موقع يوخا الأثري في الناصرية بلا حماية كافية
Tue, 25 Sep 2012 الساعة : 8:37

وكالات:
اكد محافظ ذي قار طالب الحسن ان المحافظة تسعى جاهدة لايقاف عمليات تهريب الآثار من خلال متابعة السراق ونصب السيطرات قرب المنافذ الرئيسة من المواقع الأثرية والتي تمتد على مساحات واسعة داخل مدينة الناصرية.من جانبه بين علي كاظم (مسؤول عن ادارة مدينة اور الأثرية ومنقب حالي) في حديثه لـ(الصباح) عن اهمية توفير الحماية الغائبة لموقع تل يوخا الاثري في محافظة ذي قار، قائلا: ان هذه المواقع المهمة لايمكن السيطرة عليها بطرق بدائية، ومن الافضل ان يكون هنالك بالون للمراقبة فوق قضاء الرفاعي بجهة المالح، وتكون معه وحدة سيطرة دورية متنقلة تتم المناداة عليها من خلال مركز المراقبة في كاميرات الرصد.
في غضون ذلك،تحدث مواطنون ومسؤولون وسكان محليون عن الوضع الصعب والمؤسف لهذه المواقع المهمة وماتتعرض له من هجمات السراق والعابثين.
ما هو تل يوخا؟
تقف مدينة الناصرية في مقدمة المحافظات العراقية من حيث عدد المواقع الأثرية، والذي بلغ قرابة 1200 موقع من مجموع اكثر من عشرة آلاف موقع في انحاء العراق،تعود الى فجر السلالات الاولى منذ بدء الخليقة.
ففي ناحية الفجر بمحافظة ذي قار (محطتنا في هذه الزيارة) يقع تل يوخا الأثري احد اهم واكبر المواقع الأثرية، ويبعد حوالي 60 كم من مركز الناحية، و80كم عن قضاء الرفاعي. وتبلغ مساحة التل قرابة 10 كم مربعة، ويشتمل على مواقع داخلية صغيرة ومتوسطة المساحة تابعة له، وهي (شميت وام الجرابيع وبنات الشيخ وفروة).
وحسب المعلومات الاستشراقية والتاريخية فان تل يوخا هو الاسم المحلي الذي يتداوله السكان المحليون لمملكة اوما السومرية (اكثر من 3500ق. م )ويوخا تعني المكان المرتفع، واغلب الظن يقاس الارتفاع في العلو عن الماء او للسيطرة والتحكم بالتنبيه عن غزوات الاعداء.
يترامى التل على مساحات وعرة،ذات ندوب وحفر،غدا واضحاً عليها حجم التخريب المباشر الذي خلفه عبث السراق، فبين كل مترين او ثلاثة هنالك عملية حفر عشوائي،وجذاذات تحفيات مكسورة لم يأبه بها أحد واستطعنا ان نلتقط صورا لبعض منها، بل ان البعض من السراق جلب حفارات لنبش الموقع خلال العام 2003، في واحدة من اسوأ عمليات السرقة، حسب شاهدين متعلمين من مدينة الفجر.
الطريق الجديد الى مملكة اوما
وهكذا فأن الطريق الى (يوخا) محفوف بالمخاطر والتأسي على وضع مربك، فهو بعمق ناء عن مركز الناحية، وغير مأهول بالسكان، سوى بعض رعاة الأغنام في هجير الرمال.ومن خلال زيارتنا الشاقة ،اكتشفنا ان مثل هذا الموقع المهم لا يتمتع بالحماية الأمنية الكافية، وليس فيه اي من الوسائل التي تساعد حارس الموقع الوحيد على البقاء، فلا ماء ولا كهرباء ولا وسائط نقل، حتى ان الغرفة المخصصة للحراسة هي غرفة طينية بائسة جدا.
علوة الآثار
(ع . ش) 25 عاماً من سكنة الناحية رافقنا لزيارة موقع يوخا ولم يشأ ان يذكر اسمه لأسباب معينة، كنا نتوقع ان نجد رجال امن او حراسة ، الا اننا برغم الساعات الاربع التي قضيناها فيه لم نر اي منهم، تجولنا من مكان الى آخر بكل يسر وسط حطام من أوانٍ فخارية وبقايا آثار محطمة كانت تملأ المكان، بعد ان تركها السراق نتيجة استخراجها بشكل عشوائي.
يقول (ع . ش) وهو شاب ريفي مزارع لم يكمل تعليمه الدراسي: إن آثار مدينة الفجر تعرضت للسرقة بشكل كبير، فخلال العام 2003 كانت هنالك سوق وسط المدينة لبيعها بشكل علني كان يطلق عليها (علوة الآثار)، كنا نشاهد نماذج غريبة من تحف واصنام وأوانٍ فخارية ومصوغات ذهبية ومسكوكات والواح طينية واختام وحلي وأحجار كريمة، كلها كانت تذهب الى تجار، يأتون من المحافظات القريبة، بحيث ينقلونها بسيارات حمل من نوع (بيك اب 1 طن) لكثرتها.
ويضيف" لم تكن هنالك حماية امنية للموقع، كانت الفوضى عارمة بحيث ان كل مجموعة كانت تذهب للتنقيب، وكل واحد على طريقته، فمنهم من احضر اخوته وابناء عمومته من مناطق اخرى ليساعده في النبش، ومنهم من جاء بأدوات حفر كهربائية، والبعض الآخر استخدم آليات (حفارات).
اما الآن فلم يعد الحال كما هو عليه بل تغير كثيراً، هنالك معلومات استخباراتية تصل الى أجهزة الأمن، وقد تمكنت شرطة المحافظة في متابعة السراق في الكثير من الأحيان، كما القت القبض على مهربين، فيما افلت آخرون من قبضة العدالة بعد ان اصبحوا يمتلكون ثروات طائلة نتيجة الاتجار بالقطع الأثرية، وبرغم المتابعات الامنية الا ان هنالك صفقات مشبوهة تجرى في الخفاء.
وتابع قائلاً" الموقع بعيد جداً، والحراس فيه يتغيبون كثيراً، فليست هنالك رقابة مستمرة عليهم لبعد المسافة وصعوبة الوصول، كما ان اغلبهم معينون بصيغة عقد واجورهم لا تكفي.
سرقات يومية
وعلى مسافة ليست بالقليلة من قصور يوخا تقع آثار شميت وهي مدينة تم التنقيب فيها قبل العام 2003، هي ايضاً لم تكن فيها حماية امنية رغم احتوائها على برج مراقبة كان خالياً من حارسه، والسبب انه ذهب لعائلته وترك الموقع عرضة للسراق.
ويقول طالب حسين 60 عاماً الذي يسكن مع عائلته في موقع شميت الذي يقع ضمن أرضه الزراعية، ان الموقع تعرض للنهب واستخرجت منه قطع أثرية كثيرة جداً، وهنالك محاولات سرقة تجرى فيه بشكل يومي لعدم توفر العناصر الأمنية الكافية، وبسبب تواجدنا على مسافة أمتار من الموقع نضطر لحراسته من السراق، ونخشى من العصابات ان تتعرض لنا بالأذى.
وتابع حسين" اعيش منذ زمن في هذا المكان، هو بعيد جداً عن مركز المدينة، والوصول اليه صعب للغاية بسبب طريقه الترابي الوعر، الاهمال يحيط به بالرغم من الزيارات التي تجرى اليه باستمرار من قبل هيئة الآثار والتنقيب، فلا موقع حراسة مناسب ولاتوجد خدمات اخرى كالماء والكهرباء والنقل، بحيث اصبح من الصعب جداً ان يستطيع الحارس الأمني تأدية واجبه بشكل صحيح، لذا فانه لابد من احاطة المكان بسياج ووضع كاميرات مراقبة وزيادة عدد قوات الأمن لحمايته.
غياب الحراسة
وفي طريق العودة الى المدينة اشار لنا سائق السيارة التي كانت تقلنا الى احد حراس الموقع عندما كان يتجول في السوق، وعند الحديث معه رفض الكشف عن هويته لكنه قال" انه يعمل حارساً في موقع يوخا بصيغة عقد، وراتبه الشهري لايكفيه سوى ايام، وهو يذهب للحراسة كل يومين، وحسب قوله ان هنالك ستة حراس فقط في الموقع يتبادلون الواجبات كل يومين، وهو عدد غير كاف اطلاقاً، كما انهم غير مزودين باسلحة يمكنها صد اي سارق، والمكان كبير جداً بحيث تصعب السيطرة عليه، اذ ليست هنالك ابراج لمراقبته بشكل دقيق، ولا انارة ليلية، ونفتقد الى وجود الكهرباء والماء.
واضاف" بين الحين والآخر نلاحظ عمليات تجاوز على الموقع، وهنالك مهربون يتفننون في التخفي فبعضهم يأتي بمصابيح ويختبىء من اجل البحث عن الاثار، والبعض الآخر يحاول ان يبحث عن القطع الأثرية بعيداً عن نقطة الحراسة. وكثيراً ما نقتفي اثارهم فنشاهد عمليات حفر جديدة ومخلفاتهم كبقايا قناني الماء وعلب السكائر وادوات الحفر.
واضاف" اذا لم تتخذ الحكومة اجراءات دقيقة باحاطة المكان بسياج، وتوفر أجهزة مراقبة وانارة لايمكن ان تتوقف عمليات السرقة.
مركز تمويل العالم
علي كاظم مسؤول عن ادارة مدينة اور الأثرية ومنقب حالي قال ان الكشف والتنقيب في اثار شميت التابعة لتلال يوخا في ناحية الفجر بدأ في العام 2000 وانتهى قبل سقوط النظام الدكتاتوري المباد في العام 2003 بثلاثة اشهر، حيث استخرجت اكثر من الف قطعة اثرية وارسلت الى متحف بغداد. وبين ان مثل هذه المواقع لايمكن السيطرة عليها بطرق بدائية، اي ان تكليف حارس واحد لحماية الموقع أمر غير معقول بالمرة نظراً للمساحة الكبيرة والتي تتألف من كثبان رملية وتلال وأرض مسطحة، حيث لا يتوفر للحارس اي من مقومات العمل الكافية، فليس هنالك ماء او كهرباء ولا حتى مكان مناسب يقيم فيه، وبصراحة نحن مقتنعون ان حارس موقع شميت او المواقع الاخرى هم فقط عيون لدائرة الآثار في رصد حالات المخالفات لكن ليس باستطاعتهم صد السراق باستمرار وبكل الاحوال، عمليات النهب منخفضة اي انها لا تشبه ما كان يحدث خلال السنوات الماضية.
كاظم اضاف ان الحل يكمن في تفعيل قوة حماية الآثار الموجودة حالياً بعد ان تتوفر لها امكانيات بسيطة وتابع متهكما: تجارة الآثار وترويجها بالعالم هو من المنطقة المحصورة بين الفجر والنصر ومركزها قضاء الرفاعي الذي يعد مركزا لتمويل العالم بالآثار ولو تم ايقاف تهريب الآثار من هذه المنطقة بشكل نهائي فانها تعرض متاحف العالم للضرر كونها تعتاش على اثارنا المسروقة، والحماية بسيطة وهي ان تتوفر خمس اليات من نوع (بيك اب) ونقاط حراسة في شميت ويوخا وبداية منطقة المالح وتوفير ماء صالح للشرب واجهزة تبريد ومكان اقامة مناسب للحراس ودوريات ليلية ونهارية تقوم بواجبها من خلال التحري والمتابعة ونصب الكمائن للسراق.
واشار" كاميرات المراقبة ضرورية في المناطق الأثرية، لكن من الافضل ان يكون هنالك بالون للمراقبة فوق مركز الرفاعي بجهة المالح وتكون معه وحدة سيطرة دورية متنقلة تتم المناداة عليها من خلال مركز المراقبة في كاميرات الرصد، وكل هذه المستلزمات غير مكلفة ولا ينفق عليها سوى مليونين او ثلاثة ملايين بالشهر الواحد، وهذا المبلغ بسيط جداً بالمقارنة مع ماينهب او نهب من قطع اثرية متنوعة ولأعمار تمتد الى آلاف السنين والحقب القديمة. وعن الآثار التي استخرجت وماهي اهم قطعة تم انتشالها من بين الكثبان الرملية قال" لكل قطعة اثرية ومهما كانت بسيطة قيمة، فقد نجد جرة او قطعة خزف بامكانها ان تغير تاريخ وملامح في العالم من خلال النقوش التي تكتب عليها.
إيقاف التهريب
بدوره اكد محافظ ذي قار طالب الحسن ان المحافظة تسعى جاهدة لايقاف عملية تهريب الآثار من خلال متابعة السراق ونصب السيطرات قرب المنافذ الرئيسة الواقعة بالقرب من المواقع الأثرية والتي تمتد على مساحات واسعة داخل مدينة
الناصرية.
وقال ان عمليات السرقة للآثار في مدينة الفجر والرفاعي اوشكت على التوقف بشكل نهائي بعد الاجراءات التي اتخذت، ورغم قلة عدد عناصر الحماية الا انه تم الحد من عودة النهب في هذه المواقع، وان مديرية الآثار بالتنسيق مع وزارة السياحة والآثار لديها خطط ناجعة لحل هذه المشكلة.
واضاف" شرطة المحافظة القت القبض في أوقات سابقة على مهربي آثار ليلقوا جزاءهم العادل، فيما تتابع الأجهزة الأمنية وتراقب المعلومات التي تصلها لتتحرك لالقاء القبض على السراق او استرجع آثار
منهوبة.
وقال ان الناصرية تتأسف جدا لفقدانها كما هائلا من آثارها الا ان هنالك ثقة عالية بالأجهزة الحكومية في استردادها وجعلها في متاحف مهمة كمتاحف العالم لاستقطاب الزوار والمحافظة عليها.
المصدر:الصباح