الوهابية السعودية والعلمانية التركية :: تزاوج فكري أم التقاء مصالح؟-جواد كاظم الخالصي
Sun, 1 Jan 2012 الساعة : 14:32

تلاقح الأفكار كثيرا ما يحصل بين فكر وفكر آخر، أو القريبة من بعضها، او أنها تلتقي في مراحل معينة بذاتها لتحقيق هدف مشترك، او الحصول على نتائج ملموسة تخدم مبادئ كلا الطرفين وفي النهاية يحاولون الوصول من خلالها الى القاعدة الجماهيرية على مستوى العمل السياسي.
بين أيدينا اليوم نوع من التزاوج الفكري لقاعدتين متباعدتين في المفاهيم والرؤى على مستوى البعد السياسي والديني، هذا التلاقح الذي حصل ويحصل اليوم ما بين العلمانية التركية الأتاتوركية من جانب والوهابية السعودية من جانب آخر، لم يكن مبنيا على أساس العقيدة والدين لأن الخلاف والتباعد بينهما يبلغ ذروته بل يصل الى مرحلة التناحر الفكري، انما هي المصالح السياسية المغلّفة بروح العقيدة من اجل الوصول الى الغايات المعتمدة في أجنداتهم وذلك هو واقع تمرير مناهج العصابات المسلحة من تنظيمات القاعدة وغيرها من الذين أوقعوا القتل والدمار بأبناء الشعب العراقي فكان نصيب مكونات المجتمع العراقي بالكبير جدا، هذه الاستراتيجية وغيرها من الشواهد لسياسات هاتين الدولتين تكشف لنا اليوم عرى سياساتهم المشبوهة في التعامل مع ملف الأزمة السياسية العراقية وبانت للعلن مواقفهم المغرضة وأهدافهم في صنع مستقبل مظلم للعراق على المدى القريب والبعيد، والظاهر أنها العودة الى احلام الامبراطورية العثمانية من جهة، ومحاولة الهيمنة على جزيرة العرب من جهة أخرى والذي يتطلب كل الحدود الجغرافية العربية والقبول بولاية الامارة السلفية وان كان على مستوى العقيدة التي تستنشق هواءها من تورا بورا !!!
في خضم هذا الاندماج العقدي والفكري هناك محاولة للتسلط على العراق عبر دولتين كبيرتين تحيطان به شمالا وغربا نلاحظ دخول الأخوة من المكون الكردي ممثلا بالطبقة السياسية في اقليم كردستان العراق تلك اللعبة التي صورها لهم من هم يحاولون الإيقاع بالعراق وبحجة إبعاده عن فردية الحكم الدكتاتوري والحزب الواحد لخلق أزمة تبحث عنها هاتان الدولتان ، مع يقيني أن السياسيين الأكراد أكبر من أن يقعوا فريسة مخططات مشبوهة يراد منها تفتيت العراق وفي النهاية تدور الدائرة عليهم ، لأن كل منهما سواء العلمانية التركية او الوهابية السعودية لديه ثوابت وخطى يسير باتجاهها وإن تم تدمير كل من في طريقهما.
على وفق ذلك أتمنى للطبقة السياسية في إقليم كردستان العراق أن لا تخطأ الخطأ الفادح الذي يجعلها تكون ضحية خلط الأوراق التي تنفذها الأجندة الإقليمية الواضحة المعالم اليوم نتيجة التداخل الذي يحصل في المنطقة سواء في سوريا او الدول العربية الاخرى باستخدام اسلوب الكيل بمكيالين سواء الاتراك أم السعوديين ومَن وراءهم، كما هو الحال في التعامل مع اليمن وليبيا والبحرين وسوريا ومصر والأهم من ذلك تعاملهم مع الواقع العراقي قديما وحديثا ولعل الازدواجية في تعامل سياسة انقرة في نقد الحكومة السورية لقتلها المدنيين السوريين في الوقت الذي تقوم به قواتهم وطيرانهم بقتل المدنيين من ابناء شعبهم من القومية الكردية في ديار بكر رقما واضحا لسياسة الكيل بمكيالين (مع رفضنا لكل وسائل القتل وفي أي مكان) أليس هذا هو القبح السياسي، ولربما إخوتنا في كردستان العراق انتبهوا لتلك الأرواح التي زُهقت بظلم ودون حق، كما ان الطاقم العربي وخصوصا السعودي منه ومعهم أغلب الدول العربية رفضوا وبشكل قاطع عندما رُشّح السيد جلال الطالباني رئيسا للبلد واعتبروا أن العراق عربيا فكيف يكون رئيسه كرديا!!! وقد برزت ذلك الحين ضوضاء ولغط عربي على أعلى المستويات بلغة الرفض كما استهجنوا حينها توزير السيد زيباري لخارجية العراق ولنفس العلة والعقدة القومجية التي يعانون منها، مع استهجاني لها شخصيا وهي ليست من ثقافة شعبنا العراقي، لكن القرار العراقي كان اكبر منهم ومن أهازيجهم وهو ما حجّم علاقة العراق مع تلك الدول وبالخصوص العربية السعودية.
كل هذه التداعيات وتفاقم الوضع العراقي الذي سمح لهؤلاء التدخل بشكل مباشر وغير مباشر بالشأن العراقي نتيجة تفاعلات قضية في اعتقادي هي قضائية بحتة لا تتجاوز الى أن تكون بهذا المستوى من التشاحن السياسي والتباعد بين مكونات العملية السياسية في العراق فهي في النهاية لا تحتمل هذا التهويل الكبير الذي مارسه الاعلام بكل وسائله وكأنها مشكلة يتوقف عليها البلد ومصيره الجغرافي والسياسي في حين ان مثل هذه القضايا الجنائية في بلدان اخرى لا تتعدى جلسات المحاكم ليصدر القضاء أمره فلماذا هذا التضخيم والتضليل اللامحدود ، وعليه أقول ان تلك الدول الاقليمية تريد توريط الساسة الأكراد في قضية هي من مهمات الدولة المركزية بعيدا عن كل التفسيرات المريبة.
لذلك فلا يمكن تسييس قضية نائب رئيس الجمهورية السيد طارق الهاشمي وهي من الامور المتعلقة بالقضاء فالمسؤول سواء كان رئيس دولة أو نوابه أو رئيس وزراء ونوابه أو أي مسؤول آخر ليس أعلى من القانون والدستور الذي تعتمده الدولة حينما تُوجّه اليه الاتهامات كونهم ليسوا بالمعصومين من الخطأ،، فالكثير من الرؤساء والحكام في العالم من أخطأ وتعرض الى المحاكمة وحُكم منهم من حُكم بعد ادانته، ومنهم من بَرّأه القضاء فلماذا إذن نهوّل الامور بهذا الشكل الذي شلّ الحياة السياسية وعطل أهم مؤسستين تخدم المواطن وهما السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية ، اذن القضية أكبر من إتهام السيد نائب الرئيس والدفاع عنه من قبل تركيا أو السعودية أو غيرهم فهي أجندة يريدون من خلالها الوصول الى تحطيم الديمقراطية النامية في العراق وتفتيت البلد لمآرب في عقولهم لتبرهن لنا هذا التزاوج المُحرّم أصلا بين هذين الفكرين المتباعدين.


