وسائل الاتصال في الثورة الحسينية// الجزء الأول- جواد كاظم الخالصي
Sat, 14 Jan 2012 الساعة : 16:28

أمر بديهي ان يكون في قيام كل ثورة ضد أي نظام طاغ ومستبد العديد من وسائل الاتصال مع القواعد الجماهيرية التي يمكن ان تؤيدها وتدعمها لوجستيا وماديا ومعنويا وفي النهاية ضمان الدعم البشري الذي يغذي هذه الثورة حتى تتمكن من أداء مهامها على الشكل الصحيح وتصل الى أهدافها التي يخطط لها ويرسمها قادتها ، لذلك فمن المؤكد أن الحاجة الى وسائل الاتصال ستكون مُلحة للغاية لتتواصل الاطراف فيما بينها والتي ستكون الآليات والمشعل الذي ينير درب الثوار وذلك بحذر كي لا يقعوا فريسة بيد الجلاد أو الحاكم الفاسد، وكذلك ليتمكنوا من الوصول الى أبسط فرد في الأمة ليعرف حقه المستباح من قبل حاكمه أو لنقول العائلة المالكة فلا فرق بين التوريث والتنصيب والتسلط ارغاما على رقاب أفراد الشعب ليلجأ عامة الناس الى تولية أمورهم لمن يثقون به ويدعوه ليكون مسؤولا عن ادارة شؤونهم وفق أصول العدل والانصاف التي أقرتها الأديان السماوية ، من هنا يصبح التواصل مهم لزرع مفاهيم الثورة أولا ثم القيام بها سلمية وان استوجب فيما بعد ان تدخل مرحلة استخدام السلاح نتيجة استباحة دماء الناس من قبل الحاكم المستبد والمُسلط عليهم عنوة.
وهذا بالفعل ما حصل مع الامام الحسين (ع) حينما جاءته الدعوات الكثيرة من قبل أهل الكوفة بسبب معاناتهم من ظلم عبيد الله ابن زياد بعد تسلّط يزيد بن معاوية على رقاب المسلمين بادعائه الخلافة عليهم في الوقت الذي لا يمتلك فيه حتى ان يكون مسلما فما بالك بخليفة!!! كونه كان عاقرا لشرب الخمر ولهوه مع نساء الطرب والفسق والمجون الذي كان يمارسه وهو يجلس على كرسي ولاية الأمة الاسلامية .
هذا التحول في امور المسلمين وما وصلت اليه الحالة كان لا بد للامام الحسين (ع) ان يتخذ موقفا ليصحح فيه المسار المنحرف لرسالة جده رسول الله (ص) وفي طبيعة الحال هذا يحتاج الى منهجية متسلسة يقوم بها ليصل الى تهيئة الامة والثورة على هذا الوضع النشاز حيث استخدم الحسين (ع) وسائل الاتصال التي يتعامل بها علم الاتصال الحديث اليوم ويخوض غماره كل جامعات العالم منذ سبعينات القرن الماضي بكل تفاصيله وتجلياته ، ولا بد ان نحدد وسائل اتصال الامام (ع) من حيث المشاركين معه في ثورته الراسخة بعقول الناس رغم مرور اكثر من عشرة قرون عليها ويتفق ذلك حتى المخالفين والموافقين مع هذه الثورة وحجم المشاركين فيها وهذه الوسائل تتوزع بين ما يلي:
* الاتصال الذاتي الذي عادة ما يحدث مع الشخص نفسه وهو يرسم طريقه الى الهدف الذي يريد الوصول اليه وبالفعل ذلك ما دار في خلده ليحدد خطوط الثورة بعد ان لاحظ ان الرسالة الاسلامية التي رسخها جده النبي محمد (ص) آخذه بالانحراف من قبل هؤلاء الذين نصّبوا أنفسهم أوصياء عليها والتحكم بأمور المسلمين وهم لا يتعدون زمرة من الفسقة والجهلة يقودهم شارب للخمر قلب موازين الحلال والحرام. وهنا أدرك الامام أن الرسالة الاسلامية لن تعود الى سابق عهدها زمن جده رسول الله (ص) الا بتلك المسلّمات الحتمية في قيام الثورة ضد يزيد وولاته على الامارات .
* بعد ذلك انتقل الى الاتصال الشخصي والتي تشبه كثيرا في أفعالها وتطبيقاتها الاتصال الجمعي أو المباشرة والمواجهة بين شخصين وجها لوجه أو مجموعة من الأفراد مثل أفراد الاسرة للحديث في موضوع مشترك يمثل هموم الامة ومعاناتها، حيث قام الامام (ع) باديء الامر بلقاءات فردية بينه وبين أخيه محمد بن الحنفية من جهة وبينه وبين أخته زينب(ع) من جهة أخرى وحديثه مع العقيلة زينب يختلف وله أهمية باعتبار الدور الذي ستقوم به زينب (ع) خلال مراحل الثورة وما بعدها كونه دور شاق ومتعب وعليه ترتكز اهداف تلك الثورة وامتدادها في عمق التاريخ وهو ما لمسناه فعلا بما وصل الينا، وكذلك اللقاءات الجانبية الاخرى للامام مع الاخرين قبيل مغادرته مكة والمدينة المنورة للتوجه الى العراق، وان عملية الاتصال هذه تتيح للامام (ع) فرصة المعرفة الحقيقية في مدى تأثير رسالته والاهداف المرجوة منها من أجل توجيهها بشكل صحيح وتكون فاعلة وترسم طريق الثورة الفاعل والمؤثر في نفوس الناس، وربما المناظرة التي جرت بين الحسين (ع) والحر بن يزيد الرياحي قلبت موازين ومباديء الحر بالاتجاه الذي اختطه الامام في فكر الثورة التي أرادها أن تكون اصلاحية تثقيفية لردع الناس عن انحرافهم وتبعيتهم ليزيد والرجوع الى طريق الحق .
* الوسيلة الاخرى هي الاتصال الوسطي مستخدما فيه بعض مبعوثيه الى عدد من الشخصيات المعروفة ذلك الوقت أمثال زهير ابن القين وحبيب ابن مظاهر الأسدي ومسلم ابن عوسجة وغيرهم آخرين حيث أبدع الامام (ع) في فنون الاتصال عبر رسائله اليهم بواسطة مبعوثين، وما أثّر فيهم هو عمق الرسالة ومعانيها التي استخدمها في ايصال الفكرة ودوافعها الى من خاطبهم كون ان هذا النوع من انواع الاتصال يستخدم ما لم يتوفر حينها زمن نهضته للثورة كالهاتف والتلكس والراديو والافلام التلفزيونية، وهذا النوع من الاتصال يشبه الى حد كبير الاتصال الجماهيري لان المشاركين فيه يكونون بعيدين مكانيا كما هو حال من دعاهم الامام الى الاشتراك في الثورة فلم يكن حبيب ابن مظاهر قريبا من زهير ابن القين بتلك الصحراء وأبعادها وكذلك بين الاخرين الذين قاموا لنصرته ومشاركته تلك الثورة.
سأناقش في الجزء الثاني وسيلتي الاتصال المهمتين العامة والجماهيرية التي ترتبط بما هو عليه اليوم عندنا من قيم ثورة الامام الحسين ع وتلك المشاعر المليونية التي تجاوزت حدود الجغرافيا والبشر.