الغفلة وأمور أخرى قراءة في خطبة الشيخ اليعقوبي الأخيرة في استشهاد الزهراء (ع)- رشيد السراي-النجف
Mon, 23 May 2011 الساعة : 9:25

نتحدث في هذه القراءة عن المحاور التالية:
1-الغفلة بمفهومها العام:
الناس نيام وإذا ماتوا انتبهوا... بهذه المقولة يبدأ الشيخ اليعقوبي حديثه عن مفهوم الغفلة وهو من المفاهيم الأخلاقية والعرفانية ،مفهوم على بساطة ظاهره لكنه عميق الباطن فالغفلة هي حجاب من الحجب عن معرفة الحقيقة والتواصل مع الحق ، وهي تستبطن الكثير من الأسئلة بدءً من معناها وعمن تكون؟ وليس انتهاءً بأسبابها ومعالجتها ومستوياتها!!
حسنا الناس نيام وإذا ماتوا انتبهوا فهل معنى هذا إن الغفلة لازم لا يمكن الفرار منه؟ وإنها ملازمة لكل أحد؟ ولا خلاص لأحد منها إلا بالموت؟ هذه الأسئلة وأسئلة أخرى كثيرة تحدثت فيها مع نفسي وأنا استمع إلى خطبة الشيخ اليعقوبي تلك، ورغم عجزي عن الإجابة عن اغلبها إلا إني كنت أقول إن الغفلة لو كانت لازماً لا يمكن الفرار منه لكان الحديث عن أمور تخلّص منها أمر عبثي-وهو عين ما أشار له الشيخ في خطبته لاحقاً-ولو كانت الغفلة لازمةٌ
تخلص منها الأنبياء والأئمة والأولياء!!، ومن قال إن الموت الظاهري هو السبيل الوحيد للخلاص منها والوصول إلى ساحة الوعي والانتباه واليقظة أفلا يمكن الموت قبل الموت!!
أنا غافل عن حقيقة وجودي وعن ما هو المطلوب مني وعن الهدف الذي ينبغي لي أن أتوجه له وما الذي ينتظرني بعد الموت...هل يكفي أن اعترف بذلك؟!!!
وهل يمكنني الوصول لهذه الأمور؟!!
ما الذي ينبغي علي أن افعله لأخرج من تلك الغفلة إلى ساحة الحقيقة؟ هل يكفي أن اعترف بلساني فقط؟ أم أن هناك أمور ينبغي علي أن افعلها؟ وهل أنا السبب في هذه الغفلة وكيف انتبه ووو؟؟؟
لعل من الأفضل أن أتوقف عند هذه النقطة وأنتقل إلى موضوع آخر!!!
2-الغفلة عن القيادة:
مفهوم الغفلة وضده الانتباه كما قلنا قبل قليل من المفاهيم المهمة يستبطن الكثير من الأسئلة ، وكما تكون الغفلة من الإنسان عن وضعه وما يراد به والى أين منتهى أمره وما هو المطلوب منه،كذلك تكون غفلة الإنسان عن القيادة التي توصله إلى الله تعالى وتنبهه من غفلته عما ورائها وتتخذ هذه الغفلة الأشكال التالية:
أ-الغفلة عن القيادة الكبرى أي عن حجة الله سبحانه وتعالى ، وهي من أهم الأمور التي لا يمكن لمن غفل عنها أن يدعي انه خرق حجاب الغفلة وصار في ساحة اليقظة والانتباه،ويتفرع عليها أمور كثيرة وتفاصيل أكثر لا يمكن في هذه الخلاصة الحديث عن جزء بسيط منها حتى!!.
ب-الغفلة عن القيادة النائبة عن الحجة ، وإذا كنا لا نلحظ بدقة غفلة الناس عن الحجة وآثار هذه الغفلة فإننا –في العراق خصوصاً-مررنا بالكثير من التجارب رأينا كيف غفل الناس عن القيادة النائبة ولجئوا إلى بدائل قادت إلى الكثير من النتائج السلبية على المستوى العام وعلى المستوى الشخصي، ولا نريد هنا الطعن في خيارات الآخرين والقول بان المرجعية الدينية والسياسية تنحصر بالضرورة بفردٍ معين وما عداه باطلٌ محض وإنما نقصد بالقيادة النائبة المرجعية الدينية والسياسية الأتم والأكمل –علماً وأخلاقاً-والأقرب إلى فهم الواقع والأكثر تماساً وتواصلاً مع الناس وحاجاتهم.
ولسنا بحاجة للكثير من الكلام حول التجارب-المعاصرة منها على الأقل-لمرجعيات دينية لم تتمكن من انجاز نسبة بسيطة من المشاريع التي كانت تخطط لها وما ذلك إلى غفلة الناس عنها وعدم تواصلهم معها وتفاعلهم مع ما تطرح بل وربما عدائهم لها، والبعض القليل منهم الذي يلتفت إلى غفلته يلتفت بعد أن تنتقل تلك المرجعية إلى الرفيق الأعلى!!!
3-الغفلة عن العدو:
ولعل من أنواع الغفلة المهمة التي طالما قادت إلى الكثير من النتائج السلبية هي الغفلة عن العدو والتي تكون بصور كثيرة منها:
أ-عدم معرفة وجود عدو أصلاً، والحال انه يندر أن يوجد شخص أو آيديلوجية أو عقيدة أو دولة ليس لها أعداء، بل لعله لا يوجد أصلاً، والعداوة قد تترجم بأنواع مختلفة من المواجهات أكثرها وضوحاً المواجهة العسكرية وأخطرها –وتكون هي مورد الغفلة في كثير من الأحيان- المواجهة الآيديلوجية والثقافية.
ب-تصور العدو صديقاً أو حليفاً أو محايداً، أو تصور الحاجة الضرورية له وضرورة الخضوع له باعتباره يمتلك القدرة أو يمتلك الحل.
ج-حسن الظن بالعدو على الرغم من المعرفة بعدائه.
د-عدم معرفة حجم العداوة.
هـ-عدم معرفة إمكانيات العدو ونواياه وخططه بحجمها الحقيقي فقد يتم تصورها بحجم اقل من حجمها الحقيقي أو تكون هناك مبالغة في حجمها.
و-الغفلة عن الإعداد للمواجهات المحتملة، والتي قد تكون آيديلوجية أو ثقافية أو عسكرية أو اقتصادية أو غيرها.
ز-تصور الصديق عدواً وبالتالي الدخول في معارك غير حقيقية والغفلة عن المعارك الحقيقية.
وغيرها من الصور.
4-تنبيه الأمة من الغفلة ودور الزهراء(ع) في ضرب المثال :
نعود الآن إلى الخطبة ومناسبتها ذكرى استشهاد الزهراء (ع) والتي كان لها (ع) دور كبير في ضرب المثال للأمة في كيفية خروجها من الغفلة بمستوياتها كافة ،مع الالتفات إلى غفلة الناس عن الزهراء (ع) –في زمانها وفي الأزمنة اللاحقة-عن مكانتها وعلمها والكثير من الأمور المتعلقة بها بل حتى عن تاريخ وفاتها ومكان دفنها!!!.
فبخصوص الغفلة التي تحدثنا عنها في النقطة الأولى كان للزهراء(ع) الدور الأكبر في التنبيه وكيفية الاستيقاظ-إن صح التعبير-، وفي الغفلة التي تحدثنا عنها في النقطة الثانية ونقصد بها الغفلة عن حجة الله تعالى كان للزهراء (ع) الدور الأبرز في تذكير الناسين وتنبيه الغافلين عن حجة الله وبيان النتائج السلبية التي تترتب على عدم معرفته وإتباعه ، بل إنها سلام الله عليها كانت مثالاً حياً في حياتها وبعد وفاتها مثالاً لمعرفة آثار الانتباه وآثار الغفلة فتأمل!!!.
5-فشل النظام الديمقراطي:
الديمقراطية والعولمة والليبرالية وووو مجموعة مفاهيم سياسية واقتصادية وآيديلوجية روج لها المبشرون الجدد وحملوها إلى العالم بأساليب وتوقيتات مختلفة وصوروها على أنها الوصفة المثالية والحل السحري للمشاكل التي تعاني منها البلدان وخاصة بلدان الشرق الأوسط ، طبعا لا يمكن بحالة مقارنة الديمقراطية بالدكتاتوريات المستبدة التي حكمت وتحكم هذه البلدان فالديمقراطية أفضل بكل تأكيد ولكن هل الديمقراطية كل متكامل خال من العيوب والثغرات ؟ وهل هي وصفة جاهزة لكل بلد بدون الحاجة لتعديلات –ربما جذرية- في حالات معينة؟ وهل هي قابلة للتطبيق دون مقدمات؟ وهل هي الطريق الصحيح لتحقيق طموحات الشعوب؟ أم أنها الطريق لتحقيق طموحات النخبة؟ والاهم من هذا كله هل فعلا تريد أمريكا والدول الغربية إهدائنا الديمقراطية ووووو دون مقابل لسواد عيوننا فقط كما أهدتنا أسرار باقي منتجاتها؟!!!
وهل نحن متيقظين لما يريدون لنا ومنا وما هي غاياتهم؟!!
مرة كتبت مقالاً-لكني لم انشره لرغبتي في دراسة الموضوع أكثر- عن ثغرات النظام الديمقراطي التي يمكن أن تفرغ هذه الديمقراطية من محتواها وهذه الثغرات مغفولاً عنها حتى من قبل اشد الناس وعياً في الظاهر!!!
في الولايات المتحدة الأمريكية-صاحبة أقدم تجربة ديمقراطية-يتم الحديث منذ مدة عن ثغرات النظام الديمقراطي التي حولتها من نظام يحمي الشعب إلى نظام يحمي النخبة ويكرر الوجوه والبرامج في حلقات مكررة مملة حتى كتب احدهم –غريغ بالاست-كتاباً تحت عنوان-أفضل ديمقراطية يستطيع المال شرائها-وأخواتها ليست بأفضل حال منها فالعولمة تعرضت للانتقاد الشديد حتى كتب "جوزيف ستجليتز " وهو نائب سابق لرئيس البنك الدولي وكبير مستشاري بيل كلنتون الرئيس الأمريكي الأسبق وحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد كتاباً عن العولمة تحت عنوان "العولمة ومساوئها" أو "ضحايا العولمة"، وكتب آخر "روبرت إسحاق" كتاب تحت عنوان "مخاطر العولمة"وبعنوان ثانوي "كيف يصبح الأثرياء أكثر ثراءً والفقراء أكثر فقراً"،ويجري الحديث منذ مدة عن الليبرالية الجديدة حسناً وهل في الليبرالية القديمة عيبٌ لا سمح الله؟!!!
فإذا كانت هذه المفاهيم منقوصة ومنتقدة لدى الغرب أنفسهم لماذا تسوق لنا على أنها وصفة سحرية لا ينقصنا لكي نلحق بركب الحضارة إلا أن نشربها حد الثمالة؟؟!!!
هذا الكلام يعيدنا إلى مفهوم الغفلة الذي تحدثنا عنه سابقاً.
الديمقراطية كنظام حكم سوّق لنا منذ مدة على انه الحل الأمثل لتحقيق الطموحات-لسنا بحاجة لنكرر إن مقارنة الدكتاتورية بالديمقراطية تكون لصالح الأخيرة بكل تأكيد لكنها تشبه مقارنة الأعمى بالأعور-وهذا التسويق جر البعض إلى محاولة أسلمة الديمقراطية أو دمقرطة الإسلام والمزج بينهما بطريقة توفيقية غريبة-رغم إننا من دعاة
الأسلمة لكن لا بطريقة القص واللصق أو بطريقة الموائمة الوهمية أو بطريق الدمج وإنما بإخضاع كل مفهوم جديد للضوابط الإسلامية وبالتالي بيان الموقف منه رفضاً أو قبولاً أو تعديلاً-فأنتجت لنا هذه المحاولات مصطلحات جديدة كالديمقراطية الإسلامية أو الإسلام الديمقراطي أو الدينقراطية، والأخير مصطلح غاية في السخف اخترعه احدهم في العراق ظناً منه إن عملية المزج الساذجة ستحل المشاكل!!!
وما تلك المحاولات إلا شاهد واضح على الانبهار بهذا المفهوم "الديمقراطية"الذي بات منتقداً وبشدة في مواطنها الأصلية وصار البحث عن بديل يخلص من الثغرات والسلبية حديث الساعة فتارة يتم الحديث عن ديمقراطية النخبة وتارة عن ديمقراطية المؤسسات وتارة عن الديمقراطية الموجهة وتارة عن صناعة السوبرمان والذي يكون بديلاً عن الديمقراطية التي تم اللجوء إليها لعدم وجود الشخص الكامل!!!
6-الوضع العراقي الراهن وحكومة الشراكة الوطنية:
تحدثنا في النقاط السابقة عن مواضيع مختلفة أستقرأناها من خطبة المرجع اليعقوبي والتي ألقاها في ساحة ثورة العشرين-والتي كانت في السابق تحوي نصب ثورة العشرين والذي أزيل مؤخراً ولازال العمل جارياً في بناء مجسر مكانه لحل الأزمة المرورية وهناك همس بين الناس إن أسباب الإزالة ليست فنية فقط وإنما لان النصب والذي كان بهيئة تاج بريطاني مقلوب كان يرمز إلى هزيمة البريطانيين في ثورة العشرين!!!-في يوم السبت 3/ج2/1432 الموافق 7/5/2011 في ذكرى استشهاد الزهراء (ع) وأمام الجموع الخفيرة التي لبت دعوة الشيخ اليعقوبي-وكذلك فعلت في السنوات السابقة- لزيارة أمير المؤمنين (ع) وتعزيته بهذه المناسبة وتحدثنا عن مفهوم الغفلة وعن نقد الديمقراطية كنظام حكم ونشير هنا إلى أمور أخرى هي:
أ-أشار الشيخ اليعقوبي في خطبته إلى " فإن ما يدور في أروقة الأكاديميات السياسية في أمريكا وأوربا هو فشل نظرياتهم في الحكم" وهذا يدل على متابعة سماحته لما يجري في الساحة العالمية وعدم غفلته عنها لما لها من أهمية في إدراك وضعنا مع الآخر وكيفية التعاطي معه.
ب-أشار سماحته في خطبته إلى إن الأساس الصحيح لقياس نظام حكم معين ومعرفة كونه مناسباً أو منتجاً لنتائج ايجابية من عدمه هو " العدل والهدف منه توزيع الحقوق والواجبات على الناس بالقسط والعدل" وتقييماً لأنظمة الحكم الوضعية قال "وهذا ما لم تستطع تحقيقه كل أنظمة الحكم الوضعية التي صنعتها البشرية لنفسها"
ج-تحدث سماحته عن فشل أسلوب الحكم المعتمد على أرجحية غير عقلائية (النصف زائد شيء) ،والعراق شاهد حي على هذا الفشل فتم اللجوء إلى أسلوب الشراكة في الحكم –حكومة الوحدة الوطنية أو الشراكة أو أي مصطلح آخر-وهو انقلاب على الديمقراطية نفسها!!!
فكان أن أنتج نتائج كارثية فرغم مرور فترة طويلة على انتهاء الانتخابات إلى الآن لم تكتمل تشكيلة الحكومة وأخذت الصراعات مأخذها من الشركاء الأعداء وحال البلد من سيء إلى أسوء.