الأهوار أكبر المسطحات المائية فـي الشرق الأوسط فـي طريقها إلى زوال
Sat, 30 Jun 2012 الساعة : 9:52

وكالات:
تعد أهوار وادي الرافدين من أكبر المسطحات المائية في الشرق الأوسط وتقع في الجزء الجنوبي من العراق بين محافظات البصرة وميسان وذي قار. وتتكون الأهوار الجنوبية من ثلاث مناطق رئيسة هي: الأهوار الشرقية المعروفة بهور الحويزة، والأهوار الوسطى أو المركزية، والأهوار الجنوبية المعروفة بهور الحمار.
وتشغل مساحات واسعة تتراوح ما بين(15000_20000)كم² منها حوالي (9000)كم² أهوار دائمية، والمتبقي هي أهوار موسمية تغمرها مياه الفيضانات سنوياً واكبر هذه الأهوار هو هور الحويزة الذي يمتد من شمال شرق مدينة العمارة إلى شمال شرق البصرة ومن الأراضي الإيرانية حتى نهر دجلة غرباً، ويعرف الجزء الذي يقع في الجانب الإيراني باسم هور العظيم. حيث يعد نهر دجلة المصدر الرئيس للمياه في هذه المنطقة ويزود هور الحويزة بالمياه من الجداول الشرقية لنهر دجلة في العمارة وهي الكحلاء والمشرح ومن الأنهار الحدودية لغرب إيران وخاصة الكرخة والطيب والدويج ويصرف هور الحويزة مياهه إلى نهر دجلة عبر جداول عديدة أهمها الكسارة والورطة والى نهر شط العرب عبر جداول السويب.
تشكّل حوالي 17% من مساحة العراق
يقول د.بشار جبار جمعة من جامعة ميسان: تشكل مساحة الأهوار حوالي 17% من مساحة العراق، إذ تغطي المياه حوالي 8.3 مليون دونم من الأراضي العراقية، منها حوالي 2.3 مليون دونم تغطى بمياه الأهوار، وتعتبر من النماذج الفريدة بجريان المياه العذبة في المناطق القاحلة وشبه القاحلة وتعد من المناطق الغنية بالغطاء الطبيعي وثروتها الحيوانية من الأسماك والطيور والجاموس. حيث كانت تقدر طاقة الأهوار من إنتاج الأسماك بحوالي (60%) من الإنتاج السمكي الكلي في العراق خلال ثمانينيات القرن الماضي كما تمتاز الأهوار بمناخها الصالح لزراعة المحاصيل الاقتصادية، فضلا عن انتشار نباتات القصب والبردي فيها والتي يمكن إن تستعمل كعلف للحيوانات. كما أنها تدخل في صناعة الحصير وكمادة أولية في صناعة الورق والسكر. كما تشكل الأهوار مصدر عيش لعدد كبير من سكان الأهوار الذين يمتهن بعضهم تربية الجاموس، والبعض الآخر صيد السمك والطيور فيما يمتهن آخرون صناعة الحصير والبسط وقسم آخر زراعة الشلب.عانت الأهوار خلال فترة النظام السابق عمليات التجفيف من خلال تنفيذ العديد من المشاريع، إذ تم قطع مياه دجلة والفرات عن الأهوار وذلك بشق القنوات لتصريف المياه إلى خارج الأهوار. كما أقيمت السدود الترابية لمنع تدفق المياه باتجاه الأهوار.
تدمير نظام بيئي فريد
ويضيف الدكتور بشير عن جريمة تجفيف الأهوار: إن تجفيف الأهوار كان كارثياً في شتى المجالات، مؤدياً إلى تدمير نظام بيئي فريد من نوعه إذ أن ما تبقى من الأهوار بعد التجفيف لا يتجاوز الـ(5.14%) في أفضل الأحوال وان ما تبقى من هور الحويزة الذي يعتبر من اكبر أهوار جنوب العراق هو(33.3%) فقط من حجمه السابق، حيث تبلغ طاقة خزنه حوالي (7) بليون م³، ويبلغ الفاقد السنوي له بالتبخر حوالي (3.2) بليون م،³ وتبلغ مساحة هور الحويزة خلال ثمانينات القرن الماضي 3580كم²، وبعد التجفيف في عام 2000، أصبحت مساحته حوالي 1000كم²، وبعد عودة المياه بعد عام 2003، بلغت مساحتهُ 1600كم². بدأت عمليات تجفيف الأهوار في بداية التسعينيات من القرن الماضي ما اضطر عرب الأهوار إلى الهجرة، وفي عام 1991، تم إحراق النباتات وتلوث المياه ما اضطر الأهالي إلى النزوح إلى جنوب غرب إيران، إذ تشير الإحصائيات إلى إن أعداد النازحين قد وصل إلى حوالي 40000 نسمة، في حين أنتشر حوالي 250000 مواطن في أجزاء عديدة من العراق، وذلك بسبب تبدل نوعية البيئة، ولعدم وجود مصادر معيشية، فتدهور صيد الأسماك والطيور، وكذالك فإن المساحات الزراعية الواسعة لزراعة الشلب قد تلاشت وكذلك عدم وجود مصادر مياه صالحة للشرب وانعدام الخدمات التعليمية والرعاية الصحية الأولية قد زاد من هجرة السكان. وان التلوث الذي حصل للأهوار هو نتيجة للاستغلال غير المنتظم لمكونات البيئة الأساسية بفعل عوامل عديدة منها: فيزيائية وكيميائية وبيولوجية، فهناك ملوثات قد تصل إلى البيئة المائية بتراكيز فترات مختلفة، والتي قد تعمل على تدهور الموارد الطبيعية المتواجدة بشكل متوازن في الطبيعة مما يعرقل الفعاليات الحيوية لجميع الكائنات الحية، والذي بدوره يؤثر على حياة هذه الكائنات، ويعتمد نوع التلوث على طبيعة المواد المطروحة، فهناك تلوث بالعناصر الثقيلة أو بالهايدروكاربونات النفطية أو المواد ذات النشاط الإشعاعي أو بالمبيدات أو المواد العضوية أو غيرها من مصادر التلوث الأخرى.
تجفيف الأهوار وآثاره السلبية في المناخ
إن تدمير بيئة الأهوار اثر سلباًًً في مناخ المنطقة، إذ ارتفعت معدلات درجات الحرارة العظمى بشكل ملحوظ وكذلك تدني معدلات الرطوبة النسبية. كانت الأهوار قبل التجفيف تمتاز بالتنوع الإحيائي الكبير، إذ تحتوي الأهوار على أنواع كثيرة من العوالق النباتية والحيوانية والنباتات الطافية والغاطسة وشبه الغاطسة والطيور المختلفة واللبائن والزواحف والأسماك واللافقاريات. لقد وجد بعد عودة المياه إلى الأهوار مرة أخرى منذ عام 2003 والى الآن أن 50% فقط من الأنواع النباتية التي كانت موجودة في الأهوار سابقاً قد سجلت وأن الأنواع الباقية قد اختفت تماماً. إن بيئة الأهوار توفر المكان الملائم لمعيشة طيور نادرة ومأوى عالمي للطيور المهاجرة شتاءً، والتي لا توجد لها إحصاءات دقيقة من الجانب العراقي، وان اكبر هجرات الطيور الموسمية سجُلت في مناطق الأهوار، إذ تدخل هذه الأهوار ضمن الحلقة الأساسية في هجرة الطيور بين القارات، وكذالك توفر مكان ملائم لتكاثر عدد من الأسماك البحرية والربيان لذلك اعتبرت أهوار العراق أرثا طبيعيا عالميا استثنائيا مهما، ووضعت من قبل المنظمة الدولية للطبيعة ضمن قائمة المائة موقع الاستثنائي لمناطق البيئة في العالم التي يجب الحفاظ عليها كمحميات طبيعية.
أهوار مميزات بيئية فريدة في العالم
اشتهرت أهوار العراق لفترة طويلة بمميزات بيئية فريدة قلما تجتمع في منطقة أخرى من العالم، فهي تعد من ابرز نطاقات الأراضي الرطبة؛ ليس فقط في منطقة غرب آسيا بل في العالم اجمع. وفي الماضي القريب كانت هذه المنطقة تزخر بكل أشكال التنوع والثراء البيولوجي، تميزها بيئة معيشية خصبة وموارد طبيعية زاخرة بالكائنات الحية من طيور نادرة وحيوانات برية ومائية فريدة ونباتات متنوعة. وأتاح ثراؤها الطبيعي وموقعها الجغرافي لها أن تكون استراحة أو نقطة عبور رئيسية لملايين الطيور المهاجرة من روسيا حتى جنوب إفريقيا. ثم أنها منطقة توالد لأنواع كثيرة من اسماك الخليج. وصنفها برنامج الأمم المتحدة للبيئة كأحد أهم مراكز التنوع الإحيائي في العالم. وتشير الدلائل إلى أن المنطقة تقع فوق ثروات نفطية هائلة لم تكتشف بعد. حتى أن البعض يعتبرها بئراً بترولية ضخمة تحت طبقة غضة من الماء والنبات. وتعتزم الأمم المتحدة إدراج منطقة الأهوار العراقية على لائحة التراث العالمي. وأعلن البرنامج البيئي في الأمم المتحدة ومنظمة اليونسكو في بيان مشترك: إن الخطة التي تمولها الحكومة الايطالية تهدف إلى حماية الأهوار والحفاظ عليها، وقال موقع الأمم المتحدة إن أهوار وادي الرافدين التي تعرف بالهلال الخصيب كانت مركزا للثقافة ولتراث ثقافي فريد. والى كل هذا للمنطقة أرث تأريخي لا ينكر، فعلى أرضها كان يعيش سكان أصليون يعرفون باسم عرب الأهوار (المعدان) الذين يصنفون بأنهم من أقدم السلالات البشرية على وجه الأرض.
مركز إنعاش الأهوار
وضع البرنامج البيئي التابع للأمم المتحدة خطة لإعادة تشجير منطقة الأهوار وتأهيلها وبدعم من صندوق العراق التابع للمنظمة الدولية، كما تم تأسيس مركز إنعاش الأهوار RIM)C) الذي مهمته دراسة وتنفيذ العديد من المشاريع وكذلك رفع الضرر الكبير الذي لحق بالطبيعة والإنسان في مناطق الأهوار خلال الأعوام السابقة، وعليه من اجل النهوض بواقع الأهوار لابد إن يكون هناك نوع من التنسيق بين هذا المركز والجهات ذات العلاقة وبين الأكاديميين من ذوي الاختصاص للوقوف على طبيعة الظروف التي تعانيها أهوار جنوب العراق بما فيها إجراء دراسات ومسوحات دورية شاملة للمياه والتربة خاصة بعد تعرض مساحات كبيرة من الأهوار في محافظتي البصرة وميسان إلى عمليات التلوث التي حصلت مؤخراً بسبب وصول مياه البزل من الجانب الإيراني إلى هذه الأهوار، مما ينعكس ذلك سلباً على نوعية المياه والتربة، وبالتالي يؤثر ذلك على طبيعة نمو وتواجد الكائنات الحية المتواجدة في هذه المناطق، مما يدفع البرنامج البيئي التابع للأمم المتحدة للتحذير من أن الأهوار قد تختفي نهائياًًً خلال الخمس سنوات القادمة ما لم تتخذ خطوات عاجلة لإنقاذها.
خزان كبير للمياه العذبة
تحليل جغرافي لآثار تجفيف وإعادة أهوار جنوب العراق يقول د.رياض مجيسر حسن: تعتبر مناطق الأهوار من أغنى مناطق العالم من حيث تنوع الحياة المائية والبرية وهي الخزان الكبير للمياه العذبة، الذي يمكن الاستفادة منه في مياه الشرب، والتي سكنها الإنسان واعتاش على خيراتها وقد تراوحت مساحتها على بعض التقديرات ما بين (8000-3000) كم² أو يزيد بقليل. اجمع اللغويون والجغرافيون على أن كلمة الأهوار تطلق على الأراضي المنخفضة التي تغطيها المياه في جميع أيام السنة وفي مواسم معينة، وتضم مناطق ضحلة وأخرى عميقة نسبياً ينبت فيها القصب والبردي، وتتوزع على أهوار شرق دجلة، وأهوار ما بين نهري دجلة والفرات، والأهوار الممتدة غرب نهر الفرات والتي يعزى تكوينها إلى عدة أسباب منها: إن المنطقة تكونت نتيجة التواء قشرة الأرض ما أدت إلى ارتفاعها وانخفاضها في البعض الآخر. وهناك من يعتقد أن المنطقة المغمورة بالمياه إلى ما قبل الألف الرابع قبل الميلاد ثم أنحسر البحر. ويقدر عدد سكانها بـ(300 ألف نسمة) ويشمل هذا العدد القرى والأرياف التي تقع ضمن إقليم الأهوار في المحافظات الثلاث البصرة والناصرية والعمارة. وحرفة سكان الأهوار تتراوح ما بين تربية الحيوانات وزراعة بعض المحاصيل مثل الرز، والقيام ببعض الصناعات الحرفية إضافة الى صيد الأسماك والطيور. وأدى التجفيف إلى ارتفاع درجات الحرارة بمعدل (5 درجة مئوية) كما أن التجفيف أدى الى إحداث حالات مفاجئة من العواصف الرملية الهابة بعد تجفيف الأهوار كما أدى التجفيف إلى تلوث مياه نهري دجلة والفرات، حيث أن الاهوار تعمل كـ"الفلتر" في تصفية المياه، أما ايجابيات بقائها، فيمكن الاستفادة منها في تنمية الثروة السمكية وكونها بيئة ملائمة لعيش الطيور البرية المهاجرة والداجنة، والتي تحتوي على أصناف متعددة، ويمكن استغلال الأهوار كمناطق سياحية خاصة في فصل الربيع حيث النباتات والأزهار الخضر بمختلف أنواعها، ومساحات المياه الشاسعة يضاف لها طرق التنقل بالزوارق والمشاحيف في مواسم ارتفاع مناسيب المياه ومناخها الدافئ، فتصبح أفضل الأماكن السياحية، إذا ما توفرت الأموال والإمكانات اللازمة لشق الطرق وبناء المطاعم والفنادق والجزر الوسطية في مناطق الأهوار. كما يمكن الاستفادة منها في تخزين طبيعي للمياه وبقاء الأهوار مغطاة بنباتات القصب والبردي والنباتات الأخرى، وبالتالي سحب كميات من ثاني اوكسيد الكربون وتوفير الأوكسجين والمساهمة في بناء غلاف جوي ونظام بيئي متزن. وان الأهوار منخفضات من المياه تتأثر بالظروف الطبيعية كقوة الجريان النهري لنهري دجلة والفرات وكمية الأمطار الساقطة وعدد السدود وكذلك بالظروف السياسية في هذا البلد والبلدان المجاورة فليس من الغرابة أن تشهد الأهوار انخفاضاً في كميات المياه الواصلة وتقلص مساحاتها بل تجفيف أجزاء كبيرة منها.
غايات وأغراض سياسية
أما عن تجفيف الأهوار فيقول الدكتور مجيسر: يمكن أن نسجل نوعين من التجفيف: التجفيف الطبيعي يحصل نتيجة انخفاض كميات المياه الواصلة إلى الأهوار، والتجفيف السياسي ويحصل نتيجة لأغراض سياسية معينة، حيث قام النظام المباد بتجفيف الأهوار للقضاء على قوى المعارضة له، والتي كانت تتخذ الأهوار قاعدة لها وتهجم عندما تحين الفرصة على أجهزة نظامه، إذ قام بعدة محاولات للقضاء على قوى المعارضة في الأهوار بل قام بتكثيف الأهوار وأحيانا بتفريق القرى المجاورة للأهوار للتقليل من حجم قوى المعارضة أو قطع الإمدادات عليها ويتخذ هذا الأسلوب في الأعوام التي ترتفع فيها مناسيب المياه. استنتج البحث أن هناك إيجابيات في حالة بقاء الأهوار منها تشغيل اكبر عدد ممكن من السكان، إضافة إلى الثروات الطبيعية الموجودة في الأهوار، وكذلك يمكن جعل مناطق الأهوار أماكن سياحية ومخازن للمياه كذلك هنالك ايجابيات في حالة تجفيف الأهوار منها جعلها أماكن للزراعة وتسهيل استغلال الثروة النفطية، إضافة الى توفير المياه في أماكن أخرى أكثر أهمية.
المصدر:المدى