الملك شولكي.. امبراطور العراق القديم وموسيقار اور البارع -عامر عبد الرزاق الزبيدي

Sat, 31 Dec 2011 الساعة : 11:01

 الملك شولكي.. امبراطور العراق القديم وموسيقار اور البارع
((حكم العراق بالحب والأدب والموسيقى واحترام الآخر فكم نحن ألان بحاجه إلى شولكي جديد يحكمنا))
في محطة من محطات العراق القديم زمنا والأكثر حداثتا وألقى كما أعتقد , وفي لحظة من لحظات المشهد التاريخي العظيم لبلاد وادي الرافدين , وقبل ألفين ومائة واحد عشر عام قبل الميلاد (2111ق.م) أسس الملك أورنمو إمبراطورية سميت بإمبراطورية أور الثالثة , وكانت عاصمتها مدينة أور .
في تلك المدينة (مدينة القمر) والحاضرة السومرية السعيدة الغافية على ضفاف نهر الفرات , ولد المولود المرتقب للحياة انه (شولكي) , ترعرع في أور ودرس في مدارس الكتبة (بيت الألواح) , وكان فتى في الصدارة وأحرز السبق في كل من فن الكتابة والرياضيات , انه كان إنسانا عظيما جدا ,فلا شك انه كان إنسانا ذا ذكاء بالغ , وتعلم الموسيقى التي كان يعشقها ولا ينام إلا على صوتها الدافئ , حتى كان موسيقيا متخصصا ماهرا يعزف بأية أداة وترية أو هوائية , لأنة يلم بتقنيات الأصابع , ويفهم مختلف أنماط التأليف الموسيقي , وقد ألف الأغاني كلمات وموسيقى وأعطاها لمدارس الكتبة في كل من (أور ونفر ) وعندما اعتلى (شولكي) دكت الحكم على أكبر إمبراطورية شهدها العالم لم تغب الموسيقى عنة أبدا لأن الشعب السومري كان شعبا مرهف الإحساس متذوق للنغم الموسيقي ,حتى أنة كان يسمي نفسه ب(الملك الموسيقار) فبالموسيقى دخل قلوب الناس وكان في المناسبات المختلفة لبلاد سومر يخرج شولكي ويعزف هو بنفسه لشعبه مقطوعات موسيقية , وكان من أشهر الاتة الموسيقية قيثارة وصفت بأنها ذات (ثلاثين وترا) واله موسيقية أخرى سميت باسم أحد ملوك كيش القدامى (أورـ زبابا) , وأسس شولكي دار لتعليم الموسيقى في قصره , وهو يشبه إلى حد كبير معهد الموسيقى العالي في الوقت الحاضر .
وأيضا من أهم أعمال ذلك الملك العراقي هو القضاء على الأمية ومحاربتها فقام بنشر المدارس في كل أنحاء دولته وجعل جميع أبناء امبراطوريتة من الذين يقرءون ويكتبون كما يشير أحد النصوص المسمارية ذلك , وأنا أرى إنها كانت مدارس بها كل وسائل جذب الطالب , فلا يوجد من يجلس على الأرض !! ولا توجد صفوف بلا أبواب !!ولا مدارس ثلاثية الدوام !! كما يوجد ألان للأسف الشديد ؟!!!!.
وكان شولكي يحترم كل المعتقدات الدينية المختلفة للبلاد التي هي تحت سلطته , ولم يفرض معتقدة أو دينه حيث انه أمر ببناء معبد للإله (شرشيناك) في عيلام حيث تشير البقايا الاثارية التي عثر عليها في سوسة إلى إن شولكي بسط سيطرته السياسية على عيلام و انشان إذ دخلت سوسة تحت الحكم السومري في السنة الثانية والعشرين من حكمة , حيث بقيت سوسة مدة طويلة تابعة للسلطة السومرية في أور, وذلك من خلال إدارتها من قبل حكام تابعين لشولكي وكان من بينهم حاكم سوسة (اولكي ـ أوم), أما في عام 2006 قبل الميلاد وعندما ضعفت أور شن العيلاميون حربا على أور أحرقوها ونبشوا قبر شولكي الذي بنا معابدهم ورمم قصورهم !!!! (فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان)؟!!!!.
وقد كان شولكي رياضي (عداء) يهتم برياضة الساحة والميدان , وتشير النصوص انه ركض من نفر الى أور وعاد بما مسافته ثلاثمائة وعشرون كيلو متر (320كم) , وهذه ألركضه يعيدها عدة مرات , وكان في بعض ركضه أسرع من العاصفة كما يؤكده أحد النصوص المسمارية , وكان دائما يظهر نفسه كرياضي يتمتع بقوة ومقدرة فائقة في العدو (كبغل جبلي).
وأهتم شولكي بطرق المواصلات بين ولايات دولته , ويفاخر في نص له انه وسع الطرق وجعلها مستقيمة , وأمن طريق السفر وبنا عليها استراحات كبيرة زرع حولها الحدائق وأقام فيها الأشجار حتى إذا ما أتى المسافرون فيمكنهم أن ينعموا بظلها البارد , وكانت دور الاستراحة هذه تقدم مجانا المبيت للمسافرين , ((فهل توجد ألان دور استراحة في الطرق الخارجية للمبيت مجانا ؟!! وهل توجد طرق واسعة ألان في عراق اليوم كما كان في عهد شولكي؟!!!)).
ومن الملاحظات المهمة التي كان يتحلى بها الملك العراقي (شولكي) انه كان يعرف اللغات الأجنبية كما لم يعرفها ملك من قبلة , ولهذا يستطيع أن يتكلم مع ملوك وسياسيين وفنانين وتجار من بلاد عيلام وبلاد الشام ومصر واليونان والهند والصين بلا مترجم لأنة درس لغاتهم وتعلمها ((على عكس سياسيين اليوم الذين لايعرفون إلا لغتهم الأم فقط ))!!!!.
ومن أعمال شولكي المهمة في بداية تولية لحكم الإمبراطورية الكبرى هو تقسيم دولته إلى ولايات لكل ولاية حاكم يدورها من هذه الولاية وتتمتع ببعض الحريات والاستقلالية , وعدم المركزية.
وقام شولكي بإصدار تقويما جديدا لكي يستعمل في عموم الإمبراطورية , وقام بتوحيد الأوزان والمقاييس.
ومن أعمالة المهمة التي نهضة بالدولة وقضت على البطالة هو القيام ببناء المعامل والمصانع التي استخدم فيها آلاف النساجين والنجارين والحدادين والاسكافيين .....الخ
((وعلى الحكومة العراقية ألان أن تأخذ من خبرة شولكي وحكومته النصيحة بالاهتمام بوزارة الصناعة التي أصبحت ألان فقط تسمية بلا واقع لها , ولا مصانع عملاقة تفيد البلد وتقضي على البطالة التي عالجها شولكي قبل أربعة آلاف عام لدى الشباب))؟!!!!.
وقام شولكي بالقضاء على التصحر وذلك من خلال زرع الساحات بالحدائق , وتشجير جوانب الطرق , فكانت الساحات الخضراء تعم جميع أرجاء الدولة , وهذا طبعا ما يبهج النفس ويمنع العواصف الترابية التي نعاني منها هذه الأيام لانعدام الساحات الخضراء وزحف الصحراء علينا ؟!!!.
وما التفت إليه الرئيس شولكي هو فصل الدين عن السياسة , وأصبحت الدولة تدار من قبل القصر وليس من قبل المعبد , وهذا ما يشهد به قصره الكبير الذي بناه في أور حيث بعهده سيطرت الحكومة على الموارد الطائلة للمعبد , وقد فعل ذلك بوضع جميع أملاك المعابد تحت سيطرة حاكم الولاية , وبهذا أصبح الحكم مدني ,((ونحن في عراق اليوم بحاجة لفصل الدين عن السياسة , وأن تدار الدولة من قبل السياسيين المختصين , وأن جميع موارد الدولة من أضرحة ومراقد ومزارات وجوامع يجب أن توضع تحت يد الدولة , وفي خزينتها , وهذا ما يعطي هيبة كبيرة للدولة )).
وقد وضع شولكي برامج الإصلاحات الإدارية والاقتصادية , ووضع خطط بعيدة المدى للنهوض بالدولة , وكان شولكي أول ملك معروف يذيع على الناس مجموعة من القوانين التي نسبت إلى أبية , وهو يذكر فيها صراحة إن الهدف من هذه القوانين حماية الضعيف اقتصاديا من الغني أو كما يعبر شولكي ((لم اسلم اليتيم للرجل الغني )) ((ولا الأرملة للرجل القوي )) , وللعلم كانت المرأة في عصر شولكي تحضا بالحماية واحترام حقوقها .
ويذكر أحد النصوص المسمارية ((وقد شغفتة العدالة حبا , فكان لا يتكلم إلا ويسيطر على المجلس الذي يتكلم فيه)).
وأهتم شولكي بالعمران والبناء فقد أكمل بناء زقورة أور , وزقورة الوركاء , وتجديد بناء حارة (تمال) موضع عبادة الآلهة (ننليل) في مدينة نفر.
ولقد كان شولكي أديب يكتب الشعر والتراتيل , وكان اسلوبة ذا اسلوب أدبي رفيع.
فهو يجمع بين السياسة والاقتصاد والفن والأدب والموسيقى , واحترام الآخر , وحب الناس جميعا , فكم نحن بحاجة ألان لشخص مثل شولكي العظيم يقود ذلك البلد العظيم .
وهاهو ألان قصر شولكي في أور ذلك القصر الذي علم العالم اللحن الجميل , والنغم الموسيقي الذي شع في أرجاء الإمبراطورية ليرسم الآمان والحب والسلام , هاهو متروك بحالة مزرية ومدينة خاوية تلك أور قبلة العالم القديم , وهاهو شولكي إنسا منسيا لا نذكره , وأغلب العراقيين لا يعرفون , ولم يسمعون به , وهذا ما يؤلم ويدمي القلب .
فأنا أطالب كل الجهات العراقية الأصيلة التي تحب أن تأخذ هذا الموضوع على عاتقها أن ينشأ نصبا تذكاريا للملك ((شولكي)) في الناصرية وآخر في عاصمة العراق بغداد , ليرى العالم بأجمعة ذلك الملك الذي قاد بلاد وادي الرافدين , وأنشأ أكبر إمبراطورية في تاريخ العالم القديم , وأن يقام حفلا تذكاريا ل (شولكي) تقدم به البحوث والدراسات عن ذلك الملك , ونتعلم منه كيفية إدارة العراق والنهوض بذلك البلد حتى أصبح في القمة , وأخيرا أن نرسل الرحلات من كافة محافظات العراق الحبيب إلى قصر شولكي لزيارته , و استيحاء الدروس والعبر من عبق الماضي التليد منطلقا لبناء عراق جديد مفعم بالحياة .

عامر عبد الرزاق الزبيدي
منقب آثـــــــــــــار
دائرة آثــــــار ذي قــــــار
 

Share |