انه زهوك يا عراق -جواد المنتفجي
Sun, 1 Jan 2012 الساعة : 14:37

وداعا 2011 عام الجلاء
أهلا 2012عام الأعمار والبناء
-1-
كم هو جميل وممتع، لمّا زرتنا يا( وطني ) هذه الليلة، ووجدتنا نهتف لك تراتيل زهو نصرك:
- هيا افرح يا عراق !
-2-
ابتسمنا لما لمحناك تترجل من صهوة المجد وراح طيفك يدنو على رسله منا، هامسا لنا بكلمات وئيدة، وكأن وقع حروفها توقظنا من سبات مللنا من إسهاب العوم في بحور لا مد لها، ولا جزر:
- وبماذا تفكرون الآن؟
قلت ، وغدوت مسترسل الذكرى:
- أتذكرون ! حينما زرتكم في نفس الوقت من العام الفائت ،ووجدتكم محجرين بين ردهات هذا الكون الصخري ، كنت مزهوا بفرحتي وأنا أراقبكم عن كثب وأنتم تخطون خلسة سر كلماتكم العجيبة على الجدران :
-سنمنحك أنفسنا فداء يا أيها الوطن الشامخ شريطة أن تنتعل خف أحزان هذا الوباء في يوم ما !
ذهلنا لحظتها بهذه المفاجئة ، وبلا إرادة منا هرعنا أليك مستفسرين عن سر حضورك هذه الليلة بالذات:
- وما سبب عودتك ثانية بعد غيبتك الطويلة؟
- جئت أزف لكم البشرى التي لطالما انتظرتموها رزحا من الزمن .
قلت ،ثم رحلت ثانية مستنفرا مجاهل الرحلة ،وأمسيت والآخرون ممن عانوا كثيرا من زهق هذه الرحلة مشروعا مثيرا للشفقة ،لحظتها شعرنا بأن الحياة كانت في غيابك قد توقفت عن الجريان تماما ،وبأن وجودنا عليها ما عاد إلا أن يكون سطحيا ،أو بالأحرى كانت حياتنا قد أصبحت عبارة عن دعابة أخرى من دعابات هذه المأساة، والتي بتنا نسميها لعقود منصرمة ( مهزلة الحياة ).
-3-
تمتمنا .. ونحن نلملم شتات السنين الماضية..ندب السنين التي ما فتئت ثوانيها المتعبة إلا أن تكون كآهات موجعة تئن في خوار ضلوعنا المحمومة..إذ ذاك بدأنا ومن فيض هذياننا نتعوذ من أوارها التي وجرت كل أنحاء جسدنا واضطررنا لحظتها وأنت لا زلت بعيدنا عنا إلى أن نصرخ في خلو صلواتنا في عباب السماوات..وبأعلى الأصوات:
- الخلاص،
الخلاص يا الهي الخلاص !
-الغوث
الغوث يا ربي الغوث !
وبلمح البصر..خطفت حالا جنبنا، فكأنك تشد من أزرنا لتوقفنا على قدمنا لمجابهة طوفان ذلك الغوث والخطر، عندها أحسسنا بكفتك الرحيمة تنتشلنا من آبار الأعوام المغتصبة..دخان الأعوام السيئة التي توقعنا فيها حصاد الكثير منا على أيدي تجار حروب المراهنة..والسفاحين من أمراء الخطف والذبح..مخترعين وعيد الموت.. وزنادقة كمائن السجون..والمقابر الجماعية وحلبجة..والأنفال..والدجيل .. والنخيب وانفجارات الخميس الأسود الدامية ..أو سمهم ما شئت ،فقد أزمعوا على تفتيت تقاوي الدم الطاهر والنبيل، وراحوا ينثرونه بلا هوادة في بلل الهواء المتساقط عكس نحيب الريح المسفوحة التي هبت ودبت من كل صوب وحدب لتدمر شناشيل شرفاتك السرمدية ،وبين الفينة والأخرى ،وبدون أن ندري ،رحنا نعبأ أنفاسنا من نفح طيب أنفاسك الطرية وهي تقحمنا انفرادا بترتيل الكلمات التي اعتدنا ترديدها معا منذ الطفولة راميا حجرتك الأولى، صائحا بنا :
-النور..
النور..انه شان الحياة!
-النور..
النور.. انه من صنع القرار!
وبلمح البصر..تنهض مسرعا لتخطب بالجمع الملتف من حولك، والمحتفي بقدومك، راميا حجرتك الثانية خلف جّرادهم المنهزم والذي اخذ يذوي على الأرض المحترقة بعد أن كان مختفيا فيها ليتلف حقولنا المخملية صارخا بنا:
- كل أحلامهم تلك باتت هراء ،بل أمست محض خيال حينما أخفقوا بتحقيق آمالهم بان يخلفوا ورائهم كل شيء تراب ،فكفوا يا أحبتي عن المحاولة .. كفوا وانسوا أمرا مثل الانتحار..رصوا صفوفكم لنواجه أثار هذه المحنة بشموخ! هيا تهيئوا لنثور في الأيام القادمة على ما تبقى من أيتامهم ..هيا توحدوا لننفجر ..هيا لنتشظى سوية ، ألان وبدون أن نستثني أحد..هلموا يا ناسي وأهلي..رددوا معي:
•لا ..لأصنام الأرض..أحجار لعالم المخيفة !
* لا.. لتماثيلهم المنتصبة على طول وعرض البلاد !
* الطواغيت..الطواغيت..التي لم تترك لنا غير خيارتين..ذعر الموت الذي لم يكن لنا منه بد، أو غمغمت الانتحار في غابات أصنامهم المرعبة.
وبومضة خاطفة طفقت تحث الخطى ،لتقود جموعك الزاحفة .. راميا حجرتك الثالثة:
-سيان لدينا أمر الموت ألان ،ففكروا معي بروية للخلاص من ومضة جنون هذا الاختيار المكشوف..الانتحار!
وتغور لساعات بين فلولهم المندحرة ،لحظتها قلقنا عليك كثيرا ،فعلى الأرجح من أن ثمة من ثلة لبعض أولئك الجناة قد اعترضوك وسط الطريق ،ولربما أعدموك لمّا مسكوا بك حرقا بالتيزاب ، أو بالمثرمة ، وحسدناك لحظتها ،فربما اخترت أنت دوننا الشهادة بعد أن تركتنا هنا لوحدنا نقاوم عكس التيار.
وبلمح البصر، وللمرة الرابعة..تهبط كرؤى مع صلاة فجر ذلك اليوم الوضاح ، مرتديا كفن الصالحين المشع ببياضه على طول الأفق ، مستوزرا بفوط الأمهات الثكلى ، وعلى شفتيك وشاح بسمة الفقراء والمساكين والمعوزين اليتامى وأنت تومئ لنا بيديك مستنفرا مجاهل رحلتك الجديدة صوب جبالك الشماء ، وعلى جنح الريح كان جوادك الأبيض يجول فيهم تارة ، متخطيا كل خيولهم الملتاعة وهم يتساقطون تباعا من ضرباتك المتلاحقة الموجعة.. وفي أخرى كنت تهبط على بعد شائكة منا متوسدا سفوح وروابي مدنك الجميلة... راميا حجرتك الرابعة، والخامسة..ثم السادسة مرددا مسك ختام كلماتك الخالدة:
*هيا..انهضوا..أنه المخاض!
*هلموا..انه الانهيار!
*هيا لقد انتهت اللعبة، وحوكم السجان!
*هلموا..لنرجم بالحجارة ما تبقى من أعوانه الماثلين خلف القضبان..
*هيا..بسملوا ، وحسب!
بسملنا.. وسمينا .. وابتهلنا متوسدين أبراج حدودك الملتهبة والمدماة بالدم واللحم المشتعل ، وبلا شعور تولينا معك رمي حجراتنا السابعة..والثامنة..والتاسـ..و..و.. صوب قفص الاتهام حيث كان يقف هناك الجلادين والجلاد، مرددين صدى أنشودتك الخالدة:
غاية تشرف وراية ترفرف
يا هناك في عـــلاك قاهرا عـداك
موطني
موطني
موطني


