجففهما، إذن الهم العراقي واحد وليس لكل طائفة أو قومية همها0
لقد احتوى الديوان على قصائد كثيرة تستحق التوقف ولا أريد أن أقول إنها خلت من ضعف في بعض القصائد وخاصة المطولة منها ، ولكن الشاعر كان أنيق الكلمة مما يدل على قراءاته لكتب التراث العربي ولم يتكأ على شاعر بحيث يظهر صوت الآخر ملازما لصوته لكنه التقى بمحمود درويش في همه الوطني وشجاعته وأحيانا بالثورة الجياشة لأحمد مطر كيف لا وهو لحد الآن يحترق وهذه الرياح التي تنقل العواصف من مكان إلى اخر0

بقلم كاظم حمود الحصيني
 

Share |