هل من عودة لسيماء النبي الأمّي-ظاهر صالح الخرسان
Fri, 20 Jan 2012 الساعة : 22:54

خُلق الإنسان حسياً أكثر مما هو عقليا ليتفاعل مع حسه أكثر مما يتفاعل مع عقله يعني ان النظريات والمفاهيم العقلية العامة في إطارها النظري حتى لو امن الإنسان إيمانا عقليا بها ودخلت إلى ذهنه دخولا نظريا ،مع هذا لا تهزّه ولا تحركه ولا تبنيه ولا تزعزع ما كان فيه ولا تنشئه من جديد إلا في حدود ضيقة ،على العكس من الحس فان الإنسان الذي يواجه حساً ينفعل به وينجذب إليه وينعكس على روحه ومشاعره ، إذا الحس هو المربي في الدرجة الأولى للإنسان والعقل هو المربي الثاني فلا بد للإنسان من حس مربي زائداً على العقل فلا بد من مربي للإنسان على أهداف السماء والتي هي عبارة عن مجموعة من قيم ومثل والاعتبارات وغيره فلا بد من خلق حس لدى الإنسان يدرك تلك القيم والمثل والمفاهيم ويدرك التضحية في سبيلها فلا بد من بذرة في نفس الانسان على استعداد الارتباط بالله عن طريق الوحي لكي تنكشف كل الحجب والستائر عن كل القيم لترى مرأى العين وتسمع سماع الإذن هذه البذرة التي وجدت في النبي الأمي محمد بن عبد الله (ص) واستطاع ان يكون الممثل الاول والرائد الاول لتلك القيم والمثل والأهداف العظيمة فأصبح هو المربي للآخرين من أبناء البشرية الذين لم يكونوا على استعداد لتلقي تلك القيم من اللطف الالهي فقد استطاع ان يثبت للبشرية ان هناك اعتباراًً وهدفا فوق كل المصالح والاعتبارات فوق كل الأنانيات فوق كل الأمجاد المزيفة والكرامات المحدودة هذه الإمكانيات الموجودة في النفس البشرية التي كرّس أرسطو وأفلاطون جهودهما في مئات الكتب على البرهنة العقلية عليها لكن لم تؤثر في النفوس بقيت عقلية محضة في حين ان تلك المثل التي أخرجها النبي محمد (ص) الى الوجود قاد امة تسكن في عمق الصحراء تمتاز بالغلظة ومتعطشة للدماء فقد جعلها خير امة أخرجت للناس فأعلن ثورته في ذلك المركز الديني والتجاري وسط الجزيرة محمد رسول الله كان اخر السلسلة من الرسل الرعاة ومن الطبقات المحرومة فهو بن المحنة وبن البادية والصحراء فأجتمع حوله المحرومين والعبيد ويواجه مقاومة الاشراف وتجار الرقيق والكهنة واهل القوة والجبروت الذين وصفه كتاب الله ((ملأ مترفين)) فهو من سلسة أنبياء واجهوا الطغاة والجبابرة و الذين لا يبدأون دعوتهم متوسلين بسلطان او بالقوة الحاكمة بل يبدأون معلنين حربا ضد الأوضاع القائمة لا هوادة فيها فجدّهُ إبراهيم يحمل فأساً ويتوجه إلى بيت الأصنام وهكذا بدأت رسالته مرورا بالحرق والعذاب وأخوه موسى الكليم الذي يخرج من وسط الصحراء بعد ان كان راعيا ويتوجه الى فرعون ويعلن عليه الحرب واخوه عيسى روح الله يقف امام القيصر ويوجه ضرباته القاصمة الى تلك الإمبراطورية المتوحشة أكلة لحوم البشر وهو يخرج من ذلك الغار ويعلن الحرب على تجار قريش وتجار الرقيق وجبابرة الطائف وكسرى الفرس وقيصر الروم فمحمد تركيب ومزيج من عيسى وموسى وإبراهيم نراه في سوح الوغى في طليعة أصحابه الذين يتشوقون للقتل والاستشهاد بين يديه عندما تشتد الحرب يصرخ بأعلى صوته (شدّوا ) فتحمر وجنتاه من السرور ويقول بصوت خافت وعلى شفتيه ابتسامة الرضا (الآن قد حمي الوطيس ) ويوم اخر نراه عندما يرمى بالرماد فيكون اكثر لينا من المسيح لا يقطب حاجبيه ويسال عن ذلك اليهودي وحينما يسمع بمرضه يذهب لعيادته وفي أوج قوته وقمة سطوته في تلك اللحظات التي دخلت الجيوش مكة المكرمة تلك المدينة التي عذبته عشرين عاما وشرّدته يقف الى جوارها كقدرة القيصر ولكن يحمل سيماء المسيح في حين تلمع بين يديه عشرات الآلاف من السيوف وقد شخصت الأبصار اليه وبلغت القلوب الحناجر لتلك النفوس منتظرة القصاص وكان على رؤوسهم الطير لم تزعزه نشوة الانتصار ولم تقلّل من خلقه من اجل الانتقام ،فيخترق مسامعهم صوت ملائكي محمدي المصدر الهي المنبع (اذهبوا.... فانتم الطلقاء) فكانت روحه عجيبة بأبعادها المختلفة قد أٍسس أمة ضربت أروع نموذج للأمة في تاريخ البشرية على الإطلاق
فكان تجليا لله في أرضه طبّق احكام الله خير تطبيق حتى لبّى نداء ربه وارتفعت روحه إلى الملكوت الأعلى ....فسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا شفيعا لأمته


