لو جعلت الامامة لامرأة-د ياسر العبادي
Thu, 29 Dec 2011 الساعة : 16:58

{اصنع من السفرجلة المالحة شرابا حلوا} {1} هذه المقولة تعلمتها في مقتبل العمر وقد افادتني كثيرا في الظروف الصعبة وفي الايام التي تاتي الرياح بها بما لاتشتهي السفن وما اكثر هذه الايام ونحن نعيش في العراق؟ وكثيرة هي الضغوطات والمصاعب التي تواجه العائلة العراقية ومنها ظاهرة انقطاع التيار الكهربائي المتكرر ولا يخفى على القارئ الكريم ما للكهرباء من اهمية في حياة الناس ففي انقطاعها تنشل الحياة بكل مفاصلها فلا تلفزيون ولا دراسة ولا مطالعة ولا تبريد ولا نوم وتصبح الدنيا ضيقة جدا جدا وفي مواجهة هذه الحالة وظفت قاعدتي المزبورة فصرت اجمع العائلة واهُون عليهم ثم اتكلم قدر استطاعتي عن موضوع معين فساعة اشرح بها كيف تعمل الاجهزة مثلا كيف تدور المروحة وكيف يضيء المصباح واخرى اتطرق بها الى قصة من قصص الانبياء او اذكر بها فضلا لاهل بيت النبي صلى الله تعالى عليهم وسلم وهكذا يمر الوقت مسرعا فلا نحس بضيقه وصرت اشجعتهم على طرح الاسئلة فاصبح الوقت لا يكفبنا للاجابة وصرنا نؤجل بعض المواضيع الى اليوم التالي وصار قسم منا يتشوق الى انقطاع الكهرباء لبعرف الاجابة على سؤاله.
وفي احد الايام عندما اقترب موعد الخامس من جمادى الاولى وتسائلنا ايكم يدفع تكاليف المناسبة؟
فقال واحد انا تكلفت ميلاد الامام الحسين ع وقال الاخر انا دفعت المبلغ يوم العباس ع وهكذا نقسم الايام والمناسبات والمدفوع هو مبلغ بسيط لاقامة وليمة يكون ثوابها لصاحب المناسبة من الائمة واهل البيت عليهم السلام وفي هذه اللحظة انقطعت الكهرباء و دار الحديث و كانت الاسئلة حول مقام السيدة الجليلة زينب بنت علي عليهما السلام.
ومن هذه الاسئلة:-
1-بابا ما معنى كلمة زينب وما معنى زينب الكبرى وهل لها القاب اخرى؟
2-ابني لمذا نقول السيدة زينب في حين نقول الامام الحسين ؟ اي ما الفرق بين كلمة سيد وكلمة امام ؟
3-ما حقيقة موقف زينب ع في كربلاء وهل صحيح ما ينقله القراء بانها كانت تبكي و تولول وتطلب من اخيها الحسين ع ان يردها الى المدينة؟
4-لماذا نلاحظ في اغلب الاحيان ان الشيخ المرحوم احمد الوائلي يختم مجالسه يذكر زينب ع؟
ولا اخفيك سرا عزيزي القارىء الكريم صار الموضوع جادا وتمنيت وقتها ان يعود التيار الكهربائي لاتخلص من ذلك الحرج لكن الحظ لم يسعفني واضطررت الى التسويف واضاعة الوقت لكي اراجع بعض المصادر في اليوم الثاني و عندما جاء النور صرت الاحظ الاستفهامات في عيونهم لكني اغمضت عيني ووعدتهم خيرا وفي الليلة الثانية وكالعادة انقطع التيار وانطفاء النور وعلى ضوء الشمعة الخافت شاهدت الاعناق تشراءب باحثة عن الاجابة على الاسئلة.
فاستعدلت في جلستي واستحضرت ما قراته مع بعض الملطفات والرتوش لكي يكون الموضوع مسليا ومشوقا وقلت يااحبائي حديثنا هذه الليلة عن سيدة عظيمة من بيت الرسالة ومعدن العلم وهذه السيدة ظلت اثارها شامخة برغم الدهور والازمان الغابرة ورياح الاعداء العاتية الا وهي زينب بنت علي بن ابي طالب علهم السلام جميعا وهذا الاسم جاء به جبرائيل من المليك الاعلى{} ويقال انه اسم لشجرة في الجنة وقال بعضهم ان زينب مكونة من مقطعين وهم { زين الاب}{2} وفي هذا دلالة عظيمة لان مجرد اسم زينب يعني ثورة على عادات ذلك الزمان وتقاليده حيث كان العرب في الجاهلية لايفرحون بولادة البنت {واذا بشر.......}{النحل 58 } وكانوا يعمدون الى قتلها بطريقة بشعة {واذا المؤدة سئلت...}{ التكوير 8}اما زينب فكانت اول بنت تولد في البيت العلوي الكريم وبعث مولدها البشرى والسرور بين الاهل والاحباب وسماها جدها رسول الله ص بهذا الاسم بوحي من السماء ولكن الفرحة ايضا اختلطت بالحزن والبكاء حيث اخبر النبي ص بمستقبل هذه الطفلة وما يكون عليها من الاهوال في كربلاء.
ومن القابها زينب الكبرى تفريقا لها عن بقية اخواتها وتسمى الموثقة لانهم صاروا يروون عنها بعد واقعة الطف وكذلك الممتحنة والحوراء وعقيلة الطالبيين ومخدرة بني هاشم وبطلة كربلاء و والباكية لانها كانت كثيرة البكاء على مصيبة عاشوراء.
اما السؤال الثاني وهو موضوع الامامة ولو انه عميق وفلسفي لكني استطيع ان اوجزه لكم يااعزائي فالامام يعني في ا للغة الدليل والهادي او المرتفع وما شخص من الارض{} اي انه العلامة التي يستدل بها السائرون على الطريق وعلى هذا يكون هناك ائمة هداية ونجاة { وجعلناهم ائمة......}{ الانبياء 73} وائمة ضلالة وخسران { فقاتلوا ائمة الكفر...}{التوبة 12}وهناك اماة خاصة محدودة {يوم ندعوا كل اناس...}{الاسراء 71} وامامة عامة مطلقة للناس كافة {اني جاعلك للناس اماما }{ البقرة124}وهذه هو المقصود وقد يحصل الانسان على الامامة اما عن طريق الابتلاء والاختبار الرباني {واذ ابتلى...}{ البقرة 124}او طريق الهبة والعطاء الرباني وكذالك يرافقه الكثير من الابتلاءات والمحن كما هو ديدن ائمة اهل البيت علهم السلام وقد حدد اهل البحث{3} سبعة شروط للامامة وهي {الجعل اي التنصيب من الله تعالى ,العصمة ,التواجد في كل زمان ,التاييد من الله تعالى ,الاطلاع على اعمال العباد اي كشف الحجب ,العلم المطلق, والتقدم بالفضل على كافة المامومين }ولا يخفى على الفطن اللبيب ان العلم هو اساس الامامة ومحورها ومن يوتى العلم يكون معصوما لان الانسان يتجنب الخطاء عندما يكون عارفا بالحدث قبل وقوعه ويعرف ما يترتب على الفعل مستقبلا ومن كان ذا علم يقوده علمه الى العبادة الحقيقية لله الذي يتولاه بالرعاية والتاييد وتنكشف له الحجب ويكون قدوة فلا يسبقه احد ويكون حجة فلا تخلو منه الارض والعلم ياتي بطريقين اما التحصيل والاكتساب المعرفي وهذا يكون ناقص ويعتمد على التجربة والممارسة او عن طريق الالهام الرباني وهذا مالاتشوبه شائبة وهو علم الائمة ع والمتتبع لمسيرة مولاتنا زينب يرى ما عندها من غزارة العلم وسيل الحكمة فهي تنهل من المعين الصافي والادلة والشواهد كثيرة على ذلك وتكفي اطلالة سريعة على خطبها في الكوفة والشام على اثبات ذلك ولا مجال لذكر المزيد في هذه العجالة ويقينا علمها من النوع الحضوري الرباني كما خاطبها الامام زين العابدين ع { عمة انت عالمة غير معلمة وفاهمة غير مفهمة}{4}واذا اضفنا الى ذلك ما كانت عليه من التقوى والورع والعبادة وما مرت به من طول البلاء والاختبار نشاهد ان هذه السيدة تتصف بكل صفاة الامامة ولكن حكمة الله تعالى جرت ان لاتوهب الامامة والنبوة للنساء ولو ان الامامة جعلت لامراءة لكانت مولاتنا زينب ولا غير حيث لا تسبقها بالفضل الا امها فاطمة الزهراء عليها السلام.
اما في كربلاء فاعلموا يااحبائي ان لحسين ع جاء الى الطف بذراعين قدم الاول امامه وهو العباس ع وتلك العصابة المؤمنة ليصنعوا بدمائهم معركة شرسة نقشت حروفها على صفحات التاريخ رغم انفه وجعل الذراع الثاني خلفه وهو زينب ع وباقي العيال ليكملوا الصفحة الاخرى من المعركة ويجعلوا من كربلاء ثورة تقض مضاجع الطغاة على مر العصور والازمان.
فلم تكن لبوة حيدر اقل شجاعة وباسا من الحسين والعباس وكونها لم تمسك السيف فهذا تكليفها الشرعي وكثيرة هي المواقف التي يكون فيها القتال بغير السيف اكثر قدرة وتاثيرا وشجاعة , وزينب ع منذ خروجها من مكة المكرمة كانت تحث على الجهاد ونصرة الحسين ع والمتتبع للتاريخ يجد الكثير من الشواهد والادلة البينة على ذلك ويكفينا هنا ذكر مقولتها للحسين ليلة العاشر من المحرم {يبن امي هل بلوت اصحابك}} {4}فماذا كانت تريد من ذلك؟ هل كانت مشوشة البال وتضن ان هذه الثلة من الاصحاب قادرين على رد تلك الالوف المؤلفة والجيوش المحتشدة او انهم قادرين على حماية الحسين على اقل تقدير ام كانت تخاف ان يخذلوه ويسلموه الى الاعداء؟ ولو كانت زينب ضعيفة الشكيمة وخائرة القوى لرضيت باستسلام الحسين وحقن الدماء ولكنها ابت الا مواجهت الاعداء وتحمل المسؤلية في سبيل اعلاء كلمة الحق والايمان .
وفي يوم المعركة لم تال بنت حيدر جهدا فقدمت الغالي والنفيس وضحت بالاخوان والاولاد وحتى اارضعان ثم قدمت بيدها جواد المنية الى الحسين ع ولسان حالها يقول :{ هنيئا لك الشهادة يبن امي } وعندما اظلم الكون ومرت شفرات الرجس على اوداج الطهر وداست خيول العهر على اعضاء الفضيلة لم تنكسر مولاتنا ولم تخضع وهيهات لها الذل وهي معدن الاباء والكرم وبكل شموخ تحدت تلك الجيوش ولكي تحرق نشوة الانتصار في قلب بن سعد تخطت الى الجسد المقطع ووضعت يديها تحته ورفعته الى السماء و هي تقول { اللهم تقبل منا هذا القربان}}{4}لتعلنها ثورة مدوية بوجه الجبت والطاغوت ثم رجعت لتحمي ما بقى من سلالة النبوة وتذود بمهجتها عن الامام السجاد العليل ليبقى فضلها في رقاب كل الائمة ولاينسى هذا الموقف امام زماننا { عج} يوم ينادي{ يالثارات الحسين} ثم جمعت حوله العيال واخذت تهدئ من روع الايتام وتصٌبر الثكالى وتواسيهن وكاني روحي فداها تقول :{-ليس بنا هوانا على الله تعالى فنحن بيت نبوة وحملة رسالةولم يكن ما حل بنا عقوبة او غضبا من الباري عز وجل ولكنه تمحيص وابتلاء شاء الله تعالى ان يرى رجالنا صرعى واطفالنا ايتاما ونحن مسبيات.
ان انحراف الامة كبير عن جادة الصواب وان دين محمد ص لايستقيم الا بهذه التضحيات وان بيت الله لايرتفع الا بالاضاحي.
هذا هو الثمن الذي ندفعه نيابة عن ابراهيم الخليل واسماعيل الذبيح.
لهذا خلقنا وهذا هو يومنا يااهل بيت المصطفى اصبروا وصابرواوالله تعالى حاميكم وناصركم} وفي الهزيع الاخير من الليل وقفت على تراب كربلاء{ لان مولاتنا لم تترك صلاة الليل حتى في ليلة الحادي عشر من محرم ولكن مولاتنا لاتملك في تلك الليلة سجادة للصلاة لان الاعداء سلبوا كل شئ} فوقفت عليها السلام ورفعت يديها بالدعاء اللهم زدني صبرا وشجاعة لاواجه هامان وفرعون اللهم هب لي قوة اجدادي ابراهيم وموسىاللهم ارزقني العزم من جدي رسولك الكريم وابي وصيه الامين.
اللهم الل .... و {وفي هذه الاثناء جاءت الكهرباء على غير موعدها واذا بي ارى اصحابي هذا يمسح دموعه واخر يعض على ابهامه من الاسى اما الوالده فلم تتمالك نفسها وانفجرت باكيه فقلت لهم حسنا لنؤجل الحديث الى موعد اخر ونفتح التلفاز لنسمع الاخبار لكني لم ارى الاستجابة وبقوا جميعا ساكنين وعيونهم تقول لانريد شئ بل اكمل حديثك فقلت حسنا سوف اكمل ولكن اريد من يتبرع بالحفلة فوجدتهم جميعا وقد هاجت مشاعرهم كل واحد منهم يقول انا المتبرع وارواحنا فداك يازينب.
يااعزائي سوف اتكلم عن المزيد من فضائل مولاتنا زينب في يوم مولدها انشاء الله تعالى اما اليوم فاتكلم عن موضوع شخينا المرحوم الوائلي .
يااحبائي ان القول المشهور {وراء كل عظيم امراءة } اي امراة توازيه بالعظمة وتدفعه الى الامام واذا كان الامام الحسين ع عظيم كربلاء فان زينب ع هي عظيمة كربلاء وبما ان المرحوم الوائلي هو ايضا عظيم المنبر الحسيني فنراه يتلمس مواقع العظمة ويقرن ذكر زينب بذكر الحسين في اغلب الاحيان ......
ا
الدكتور ياسر العبادي 15 / 03 / 2005
*************************
1- كارلنيجي / دع القلق وابحث عن الحياة
2- السيد محمد حسين الطباطبائي / الميزان في تفسير القرءان ج1
3- حسن صفار / المراة العظيمة
4-السيد بن طاووس / اللهوف في قتلى الطفوف