من ذكراها.. في الحرية-محمد طالب الأديب

Tue, 24 May 2011 الساعة : 8:37

لا تنحصر الحرية بأن تمنح الآخر حقه في التعبير عن قناعاته، كما لا يمكن لك أن تمنح الحرية الى الآخر إلا إذا غرستها في نفسك حتى تكون إحدى أهم قناعاتك الفكرية على مستوى العقل، وإحدى أهم طبائعك على مستوى السلوك. وقبل ذلك ينبغي أن تكون الحرية إحدى سماتك الإيمانية على مستوى التدين فـ"إنّ آدم لم يلد عبداً ولا أمَة، وإن الناس كلهم أحرار"، بل إن الحرية بمفهومها العلوي تصل الى ما يقوله أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام): "لستُ أرى أن أجبر أحداً على عمل يكرهه". والأكثر من ذاك، فإنه (عليه السلام) سمح لجمع طالب بأداء صلاة التراويح (من بعد أن منع عنها لعدم وجود أصل إسلامي لها)، وفي ذلك إشارة مهمة على أولوية الحرية على المبادئ والأشياء الأخرى، وهذه الأولوية الإنسانية السامقة هي التي تجعل الحرية مسؤولية الجميع، فأنت تريد حريتك، والآخر يريد حريته، وإن الحفاظ على حريتك يستلزم دفاعك عن حرية الآخر، وإن انتهاكك لحرية الآخر هو انتهاك لحريتك الشخصية أولاً، فإن نار القمع إذا ما طال شررها غيرك، فإنه سيطالك، ولو بعد حين.
لذلك، فإن من القصور أن يضيق الحديث عن حرية المرأة بظواهر أفعالها كنمط كلامها وملبسها لما للحرية من أبعاد تصل الى أعماق العقل والوجدان والإرادة، بل في هذا التضييق تشويه للحرية وتحجيم لمحوريتها في بناء الفكر والإنسان وصناعة الحياة الحرة الكريمة، لذلك، فإنه غالباً ما تنتج الدول الحرة مجتمعاً مؤمناً. حيث توفر الحرية للإنسان والمجتمع الفرصة الحقيقية لكي يستعيد الفطرة التي فطر الله الناس عليها والتي أساسها "جعلك الله حراً". لا أن يكون "مناع للخير معتد أثيم". وبموازاة ذلك، لا أن يكون قارئاً للقرآن "والقرآن يلعنه" كما في الحديث الشريف.
إن في الحرية الكاملة فرصة تؤكد من خلالها المرأة قدرتها على انتاج المجتمع الفضيل القائم على أساس الأسرة السعيدة، فالحرية تعطي المرأة خيار أن تكون (حرة) لتسمو بنفسها في مراتب عفاف النفس وطهر الجسد والتفوق العلمي والمهني، وخيار آخر أن تكون المرأة (متحررة) من ضوابط أخلاقية - أكدتها أديان وأعراف - فتفقد بذلك أول ما تفقد حريتها وأنوثتها، فإن جمال الحرية فضيلة، وإن وهج الأنوثة طهر وأدب.
إن تسطيح واقع فتياتنا - اليوم - واستسهال سلوكيات شائنة تسللت الى عقر مجتمعاتنا أمر خطير، فما كان بالأمس توقعاً وتخوفاً أضحى - اليوم - حقائق وأرقاماً... دعوتنا أن تكون من أولويات مهرجانات الاحتفال بمولد سيدة الفضائل والأخلاق السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) التأكيد على أنه مَنْ ألقى جلباب الحياء فلا إيمان له، وأن لا حجاب بلا عفاف، وأن رأس مكارم الأخلاق الحيـاء. وأن ترتقي المهرجانات والمؤتمرات الى ما تستحق صاحبة الذكرى ويواكب تطور الفكر والإنسان والحياة، فما زال "علي" ومن وسط ليل تلك الصحراء يفيض بعلمه الجم الى سكنة تلك البئر الموحشة فليس هناك وهنا مَنْ يسمع!.
23/5/2011
[email protected]

Share |