قراة في كتاب.. طالب الحسن . في قطار بعث العراق -مرتضى الشحتور

Mon, 26 Dec 2011 الساعة : 17:35

ومن النهاية حتى البداية.
لسبب واكثر اجد ان كتاب الاستاذ طالب كاظم الحسن الخامس والذي صدر مؤخرا عن دار اور للنشر في بيروت ونوهت عنه اولا جريدة الزمان الغراء منذ ايام ،يمثل قراءة شاملة ومتكاملة واستثنائية في توصيف مسيرة البعث في العراق واشكاليات تجربته في السلطة وصولا الى انهياره واندحاره وقضاء نحبه الذي ارتبط بسقوط النظام 2003.
فموضوع بعث العراق من البداية المريبة حتى النهاية الغريبة.استوفى العناصر اللازمة لاقرار دقة البحث وسعته وشموليته.
الادوات والوسائل الاساسية لضمان رصانة البحث ونقل الحقائق من مصادرها واخضاع الافكار للتمحيص للتاكيد من صدقيتها كانت حاضرة في رحلة السيد الحسن وهو يتولى دراسة مسيرة البعث من مهد ولادته الى مثواه الاخير.
قبيل عامين كنت ضيفا على اتحاد ادباء ذي قار وهناك ارتقى الحسن منصة الحديث عارضا سيرته الذاتية.
وابلغ ماسمعته منه قوله ان اسعد ايامه هي تلك السنوات الاربع التي اقام فيها في تكريت حيث ابعد اليها بعدما اتهم بالقيام بنشاطات دينية ، الاعتقال كما اوضح تم بسبب وشايات من بعض ابناء جلدته في الفهود.
يقول السيد الحسن اهل تكريت بصورة مطلقة عرب نجباء ويكرمون الضيف وكانوا نبلاء معي احتفظ لهم بكل معاني الاجلال والاحترام ، وحين اعدت الى السجن في مديرية الامن لم يتوقفوا عن متابعة العلاقة الطيبة وتقديم الدعم المعنوي غير مكترثين بما يمكن ان ينالهم من مسؤولية.
المشكلة والاستثناء هو الطاغية وقد وجدت اهل المدينة الاصلاء يعبرون عن عدم رضاهم عن سلوكيات صدام ويتحدثون لمن يثقون به و اذا ماامنوا حفظ سرية الحديث.
فهم ايضا عانوا من وحشية النظام.
اربعة اعوام في تكريت من العانم 1977 الى 1980 .
وسبعة اعوام في دمشق اتاحت للكاتب فرصة كاملة ليحقق ويدقق ويلتقي قيادات التاسيس.
ولهذا لااجد غبارا على صواب الاستنتاجات والقراءات المعروضة ..
حطام البعث
يقول المفكر الحسن..ان السقوط في 9 نيسان 2003 كان له الاثر الكبير في تقسيم البعث الى كتل وشلل ، منهم من اثر العافية ومال الى السكينة وطوى صفحة الماضي وبدا صفحة جديدة ، فالهزة اعادة هذا القسم الى رشده ليخلع ربقة البعث من عنقه ويتعايش مع الحالة الجديدة.
والثاني الذي لايزال متمسكا بافكار البعث ولا يحيد عنها ويعتقد ان البعث حزب قومي قدير قدم للامة الكثير ولكن ظاهرة صدام حسين هي التي حرفت مساره الوطني والقومي وجنت عليه ، بل ان البعض منهم يصف ظاهرة صدام بانها دخيلة ومن صنيعة اعداء بعث العراق وان الاستعمار استطاع خرق الحزب من اجل حرف مسيرته وتشويه سمعته.
وثالث هذه الكتل كما يراها الحسن. المرتبط بالظاهرة الصدامية والمنفذ لاغراضها ومآربها والمرتبط بها حزبيا وعقائديا والمدافع عنها سرا وعلانية هؤلاء يعتقدون بان صدام هو الافراز الحقيقي لبيئة البعث وتربيته وصدام هو المنتج الطبيعي ،ولو ان شخصا غير صدام تولى قيادة البعث لقام بنفس الادوار.
ويذهب الكاتب الى القول انه يرى الصورة الاخيرة هي الاقرب الى ايدلوجية البعث عّادا تجربة شباط 1963 وتصفية المعارضين وجرائم الحرس القومي تجسيد لتلك الطبيعة..

فوضى الالقاب.

لم يكن البعث فكرا وتشكيلا مؤسساتيا من وحي افكار ميشيل عفلق ( القائد المؤسس) المزعوم.
والتاريخ يسبق 7 نيسان كثيرا .
هناك وبشهادات القيادات سليمان العيسى ، منيف الرزاز ، هاني الفكيكي . الرجال الذين وضعوا الحجر الاساس بعد ان نشروا الفكرة. حقيقة دامغة ومنناقضة تقول ان زكي الارسوزيهو مؤسس البعث ...
واقتبس هنا مانقله الكاتب ،عن سليمان العيسى الشاعر العربي الكبير ومن رجال التأسيس.
(( كنا ذات مساء مكبين على دروسنا ، حين دخل علينا زكي الارسوزي تسبقه ابتسامته ومعه اكبر رفاقنا .
لا اذكر ذلك اليوم لم نكن نسجل الاحداث كنا طلاب ثانوية.الكبار يعرفونه كان يوما من شتاء 1940رفعنا رؤوسنا وتوقفنا عن الدرس. بادرنا الارسوزي بقوله،لقد انشئنا اليوم حزبا عربيا جديد.. انشئنا حزب البعث العربي .رفاقكم في الجامعة سيتصلون بكم.كل منكم بالطبع عضو في هذا الحزب.
ويشرح رسالة الحزب وكونه يمثل ضمير 70 مليون عربي يتوقون الى الوحدة ويقول سليمان العيسى لقد استمر استاذنا ساعتين ونصف يشرح لنا ( وجداننا القومي هو مصدر مقدساتنا) ويكمل ويعود الارسوزي بثقة البحر وهدوء التاريخ ليقول قررنا ان ننشيء صحيفة) والى بقية القصة.
ويمضي الكاتب الى عرض سيرة منيف الرزاز وشهاداته وفؤاد الركابي واخرين ليخرج بنتيجة تقول ان ميشيل عفلق لم يكن مؤسس البعث وان بعث العراق هو من انتدبه ، لهذا الموقع .
ويواصل الكاتب عرض جملة احداث يعتقد انها وراء قيام البكر بدعوة ميشيل عفلق من البرازيل والاقامة في العراق.
ويناقش ايضا مسالة دخوله العراق بعد ثورة تموز 1958 والاسباب التي تقف وراء عدائه للزعيم عبدالكريم قاسم.
.
مشاريع الوحدة.
ناقش الكاتب مشاريع البعث للوحدة واسهاماته في افشالها ويعتقد ان صدام حسين وميشيل عفلق يمثل احدهما انعكاسا للاخر وانهما وراء فشل تلك المشاريع بدء من وحدة مصر وسورية 1958-1961وحل البعث في القطر السوري وانتهاء بمشروع وحدة العراق مع سورية عام 1978-1979 حيث يرى ان موافقة البكر على تلك المحاولة انما جاء ليتخلص من تنامي سطوة صدام . ويشعر صدام بخطر الوحدة على طموحاته فيرتب ماعرف بمؤامرة محمد عايش وعدنان حسين وما تلاها من توجيه الاتهام لسورية ، ليطيح بالمشروع.وتنفيذ اكبر مجزرة بقيادات الحزب فيماعرف بمجزرة القصر الجمهوري.
دخول العراق الى البعث.
في الفصل العاشر وقبل الاخير يستعرض الكاتب دخول البعث الى العراق وفي الفصل الحادي عشر يتناول انتشار البعث في المدن العراقية.
يقول ان الاعظمية كانت الحاضنة الاولى لنواة البعث ولعب قطاع الطلبة في انتقالها الى بقية مدن العراق، الطلبة القادمين من المدن اخذوا الفكرة ونقلوها والامر لايقتصر على البعث بل كل الافكار كان الطلبة يروجونها ياخذون الصحف والنشرات وكان للمعلمين والمدرسين دورهم ويشير الكاتب الى ان الانبار وذي قار سوق الشيوخ تحديدا دخلهما هذا التنظيم مبكرا.
الكتاب لايقف عند سرد الاحداث واغن استلهمها بصورة واضحة ولم يتوقف عند بيان تحليل العناصر التي تصدت لقيادة البعث والتي تسببت بنهايته المعروفة. ولكنه ايضا يقدم احاطة شاملة بنوعية تفكير تلك القيادات والنزعة الاستبدادية لديها ومنهج التصفيات الممنهج .وترتيب السيناريوهات للاستفراد بالسلطة .
والانتهازية والذرائعية وعدم الثبات على المواقف.
فهو يروي النهاية الماساوية لخصوم صدام حسين امثال فؤاد احمد الركابي ومنيف الرزازوتشكيل المحاكم الخاصة التي تباشر اجرااتها وتعلن قراراتها بسرعة خاطفة ويستشهد باعدام 21 قياديا في اب 1979 . واستبعاده القيادات واعتماد المؤتمرات(المؤتمرات مصيدة للرفاق) مناسبة للمؤامرات واخلاء الساحة . وصولا الى تكريس الطغيان وتكريس موارد الامة لتبجيل القائد ومواكبة سلوكياته المنلفتة .ويضرب مثلا اخر على هذا النهج حين ابعد بعض اعضاء القيادة بحجة تبنيهم افكارا دينية ، لكنه في زمن الحصار يعلن اطلاق الحملة الايمانية ويخلي سبيل القتلة بعد ان يتمكنوا من حفظ اجزاء من القران.
الكتاب ضم ملاحق ضخمة لوثائق تعود الى مرحلة تاسيس البعث ومنسوبة الى كوادره في القيادة القومية.
اتمنى للمفكرالاستاذ طالب الحسن كل التوفيق وهو يتحفنا بين اونة واخرى بمنجز استقرائي متوسما منه مواصلة البحث واعتقد ان توظيف تجربته الاضطرارية ومكوثه في تكريت والشام وفر له ما لايتوفر لكاتب اخرفي تحصيل مزيد من الدقة ماجعل رؤيته تتعزز بعوامل الرصانة المختلفة سيما وقد حصل انهيار البعث ولا زال على قيد الحياة بعض من الرجال الذين دخلوا الحزب منذ انطلاقته الاولى..
 

Share |