الأنظمة القومية العربية ورياح الخسارة -ناصرعمران الموسوي

Fri, 20 Jan 2012 الساعة : 22:31

قول البرت حوراني عن القومية بانها (ليست نظاما ً فكريا، بل فكرة مفردة، لاتكفي بحد ذاتها لتنظيم حياة المجتمع بأسره، لكنها فكرة فعالة، فكرة من ذلك النوع الذي يقوم بدور مركز الجاذبية الى الافكار الاخرى) والفكرة حسب مايراه الدكتور علي حرب في كتابه (اوهام النخبة أو نقد المثقف)هي:(استراتيجيات تنتج المعرفة بقدر ما تصنع الوقائع، وهي نسيج من العلاقات المركبة والملتبسة بين الذات والفكر والحقيقة)،
والفكرة القومية كانت الفكرة الاكثر حضورا ًمنذ الخمسينات وحتى نهاية التسعينيات ،وقد قامت الفكرة على اساس التفاعل بين عوامل متعددة مرتبطة بالتراث والحضارة واللغة والتاريخ والجغرافية وتبعها بعد ذلك الدين الذي صار اقرب الى التفسير القومي منه الى الدين السماوي، وهي بهذا التفاعل تشكل كما يرى فؤاد الركابي(حقيقة تاريخية عميقة الجذور) ولعل جذورها ضاربة في عمق التاريخ العربي للمنطقة بكل اجزائها مثل الفرعونية والبربرية كما يرى(منيف الرزاز).
والنظرة الى القومية نظرة متعددة فبعضها دعا الى اقامة خلافة عربية بابهى مظاهرها كما يرى عبد الرحمن الكواكبي في كتابه(ام القرى) والبعض يرى تنضيجها كعقيدة قومية عن طريق الدعوة للمفكرين بحيث تدخل كمزيج مبارك بعاطفة ابناء الامة كما يرى(قسطنطين زوريق)، في حين دعا الكثير من المفكرين الى ان الاساس في القومية هو اللسان العربي وهو مايراه جمال الدين الافغاني وقد برزت القومية العربية تاريخيا ًعندما بدأ مجموعة من المفكرين على حث الناس على الخروج على الخلافة العثمانية والتي ترجمت بعد ذلك بالثورة العربية ضد الاتراك عام 1916 والتي اعتبرها القوميون المحاولة الاولى الجادة للوحدة العربية بالرغم من انها اتت طبقا ً لمراسلات (حسين مكماهون) والتي تضمنت الاتفاق بين الشريف حسين والانكليز ضد الدولة العثمانية آنذاك، وايا ً تكن النظرة والرؤية القومية الا انها شددت على مفهوم مهم وهو نهضة الامة العربية وهي جوهر الفكر القومي كركيزة اساسية والتي انتهت في نهاية الامر الى تعزيز الهوية العربية بمواجهة الاستعمار الغربي، والنهضة العربية كما يرى(عبد المجيد البدوي) تقوم على مفهوم مركزي وفكرة اساسية هي المقاومة المستمرة للتخلف الشامل باسبابه الداخلية المتمثله بالاستبداد وتعطيل العقل لمصلحة الخرافة والاسباب الخارجية وهي الاستعمار، وبعد ان حققت القومية السياسية انتصاراتها بقيادة عبد الناصر ومحاولاته الكبيرة في تصديرها الى كل العالم العربي حيث صارت فلسطين القضية المركزية والاستعمار والصهيونية هم الاعداء الحقيقيون لحركة النهضة وبعث الامة العربية من سباتها لتاخذ دورها الريادي، فوجدت الصدى في بلورة الاهداف المهمة للقومية وهي الوحدة العربية التي عاشت تجربتها الاولى بالجمهورية العربية المتحدة.
التي انتهت بعد فترة قصيرة ليتم بعدها البحث عن تجارب اخرى وقد حقق التيار القومي سيادة للشارع العربي من المحيط الى الخليج ،وصارمنهاجا ً تربويا ًواستمر على ذات الوتيرة حتى بعد رحيل عبد الناصر لكن القومية ظلت كما هي بشعاراتها الرنانة التي كانت تملأ الحناجر والهتافات والتمني بالنصر العربي القادم على الاستعمار والامبريالية والصهيونية وتحرير فلسطين العربية ،الا انها وبمرور الوقت بدأت تفقد الكثير من هيمنتها على الساحة السياسية العربية ويعزو الدكتور(غسان سلامة) في كتاباته في (مجلة المستقبل) اسباب ذلك الى (انقضاض التيار الديني على الفكرة القومية وخطف منها جزءا ً كبيرا من جماهيرها ،وانقضت عليها الكثير من الممارسات القطرية فحرمتها من الكثير من شرعيتها وانقضت عليها ايضا ً افكار العولمة فاظهرتها وكأنها فكرة متخلفة بدائية ...) ويضاف الى ذلك ان الفكرة القومية التي حملت (الحرية ) شعارا ً لها وانتقدت الحكومات السائدة في مرحلة مابعد الاحتلال معتبرة ً تجربتها ومؤسساتها بانها مؤسسات استبدادية ،رأيناها هي ذاتها وبعد ان استلمت السلطة في اكثر من بلد عربي انتهى بها الامر الى الاستبداد والدكتاتورية والتعسف وأظهرت وجها قبيحا ً لايمت بصلة الى اية صورة للحرية والديمقراطية والتعددية حتى بدأت تلك الانظمة تؤسس لمايسمى بظاهرة (التوريث الجمهوري ) فكل القيادات السياسية المحسوبة على الفكرالقومي تحولت الى عائلات حكومية خلفت ابناءها في زعامة الدولة او هيأت لهم ذلك ،حتى جاءت حالة التغيير التي انطلقت من مدينة (سيدي بوزيد) التي ابتكر احد ابنائها طريقا جديدا في التغيير والمقاومة وهي طريقة (الانتحار حرقاً) دلالة واضحة عن الاحباط العربي ،ولم يدر في خلده ان جسده المحترق رفضا ً سيتحول الى ربيع لثورات دامية ضد الحكومات التي جاءت باجندات الفكر القومي ،فقد لاذ (بن علي) بالفضاء ليجد له ملجأً من غضب الشعب ،في حين ظل مبارك يتجرع هزيمته امام ساحة التغيير في مشهد نقلته الفضائيات التلفزيونية امام انظار الرأي العام العربي والعالمي بالرغم من ان خطابه الاخير حمل تذكيرا ً بشعارات المرحلة القومية وحرب اكتوبر علها تنقذه، غير ان الشعب لفظه الى قفص المحاكمة ،وما كانت نهاية القذافي احسن حالا من سابقيه فقد انتهت به الامور الى مشهد مذل لايليق الا بطواغيت مراحل تاريخية سامو فيها شعوبهم اقسى انواع الاضطهاد والظلم.
وما يحدث في سوريا آخر قلاع الفكر القومي هو مؤشر على ان التغيير والربيع العربي اطاح بالانظمة القومية بعد ان تنكرت لفكرتها التي اصبحت من الماضي وبان تأزمها ومحاولة بعثها هو ضرب من خيال او هو كما يرى غسان سلامة (محافظة البعض عليها من باب الامانة و الوفاء لها،لانهم كانو ا متعلقين بها بشبابهم وحافظوا عليها بكهولتهم، ولكن دون ان يستطيعوا أن يعبئو ا لها اجيالا جديدة).
لقد انقضت التيارات الدينية التي ركبت موجة التغيير والتي حصدت وتحصد نتائجها على معاقل الحكومات القومية التي اذن خريفها بالزوال ليبرز الربيع الاسلامي الذي بانت بوادره الديمقراطية من المغرب وتونس وحتى مصر ويبدو انه عصي على التوقف ففي جعبته الكثير من رؤى التوجه باتجاه دول اخرى فربيعه يعيش مناخا ً ملائما ً وارضــــــــــــا خصبة.
 

Share |