بعث العراق من البداية المريبة حتى النهاية الغريبةللباحث طالب الحسن-عدنان الرفاعي

Fri, 30 Dec 2011 الساعة : 23:41

 لم يكن جديد علينا ان يطل نتاج الباحث طالب الحسن في مجال التوثيق والتحليل لظواهر تاريخية شكلت علامة بارزه في تاريخ العراق الحديث هي الاولى في حقبة الحكم البعثي البائد فقد صمتت الالسن في الحديث عن واقع تلك الحقبة حيث فقدت تلك الحوادث وعلى لسان الالسن الصامتة كل الحقائق وحولت مساحات النار والظلم والجور جنان في العراق وهذا ماكان يقوم به الاعلام المرتزق فكان الباحث الاستاذ طالب الحسن قد انبرى لمؤلفات و كتابات شكلت الرد الحقيقي والشجاع لذلك المشروع الارتزاقي البعثي السالف على حساب شعب عانى الاستبداد والقهر والظلم .
اليوم يطل علينا هذا المطبوع الجديد بعث العراق الذي حمل كل مميزات وصفات ذلك الوليد القذر منذ الاربعينيات من القرن الماضي ، لقد دخل الباحث الحسن هذه المغامرة والتي كما اسماها الشاعر سليمان العيسى بـ (مغامرة وجع الرآس) والذي كان واحد من اثنين من بشر لحزب البعث في العراق ... يقول الحسن في مقدمة كتابه (( ان التعب المضني وسهر الليالي ووجع الرأس _ على حد تعبير سليمان العيسى _ اعراض محببة فيما لو توجت بانجاز مهم ومشروع حيوي يكشف الحقيقة المغيبة للأجيال القادمة من اجل تحصينها خشية ان تقع فريسة في فخ الدكتاتورية والاستبداد كما وقعنا وتخسر كما خسرنا وخوفا من تكرار التجربة المرة والمعاناة القاتلة ، لابد من مشروع حضاري متكامل يساهم في تحصين الامة ووقاية ابنائها من عودة الخطر الداهم الذي فاجأها في غفلة من غياب الوعي وفقدان البصيرة ليتسلم بعث العراق زمام الامور في العراق لمرتين متتاليتين تفصل بينهما فترة قصيرة ))
لقد اعطى الحسن جهوده ووقته اكثر من خمس سنوات في البحث والتقصي عن هذا الوليد القذر الذي اوجع الامة بمغامراته واستبداده ودكتاتوريته ... فكان هذا المشروع المتكامل الذي ضم الكثير من الحقائق التي كانت غائبة على عصابات البعث نفسها من خلال الوثائق والشهادات ولقاءات مباشرة متعددة جمعت المؤلف مع عدد من هؤلاء... منذ منتصف الاربعينيات من القرن الماضي حتى سقوط الطاغية (صدام المجرم ) عام 2003 اما حكاية هذا الكتاب فقد بدأت من الملاذ الامن الذي كان يعيش فيه المؤلف ومن وحي السيدة زينب ... فكان قلم الاستاذ اكثر براعه وقوة وحبر لم يجف وبقدراته المتواضعة في ذلك الوقت من حيث مستلزمات الطباعة والنشر قوة خارقة اقضت اعلام البعث في العراق وبددت كل اكاذيبهم وكشف ما هو مستور على لسان مؤسس هذا الحزب في العراق ... ليكون هذا المشروع حلقة مكملة لما قدحت به قدرات الحسن في كشف زيف الطاغية واركان حزبه ونظامه و بالمقارنة وبالتحليل والتوثيق واللقاء .
لاريد ان ادخل في تفاصيل ما جاء في الكتاب لان الصفحات قبل الكراريس لا تفي بالغرض مثلما يقرأ الكتاب ... حيث كان الكتاب يحمل (11) فصل و(23) ملحق من الوثائق ذات الاهمية والصادرة من قيادات البعث والمراسيم التي اصدرها الطاغية من وثائق ليس بمقدور المواطن والقارئ العربي ان يطلع عليها بسهولة ... كونها لم تعد سهلة التناول في المكتبة العراقية والعربية ... ان ما قام به الاستاذ هو مشروع كبير وجهد مضني وفره للقارئ العراقي والعربي وللانسانية بشكل عام ليطلع على جرائم البعث وجذوره التاريخية .
بعد المقدمة والتمهيد كان الفصل الاول الذي جاء فيه عن دور زكي الارسوزي في تأسيس البعث وتلامذته ((وهيب الغانم وسامي الجندي و جمال الاتاسي وعبد الخالق النقشبندي وعبد الحليم قدور و انطون مقدسي وعلي حيدر و يحيى السوقي و برهان العابد ومن طلاب القانون الشباب سليمان العيسى و مسعود الغانم و محمد الحسن و حسين مهنا و علي محسن و زيفة درويش الزوني و يوسف شقرا و صدقي اسماعيل و ادهم اسماعيل و فائز اسماعيل ..
تجد الكثير من التفاصيل والتحليلات والشهادات في هذا الفصل كما الفصل الثاني فكانت ((فرصة عفلق )) يوم اعتزل زكي الارسوزي العمل الحزبي حين كان يتهم عفلق بأن المخابرات الفرنسية افرزته .. والفصل الثالث ((تقييم عفلق)) من خلال مذكرات ودراسات لقيادات بعثية اما الفصل الرابع (فكان تقييم عفلق من خارج قيادات البعث )
والفصل الخامس (( ما افاده صدام من عفلق )) واهمها ازاحة منافسيه وتنوع الاساليب في ذلك .
حيث طقت على الاول الازاحة السلمية اما الثاني فقد تعداه الى فنون التصفية الجسدية فكانت مؤامراته مصيدة لرفاقه وبمختلف الاساليب .
اما الفصل السادس فكان الحديث عن عبد الرحمن الضامن )) الذي استلم مسؤولية التنظيم في العراق بعد سفر فائز اسماعيل يوم كان يسكن الاعظمية والتي صارت البؤرة التي اطلقت فيها افكار البعث .
حيث كانت اول معاقل البعث بعدها الفصل السابع عن نشاط ابو القاسم محمد كرو والفصل الثامن عن الدكتور فخري ياسين قدوري اما الفصل التاسع فكان الحديث فيه عن فؤاد الركابي وهو خامس من استلم مسؤولية التنظيم البعثي في العرق بعد فائز اسماعيل وعبد الرحمن الضامن وابو القاسم كرو وفخري قدوري كما يقول الحسن انه تمتع بأطول فترة في المسؤولية من سابقه والفصل يتحدث عن سيرة الركابي ونهايته على يد صدام يوم كان سجيناً في سجون الطاغية اما الفصل العاشر فكان يحدثنا عن الاسكندرونيون يوم نقلوا البعث العربي الى بغداد حيث كان الطلبة هم الوسيلة والفصل الحادي عشر هو انتشار حزب البعث في المدن العراقية في لواء الرمادي (آنذاك) والناصرية وكربلاء والبصرة وديالى والحلة وسامراء والموصل والاهوار وضم الكتاب الذي ينوف على ((582)صفحة صور نادرة للمؤلف مع عدد من الزعماء والقادة والشخصيات التي وردت اسمائها وبذلك يكون هذا الكتاب كما اشار الناشر حيث قال (( بعث العراق مأساة امة ونكبة جيل وخيبة امل وسقوط سياسي فاضح وانحراف على مستوى الاخلاق وردة على المثل والقيم والاخلاق الاصيلة وتجاوز على حرية الانسان ومعتقده وهو مصدر لكوارث ظلت تتلاحق ونيران تشتعل في اكثير من صعيد وهزائم على اكثر من جبهه )) بالتالي فالكاتب والباحث الاستاذ طالب الحسن قد رفد المكتبة العراقية والعربية بموسوعات تاريخية تحليلية اعطت وتعطي للباحث مرتكزات اساسية لإدانة هذه الطغمة التي عبثت بتاريخ العراق ورجاله بشكل خاص ما عبثت به كل موجات الاحتلال والتسلط عبر التاريخ فكانت الحقيقة واضحة من خلال الوثيقة واللقاء ومن جهات ورجال اسسوا وعملوا على زرع هذا المرض القاتل .
هكذا بدأ طالب الحسن ونتمنى له كشف المزيد من الزيف واساليب البطش والقتل وصناعة المقابر الجماعية والمجازر الدموية والاغتيالات القاهرة ... كل الحب والثناء والتقدير للأستاذ المؤلف طالب الحسن ... وللقارئ الكريم .

Share |